الثلاثاء، 19 مارس 2013

استيراد الثقافة و النهضة ( نموذج اليابان)


        ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
      

     كتبت طويلاً عن (علاقتنا بالغرب) ، ازدواجيتنا في النظرة التطلعية إليه علي أنه النموذج الأفضل ، و ازدرائنا له و تحقيرنا إياه ؛لأننا دائمًا نتهمه ( من منظرونا نحن و ثقافتنا ) بالفسوق و الانحراف.و هذه الازدواجية ولدت داخلنا ازدواجية أخري بين تيار رافض تمامًا للتأثر بالغرب أو بأي ثقافة يراها مختلفة ،و تيار اّخر يري أنه لا حل لنا إلا باتباع خطي الاّخرين. و حتي هذان التياران الفكريان داخلهما مزدوجان ، فالتيار الذي يرفض التأثر بالاّخر داخله يبجله و بضرب الأمثال به ، و التيار المبهور بالاّخر دائمًا يؤكد علي حرصه ألا نتحول لنموذج مشابه للاّخر المنحرف.
        و في النهاية مازلنا نعاني من أننا ننكر تأثرنا بالغرب و الشرق و نحن في الحقيقة نحيا حياة ليست أبدًا مصرية بل هي خليط من نموذج مشوه من الثقافتين الغربية و الخليجية. و إن كنا نريد أن نتقدم حقًا و نحافظ علي مصريتنا ، علينا أولاً أن نقرر موقفنا من استيراد الأفكار و الثقافة و النهضة الحضارية من الاّخر سواًء من الغرب أوالشرق ، هل سنبقي منغلقين علي أنفسنا أم سنقبل الاستيراد من الاّخر ؟ و إن كنا سنقبل ، ما هي الاّلية التي نتبعها للحفاظ علي مصريتنا من الانطماس ؟
           أؤلئك الذين يقولون أننا يمكننا أن نحيا معتمدين علي أنفسنا وحضارتنا و ماضينا بدون  حاجة إلي الاستيراد من الخارج لنحافظ علي هويتنا يفكرون بطريقة نظرية عاطفية قومية غير منطقية ؛لأنه لا توجد أمة قادرة علي النهضة و التقدم وحدها ،و لا أن تحيا وسط عالم بدون أن تتأثر به ، و خاصة و هي الأضعف فيه ، و لن تستطيع أن تكون الأقوي بدون أن تتعلم و تتأثر بمن حولها . الحضارة الغربية لم تنهض إلا عندما تعلمت و تأثرت بالتراث الإسلامي ، و الحضارة الإسلامية قرأت و تأثرت و تعلمت و أكملت مسيرة الحضارة الرومانية ، و الحضارة الرومانية ما هي إلا امتداد للحضارة الإغريقية ، و الحضارة الإغريقية هي امتداد للحضارة الفرعونية و إكمال لما كان متبقيًا حينها من حضارتها ، و حتي في العصر الحديث (اليابان) التي اخترتها نموذجي تأثرت كثيرًا و تشربت الحضارة و الثقافة الغربية لتبني نهضتها.
          و من يدعي أن الحضارة يمكن أن نستوردها بدون الفكر و الثقافة يتحدث مجددًا بطريقة نظرية غير واقعية ، فمن ينظر إلي الحضارة الإسلامية من كافة الأوجه بعد نهضتها اعتمادًا علي تراث الفرس و الرومان يجدها متأثرة جدًا بثقافتهما حتي في الفنون الإسلامية ،و طريقة الحياة التي اصطبغت بالترف الزائد الذي كان يميز الحضارة الفارسية. و من ينظر لحضارة الرومان سيجدها مقتبسة لكثير من معالم حضارتي الإغريق و الفراعنة اللتان سبقتاها ثقافيًا و فنيًا و حتي دينيًا. و اليابان من ينظر لها نظرة خاطفة يراها مغربة ثقافيًا إلي حدٍ كبيرٍ.
           لكن من جهة أخري هناك دائمًا مسألة الحفاظ علي الهوية الثقافية مع الاستيراد الحضاري و الثقافي و الفكري من الخارج ، و هي طبعًا معضلة صعبة و لكن ليست أبدًا مستحيلة. و هذا يكون بشكل أساسي من خلال إجابة سؤالين ، الأول :" هل نستورد بدون صبغ ما نستورده بروح ثقافتنا ؟" و السؤال الثاني :" هل نصدر كما نستورد أو أننا نستورد فقط ؟"
        أولاً : لنستورد من الخارج يجب أن نطوع كل ما نستورده للتناسب مع ثقافتنا ، و أن نصبغه بروحٍ مصرية . أبسط نموذج ، إن استوردنا من أمريكا فكرة البنطال الجينز ، فلنزينه برسومات من الفن الإسلامي أو الفرعوني ، و إن استوردنا من الخليج فكرة ارتداء العباءة فلماذا بدلاً من العباءة لا نرتدي الجلباب المصري؟ إن استوردنا من أمريكا أفلام الرعب ، بدلاً من استيراد فكرة الأرواح الشريرة نصنع رعبًا من أساطيرنا المصرية مثل الغولة و النداهة و الدمي المسكونة بالجن ( و النموذج الأفضل لذلك هو مسلسلنا أبواب الخوف ).فلنجعل الإبداع في تمصير ما نستورده هو منهجنا في الاستيراد للحفاظ علي هويتنا. و هذا هو ما فعلته اليابان ، فالأنمي الياباني الذي غزا العالم هو بالأساس بدأ اقتباسًا من الرسوم المتحركة الأمريكية ثم اصبغ عليه اليابانيون اللمسة التراثية اليابانية التي تمثلت في النينجا و الساموراي و مبادئ الانتماء و الهوية و الولاء للقائد و القانون اليابانية ، و عادت اليابان لتصدره للعالم بما فيه أمريكا ليصير قوتها الناعمة التي تأثر بها في نشء العالم كله حتي بات يهدد هوية النشء الأمريكيين !
               و علي المستوي الأعمق ، عند استيراد نموذج اقتصادي مثل استيراد النموذج الرأسمالي من الغرب أو الرأسمالي الوطني من الصين يجب أن نكون حذرين و نطوع هذا النموذج بما يتناسب مع مجتمعنا ، و لا يسبب مزيدًا من المعاناة لما يزيد عن 40% من الشعب الذين يحيون تحت خط الفقر.اليابان عندما استوردت نموذج الرأسمالية درست  علاقته بطبيعة الشخصية اليابانية. فطبيعة شخصية القائد ( رجل الأعمال) في اليابان الثقافية تلزمه بتقديم الرعاية الكاملة لكل من تحت سلطته، و من الثقافة الاقتصادية العامة في اليابان بدون إلزام حكومي أن يقدم رجل الأعمال كامل التأمين الصحي و خدمات الرعاية للعاملين. و هو ما جعل الحكومة اليابانية تتبني دور أقل تجاه القطاع الخاص ؛لأنها تعلم أن هذا لن يؤثر كثيرًا ، و خاصة أن لديها منظومة قوية من الشفافية ضد الفساد . أما نحن فلم ندرس ما الذي سيترتب عليه ، اقتصاد حر بلا رقابة دولة ، مع رجال أعمال كل ما يهمهم الربح حتي لو علي حساب العاملين ،و مع منظومة فساد متكاملة ، و دفعنا الثمن. و هنا تظهر ضرورة دراسة ما نستورده ، و مدي ملاءمته لواقعنا ، و مدي إمكانية تطويعه مع ثقافتنا و اقتصادنا .
                 ثانيًا: دور المستورد فقط هو دور العالة ، لنكون نموذجًا حضاريًا قويًا يجب أن نعطي كما نأخذ و في مرحلة ما أكثر مما نأخذ. طبعي في البداية و نحن ما نزال في طور النمو الحضاري أن يكون تأثيرنا فيما و من حولنا ضعيف ، و لكن يجب أن نعمل علي تقويته تدريجيًا . إن كنا نستورد أفكارنا السينمائية و الإعلامية  من أمريكا يجب أن يأتي وقت نصدر فيه لأمريكا أفلامنا و برامجنا بأفكارنا كما فعلت الهند عندما استوردت في البداية من ( هوليوود) لتصير اليوم ( بوليوود ) التي تصدر للعالم كله تقريبًا أفلامها. إن كنا اليوم نستورد من الصين كل منتجاتها حتي فوانيس رمضان و السبح و التماثيل الفرعونية! يجب أن نعمل علي أن نصدر لها ذات يوم فوانيس مهرجاناتها و مراوح اليد النسائية. و أن نكون أيضًا ذات يوم ندًا لها و قادرين علي أن نصنع مثلها الصواريخ. إن كنا اليوم نستورد صيحات الملابس الغربية ، يجب أن نعمل علي تصدير ملابسنا الفرعونية و جلابيبنا الإسلامية و السيناوية و النوبية و الفلاحية للجميع و تصير رسومات و أشكال الملابس و الإكسسوارات المستمدة من التراث المصري من أهم منابع تصميمات بيوت الأزياء المصرية التي يجب أن نجعلها عالمية.
                    نحن يجب أن نتعلم و نتأثر بالاّخرين و لكن شريطة أن نطوع كل ما نتعلمه و نكتسبه منهم مع ثقافتنا ، و أن نختار بتأنٍ ما نريد أن نستورده و ما لا يناسبنا ، و أن نكون تدريجيًا مؤثرين فيهم كما يؤثرون فينا و أكثر ؛لأن غايتنا الحقيقية من هذا الاستيراد  أن نكون نحن المصدرين ذات يوم.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق