( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
فننا تخلف و انحط ،هذه حقيقة لا ينكرها أحد ،حتي
القائمين علي تقديم الانحاط الفني لا يستطيعون الادعاء بأنهم يصنعون فناً برقي
فننا في الماضي. لست من من يفدسون الماضي بل اني أرفض لقب ( الفن الجميل )، و لكني
كالجميع أقر رغماً عن أنفي أن ما نصيغه الاّن ليس فناً أصلاً ، و لا يمت للجمال
بصلة.
ينقص
فننا الكثير ، أولاً تنقصه (المصرية). الاّن فننا مغرب ، يفتقر إلي الروح المصرية.
الألحان غربية (لا يكلف العازفون أنفسهم عناء دمج الألحان المصرية بالغربية حتي) ،
الكلمات بعضها أجنبي ، و البعض الاّخر ينسب ظلماً و زوراً إلي العامية المصرية .كل شيء مغرب ، من ملابس المغنين و المغنيات إلي
أسمائهم التي تظهر بالانجليزية بعد الأغنية. حتي رقصات و أداء المغنين و المغنيات
غربية ( أو محاولة فاشلة لتصير غربية) حتي اختيار مواقع و تصميم و إخراج الفيديو
الغنائي غربية.المغني الوحيد الذي أفضله و استمع اليه هو (محمد منير) ؛لأن أغنياته
مصرية نوبية خالصة من نبض روح الوادي،و خلال العام الماضي إنضم له (حمزة نمرة) و
لكن للأسف الشديد لا يوجد غيرهما أحد يقدم
من تراثنا المصري فناً مصرياً ،لاأحد يقدم من التراث الفلاحي أو النوبي أو
السيناوي أو الصوفي ،لا أحد. هناك القليل جداً من الأغاني التي تحمل التراث المصري
، و حتي ما يسمي غناء شعبي أصبح الاّن أي تفاهة تقال علي إيقاع طبلة أو رق .و لم
يعد أحد يفهم معني الفن الشعبي الراقي الذي يعبر عن المصرية بكل حضاراتها و
بيئاتها.
ثانياً
(نبض الشارع) . عندما أتابع الأغاني أو الأفلام المصرية أو حتي بعض الكتب و
الأعمال الأدبية ألحظ وجود مصر اّخري غير مصر التي في الشارع . بينما ترتدي
الممثلات ملابس عارية في الدراما ترتدي أغلب نساء مصر الحجاب أو النقاب. بينما
يعيش الممثلين و المغنين في الأفلام و المقاطع الغنائية في قصور يعيش أغلب
المصريين في بيوت لا يصح وصفها بالبيوت .ألحظ مجتمعاً اّخراً يقدم في السينما .
الدراما تقدم الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها صناعها لا أغلب الشعب المصري. هناك
نوع اّخر من الدراما رائده (خالد يوسف) يقدم مجتمع المهمشين و العشوائيات بصور
ربما يقول البعض أنها مبالغ فيها ،و لكن كثيراً من سماتها حقيقي.و مؤخراً بدأ
تقديم سينما و أدب و دراما من نبض الشارع ، و لكن مازال ينقصها الكثير ، منها
الحيادية و عدم المبالغة ، و منها طريقة تقديم الشارع بطريقة مناسبة ، لا تهبط
بمستوي المشاهد و لكنها تقدم بصدق الشارع المصري.
ثالثاً (الرسالة).هناك مذاهب كثيرة تؤمن بالفن لأجل الفن ؛ بمعني أن
الرسالة ليست ضرورة حتمية للعمل الفني.لا يمكن القول بأن العمل الفني ناقص مستواه
إذا فرغ من الرسالة ،و لا يمكن لرسالة العمل أن ترفع عنه ضعفه الفني ، و لكني
أعتقد أن (الرسالة) ركن أساسي مقوم للعمل الفني، بدونها يكون العمل الفني مثل شجرة
صناعية رائعة الجمال و لكنها لا فائدة بيئية حقيقية لها.في فننا نحن يفتقد
(الرسالة) ، هناك من يحاول افتعال رسالة للعمل الفني مثل الزج بموضوع الصراع
العربي الإسرائيلي بلا داعٍ درامي أو الحديث عن الفقر.هذا يفسد بنية العمل الدرامي
، العمل الدرامي أو الأدبي يجب أن يبدأ بناؤه علي (الرسالة) الرئيسية المقدمة ثم
تزين (الرسالة) و تتجمل بالمستوي الأدوات الفنية له. (الرسالة) بدون أدوات فنية
وعظ لا قيمة له ، و لا يجذب المتلقي له ،و الفن بلا (رسالة) دمية رائعة الجمال
بدون روح.
رابعاً
(مستوي الأدوات الفنية) . لست سينمائية و لكني أعلم أن ما يقدم الاّن في الدراما ،
السينما و الغناء هو أدني درجات الانحاط الفني ، فلا إخراج جيد ، و لا تمثيل ، و
لا موسيقي ،و لا أداء ، و لا تصوير ، و لا أصوات ، و لا كلمات حتي .و كمشروع أدبية
أعلم أن كثيرًا من الأدب المصري الاّن مفرغ تماماً من أي مستوي أدب مرتفع ، بلا
لغة ، و لا أفكار ،و لا رسالات،و لا حتي قصص.ما يباع به الفن و الأدب الاّن بكل
مجالاتهما إما الإثارة (بالعنف و الرغبة) و إما اللعب علي أوتار موجتي التدين و
الوطنية الساريان في المجتمع .
خامساً
(التوجيه إلي النشيء) .الفن و الأدب في مصر –ككل شيء تقريباً- لا يوجه للنشيء و
لكن لمن هم في الأربعينات و ما فوق.لا يوجد لدينا أدب و دراما أو رسوم متحركة
راقية للأطفال و الشباب رغم أنهم يمثلون 70% من جمهور السينما. و سبب عزوفهم عن
القراءة ليس فقط بسبب انتشار الأدوات التكنولوجية التي تعتبر شماعة يعلق عليها فشل
الأدباء في اجتذاب النشيء للقراءة. السبب الرئيسي في هذا العزوف أن الأدب لا يوجه
لهم أصلاً. فتقريباً كل كتب الأطفال التي يكتب عليها (حتي 18 عاماَ) و كل الرسوم
المتحركة المصرية لا تصلح لمن تجاوزوا السابعة من العمر.و لا توجد كتب أو قصص أو
رسوم متحركة تناسب مستوي الأطفال بعد السابعة و حتي السابعة عشرة .أما عن السينما
فلا توجد سينما أصلاًَ للنشيء . و إن كان صناع الفن و الأدباء يعتقدون حقاً في أن
رسالة الفن و الأدب هي تقويم المجتمع و بناء التقدم ، فالنشيء هم الأساس ؛لأن ما
يقدم لهم يزرع داخلهم و يكبرون به حتي و إن كان ضد مجتمعهم و يمكنهم تصحيح مسارات
المجتمع و لكن الكبار ترسب داخل وعيهم الخطأ الاجتماعي و يقاومون الأفكار التي
تقدم لهم ، بينما يتشربها النشيء بدون مجابهتها.
هذه النقاط الخمس تلخص بعضاً من بواطن
العجز داخل فننا المصري. و ان أردنا أن نقدم فناً يصلح المجتمع ، و يصير قوة ناعمة
نغزو بها العالم علينا التخلص من نقاط الضعف ، أن نجد رسالة لفنناً و أن نقدم
فنناً من تراثنا المصري و من نبض شوارعنا المصرية مزيناً بالمستوي الفني الراقي و
موجهاً الي النشيء قبل الكبار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق