الثلاثاء، 5 مارس 2013

كيف نتصدي لأمريكا ؟


    ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

    كان دائمًا يسوق لنا أننا لا نستطيع أن نقول "لا" واحدة لأمريكا. كان دائمًا يسوق لنا أننا الطرف الأضعف و كوننا الطرف الأضعف بالضرورة يحتم علينا الانصياع و تنكيس الرأس و الخنوع لها.
        لكن هل هذه الفقاعة الضخمة حقيقة ؟ هل نحن فعلاً أضعف فبالضرورة يجب أن ننحني و نخضع لكل أمرٍ أمريكي لنا ؟
       في رأيي "لا" ، لن أجادل حاليًا أننا لسنا أضعف تمامًا كما نظن ، و لكنني سأجادل أننا حتي و إن كنا أضعف كما ندعي، فهذا لا يعني بالضرورة أننا يجب أن نقبل أقدام أمريكا ، و نجري إلي أي هدف تشير بإصبعها إليه.
        أنواع القوة متعددة و كثيرة ، منها القوة العسكرية و الاقتصادية و الثقافية و قوة التأثير و الخداع ،إن كنا لا نمتلك بعضها بشكل متساوٍِ مع أمريكا ،فيمكننا أن نستعمل أخري بطريقة معينة موجهة لنستطيع أن نتصدي لها.
        مثلاً يمكننا استغلال قوتنا الناعمة و نفوذنا الأخلاقي كما تفعل تركيا الاّن لنصنع لأنفسنا شعبية في المنطقة و صوتًا مسموعًا. عندما سقط ضحايا أتراك في أسطول الحرية ، و بعدها أدي أردوجان دوره المحترم في انتقاد حصار غزة كفعل إجرامي من إسرائيل ، اكتسبت تركيا و نموذجها الحضاري شعبية واسعة في منطقتنا العربية ، و بدأ التحدث عن كون تركيا واحد من ثلاثة لاعبين غير عربيين في المنطقة ( إسرائيل و إيران و تركيا) يحددون مصيرها.
        إيران هي الأخري رغم أنها سوقت لكونها تستطيع ردع إسرائيل و أمريكا ليست بهذه القوة المضخمة علي الإطلاق ، و لكنها تستفيد من الصورة الذهنية السلبية عن كونها خطرًا محدقًا بأمريكا و إسرائيل لتصنع لنفسها بروباجندا كنموذج لدولة تستطيع لتصدي لأقوي قوة في العالم ، و هذا جعلها لفترة معينة ذات شعبية واسعة في المحيط الإسلامي و لاعب محوري في المنطقة.
        بغض النظر عن موقفي و رأيي تجاه النموذجين التركي و الإيراني ، فأنا هنا أتحدث عن قدرة بعض الدول (الغير قوية )و الناشئة أن تتصنع لنفسها صورة ذهنية قوية و شعبية واسعة تجعلها لاعبًا مهمًا في منطقتها. ربما أجد سؤالاً يطرح حول علاقة هذه الشعبية المغلقة داخل محيط محدد و المرتبطة بمواقف أخلاقية أو إيديولوجية لدولٍ ناشئة بقدرتها علي التصدي لأمريكا .سأجيب إجابة بسيطة ، هي أن هذا النفوذ و هذه الشعبية أثبتا أنهما بطريقة أو بأخري يجبران أمريكا علي إجراء حسابات أخري قبل تأثيرها علي هذه الدول.
        أمريكا لم تستطع بسهولة ضرب إيران لأسباب متعددة ، و لكن أحد هذه الأسباب هو صورة إيران الذهنية كنموذج حضاري إسلامي يحاول النهضة باستعمال القوة الذرية استعمال سلمي ، و تحاول أمريكا إجهاض هذا النمو فقط لحماية إسرائيل و لتبقي علي المسلمين دائمًا متخلفين. هذه الصورة التي سوقتها إيران هي واحد من الحسابات الدقيقة التي تحسبها أمريكا قبل ضرب إيران ، خاصة و أن هذه الصورة الذهنية لإيران تجعل الدول العربية ذاتها عاجزة عن الوقوف إلي جانب أمريكا كما فعلت في حرب الخليج الثانية ضد العراق مثلاً ، فلو حاولت حتي الدول العربية فعل ذلك فسينظر لها علي أنها تدعم أمريكا و إسرائيل في إجهاض النموذج الحضاري الإسلامي الإيراني في النمو.
              مصر لو حاولت أن تتبني نموذجًا معينًا أخلاقياً خاصًا بها بغض النظر عن مكونات هذا النموذج و قاعدته الإيديولوجية أو الأخلاقية ، فإن مصر تضمن لنفسها أن تكتسب نفوذًا إقليميًا و ربما عالميًا أيضًا يجعل أمريكا تحسب لها ألف حساب ، و يضعف من قبضة أمريكا السياسية علي مصر. و نحن أكثر حظًا من تركيا و من إيران ؛لأننا نمتلك مميزات كثيرة مثل الأزهر كقوة ناعمة في المحيط الإسلامي و الكنيسة المصرية التقليدية كمصدر نفوذ في المحيط الإفريقي ، و نمتلك موقع استراتيجي متميز يجعلنا مرتبطين بأفريقيا و اّسيا و المنطقة العربية و البحر المتوسط و نحن علي حدود ما يسمي دولة إسرائيل و هي الدولة التي تشكل منبع أهم الصراعات في المنطقة. و نمتلك كذلك ميراث حضاري ضخم لا تمتلكه دولة في العالم من حضارة فرعونية و يونانية رومانية و قبطية و إسلامية و حديثة و هذا الميراث الحضاري في حد ذاته يشكل جاذبية قوية لمصر يمكن إن استغلت جيدًا أن تصنع لها قوة حضارية ناعمة في العالم بأكمله ( و هذا ما تحدثت عنه في مقالي السابق أفكار لنهضة مصر 2) ، نحن أيضًا لدينا تاريخ فني قوي ، إن أعدنا الاعتبار لفننا ، أغانينا و أفلامنا و جعلناهم يستمدون أفكارهم من هذا التراث الحضاري الغني المتنوع فربما نتمكن من جعلهم المصدر الرئيسي لتأثير مصر في المنطقة و العالم .
               أمريكا بارعة في ( قوة التأثير) فهي تستطر علي العالم بنموذجها الثقافي ، بأفلامها و موسيقاها و رسومها المتحركة (بوجه أقل) ،جامعاتها ، مطاعمها ، غذائها .هذا ما صدرته للعالم في عصر العولمة أو الأمركة كلاهما سواء، و هذا ما جعل لها نفوذًا حقيقيًَا فكريًا علي أجيال طويلة في العالم كله تقريبًا فقدت انتماءها الحضاري لأوطانها لتتبني الاتنماء الكامل للحلم الأمريكي.و نحن كذلك ضعفاء لأننا مثل الجميع و ربما قبل الجميع نتطلع لأمريكا بازدواج كراهية وعداء من جهة و خضوعٍ و عشق من جهة ثانية و حلم بمجرد أن ترضي عنا و نهاجر إليها. و هذا واحد من أهم مفاتيح ضعفنا أمام أمريكا.
         لننظر إلي اليابان .اليابان كانت و مازالت منبهرة بالنموذج الأمريكي ، شبابها يعشقون طريقة الحياة الأمريكية ، و أغاني المجموعات الشبابية الأكثر شهرة في اليابان علي إيقاعات أمريكية. أفلام هوليوود أثرت تأثيرًا محوريًا في وجدان الشباب الياباني لعقود. و لكن اليابان لم تستلم لقوة التأثير الأمريكية ، قوة أمريكا الناعمة ، و ردت ردًا مباشرًا بنظرية الردع الهجومي علي أمريكا. الرسوم المتحركة اليابانية و المجلات المصورة كانا سلاح اليابان الحضاري للتصدي لقوة أمريكا الناعمة بالرد بالمثل. فالأطفال و الشباب الأمريكيين الاّن يخضون للنموذج الحضاري الياباني المصدر لهم في الرسوم المتحركة اليابانية. يمكن القول تقريبًا أن كوريا حاولت فعل الشيء ذاته فلم تجد مجلاتها المصورة و رسومها المتحركة الشعبية ذاتها ، فلجأت إلي المسلسلات الكورية و نجحت في جعل هذه المسلسلات بمثابة قوة ناعمة مؤثرة لها داخل أمريكا و غيرها.
           ليس هناك نموذج محدد أو نمط واحد يجب أن تسير فيه مصر لتمتلك قوة ناعمة أو خشنة ضد أمريكا ، و لكن يجب أن نختار نموذجًا حضاريًا و ثقافيًا و سياسيًا نتبناه ليصنع من مصر نموذجًا حضاريًا متميزًا و مؤثرًا في مجريات المنطقة و العالم إن تمكنا من خلق هذا النموذج بكل أضلاعه السياسية و الثقافية و الحضارية ( تركيا تمتلك درامتها كجزء من نموذجها الثقافي و قوتها الناعمة ) ، فحينها ستصير مصر قادرة علي التصدي لأمريكا بقوة و ستجبر أمريكا علي وضع عشرات الحسابات أمامها و هي تتعامل مع مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق