السبت، 29 أبريل 2017

تساؤلات (6): هل الدين حقًا مطلق؟ (ملخص مقال سابق)

     يحلو لأتباع ورجال الديانات المختلفة الإدعاء بأن دياناتهم مطلقة، لكن هل الدين واقعيًا مطلق أم نسبي؟هناك الكثير من القرائن علي نسبية الدين. الكثير من أحكام الدين تغيرت من مجتمع لاّخر، و من وقت لاّخر. الأزهر (وهو أكبر مؤسسة سنية في العالم الإسلامي) رفض مثلاً فكرة ملك اليمين عندما عادت للظهور منذ عدة سنوات، و قال أن مرتكبيها زناة، رغم أن ملك اليمين كان مقبولاً كصورة من صور النكاح في الإسلام. الأزهر تبني وجهة النظر التي ترى أن المجتمع تغير، و لا يمكن قبول عودة نظام نكاح كهذا فيه. رجال الدين الشيعة في إيران مثلاً تقبلوا فكرة التحول الجنسي، وتعتبر إيران الدولة الثانية عالميًا في التحول الجنسي؛ مثل هذا الرأي لم يكن ليقبل في السابق من قبل رجال الدين الشيعة. حتي كثيرًا من الأحكام الدينية للشيعة كزواج المتعة المرفوضة تمامًا للسنة يمكن تفسير وجودها بالإطار الاجتماعي الذي نشأت فيه الذي يعتبر أكثر تقبلاً لأفكار اجتماعية منفتحة عن الإطار الاجتماعي للمجتمعات السنية. حتي في المجتمعات السنية، انتشار الفكر الوهابي في السعودية مثلاً، مقابل الفكر المالكي في تونس، مرتبط بالاختلاف التاريخي للمجتمعين إلي حد كبير.
        الإطار التاريخي، والاجتماعي حدد كثيرًا من الاختلافات بين ديانات متقاربة مثل الديانات الإبراهيمية، كما أنه حدد الإختلافات بين المذاهب المختلفة داخل هذه الديانات. مثلاً الكاثوليكية ترفض الزواج بين أبناء العمومة، وتعتبره زنا محارم، لكن هذه الصورة للنكاح مقبولة لدي الأورثوذكس؛ لأن المجتمعات الأورثوذكسية (كمصر) شاع فيها زواج الأقارب تاريخيًا، بينما رفض تمامًا بالنسبة للمجتمعات الكاثوليكية (كروما) تاريخيًا، و نظر إليه بتقزز. اليهودية مثلاً تلزم المرأة التي ترملت بالزواج بأخ زوجها جبرًا عليها و علي أخ الزوج، بينما تري المسيحية ذلك زنا محارم، و يقبله الإسلام، لكن لا يلزم به. وهذا الاختلاف نابع من اختلاف المجتمعات الثلاث. المجتمع اليهودي ظل لفترة طويلة يضطهد المرأة، و لم يكن للمرأة فرصة لأن تعيش بدون الزوج، و كانت المرأة ستتعرض للإهانة، و الخدمة، و الاستغلال إلم تجد زوجًا مسؤولاً عنها في ذلك المجتمع. أما المجتمعات العربية البدوية، فكان للمرأة قدرة مالية فيها إلي حد ما، و كان شائعًا فيها الزواج من أرملة الأخ، لذلك قبل الإسلام هذا الزواج، و لم يفرضه. أما المجتمعات المسيحية خاصة الغربية، فقد اعتبرت الزواج بمثابة امتداد أبدي للأسرة؛ لذلك رأت الزواج من أخ الزوج بمثابة زنا محارم. تعدد الزوجات مثلأً وجد في الإسلام، و اليهودية، و رفض رفضًا باتًا في المسيحية؛ لأن المجتمعين العربي البدوي، و اليهودي قبل فيهم التعدد، واستقر كمؤسسة اجتماعية، بينما كان مرفوضًا تمامًا، وفكرة غريبة عن المجتمعات المسيحية قبل المسيحية.
           حتي الأحكام الجنائية في اليهودية، و الإسلام يمكن بسهولة رؤية الإطار التاريخي، والاجتماعي خلفها. كثير من الأحكام الإسلامية مثل الرجم للزناة، و الجلد، و قطع اليد للسارق، و القصاص من القاتل أو الفدية كانت موجودة في المجتمع العربي البدوي قبل الإسلام أو في المجتمعات اليهودية. كل ما أضافه الإسلام (وهي إضافة ليست صغيرة) هو وضع قيود قوية علي تنفيذ هذه الحدود، و إثبات الجريمة فيها.
           حتي الأديان الغير إبراهيمية، ترتبط فيها الأحكام الدينية بالإطار الاجتماعي. المجتمع الهندي مثلاُ تقبل تاريخيًا قبل الاحتلال الإنجليزي المثلية، و التحول الجنسي؛ لذلك فكثير من طوائف الهندوسية تبنت المثلية، و التحول الجنسي، و جعلتهم جزءًا من  العبادات الدينية.

          لا يبدو أن كل هذا الإتفاق بين الديانات ومجتمعاتها مصادفة؛ وهذا يجعلنا نتشكك في كون الدين مطلق.

الخميس، 27 أبريل 2017

تساؤلات (5): هل يملك أحد الحكم بأن هناك شكل أمثل للأسرة أو العلاقات؟

        في كثير من الدول العربية والآسيوية يسمح بالتعدد للزوجات، وفي بعض الدول الآسيوية والأفريقية يسمح بتعدد الأزواج، وفي أغلب دول العالم يسمح بالطلاق، والأسر التي يربي فيها طرف واحد الأبناء، وفي 17 دولة يسمح فيها بشكل رسمي بالأسر المثلية. ويختلف مفهوم المحارم التي يرفض القانون الاجتماعي الزواج بينهم بين مختلف المجتمعات في مختلف الحقبات الزمنية. بالنسبة للمصريين القدماء، لم يكن الأخوة محارم يمنع الزواج بينهم، في حالة الأسرة الحاكمة كان يمكن للأب أن يتزوج ابنته (مثل إخناتون وابنته). وفي بعض المجتمعات الغربية يمنع زواج أولاد الأخوال والعمومة بينما يفضل هذا الزواج في المجتمعات العربية. تفرض الطبيعية في كل المجتمعات أسرًا طبيعية أو تصنعها الدولة (مثل الجمعيات الأهلية للأيتام) يكون فيها المربي للطفل غير أبويه البيولوجيين. لكن رغم كل هذه الاختلافات بين المجتمعات في شكل الأسرة أو العلاقات المقبولة، نجد أن بعض أشكال الأسر والعلاقات يراها مجتمع معين أفضل من أسر أو علاقات أخرى.

         يترتب علي هذه النظرة أن يتم قمع واضطهاد الأفراد الذين ينتمون لأسر أو يدخلون في علاقات مختلفة عن التي يراها مجتمعهم "مثالية" أو "طبيعية" أو "كاملة". لكن هل يملك أي مجتمع أو أي فرد حتي حق الحكم علي أسرة أخرى أو علاقة أخرى بين أشخاص اّخرين بأنها "اّثمة" أو "قذرة" أو "خطأ" أو "شاذة" أو "غير صحية" أو "ناقصة" حتي؟ هل يملك أي إنسان حق الحكم بأن هناك شكل أمثل للأسر والعلاقات بالنسبة للاّخرين؟ هل يملك من ولدت لأبوين متزوجين أن تحكم أن شكل أسرتها أفضل من شكل أسرة صديقتها التي تعيش مع أمها المطلقة أو زميلها الذي ولد في بيت للأيتام؟ إنها لم تجرب حياة صديقتها وعلاقتها بولادتها، ولم تجرب حياة زميلها وعلاقته بأخواته أو باّبائه وأمهاته في دار الأيتام. هل يمكن لشخص غربي عاش مع والدته غير المتزوجة وفي مجتمع لا يوجد فيه تعدد أن يحكم علي أسرة سعودية أوسودانية فيها أب متزوج من عدة نساء، ولديه أكثر من عشرة أبناء؟ هل يمكن لشخص تربي في المجتمعات الحديثة في الأسرة التقليدية حيث علاقته بأخته لا تسمح له بالتفكير فيها بشكل جنسي أن يحكم علي زواج الاخوة في المجتمع المصري القديم أو حتي أن يحكم داخل مجتمعه علي شخص يحمل مشاعر جنسية وعاطفية لأخته أو حتي لوالدته؟

        الإجابة التي يمارسها أغلب الأفراد، وكل المجتمعات هي "نعم؛ يجوز الحكم". وتكون نتيجتها هي قمع واضطهاد وإنكار أي صورة مخالفة للصورة المثلى للاسرة والعلاقات داخل المجتمع المحدد في لحظة محددة. لكن التساؤل هو هل فعلاً الإجابة نعم؟ هل يملك أحد الحكم؟

الأحد، 23 أبريل 2017

تساؤلات (4): هل يجب أن يكون الإله كاملاً لا يخطيء؟ وهل صورة الإله إنعكاسًا للقيم الاجتماعية المثلي؟


   تكاد تتفق الأديان الإبراهيمية في نظرتها للإله علي أنه لا يخطئ قط، حتي عندما يأمر الإله بارتكاب مذابح وإبادة شعوب، ينظر له علي أنه يفعل الصواب، ولا يخطيء. وحتي في المسيحية، حيث يأخذ الإله صورة الإنسان، فهو يظل إنسانًا كاملاً لا يخطيء. الأديان الغير إبراهيمية تختلف إلى حد ما في نظرتها للإله، فبعضها يراه يخطيء، والبعض الاّخر لا يتقبل فكرة خطأ الإله فحتي اّلهة الحرب مثلاُ تصنف شيئًا حسنًا بالنسبة لشعوبها، فهذه الشعوب (مثل الإغريق)، لم تكن تري الحروب خطأ.

           السؤال هنا هو لماذا يجب أن يكون الإله كاملاً، ولا يخطيء؟ لماذا لا يمكن أن يكون الإله غير كامل أو يرتكب أخطاء في أوقات؟ ألا يمكن أن تكون صورة الإله الكاملة هي مجرد رغبة للبشر في رسم صورة كاملة لشيء محدد يريدون بلوغه حتي يسعون خلفها؟ مثلاُ الشعوب التي ترغب في بلوغ القوة والسيطرة القاسية تصنع صورة إله قوي ومتجبر لأقصى صورة حتي تسعى خلفها. والشعوب التي ترغب في بلوغ أقصى درجة من الرحمة والحنان، والإنسانية تحاول رسم صورة إله حنون وإنساني ولا يؤذي أحدًا قط. 

           ألا يمكن أن تكون صورة الإله إنعكاسًا للقيم الاجتماعية لمجتمع معين في صورتها المثلى؟ ألا يمكن أن يكون الإله الأب مثل يسوع صورة الإله المثلي في مجتمع أبوي؟ ألا يمكن أن تكون الاّلهة الإغريقية العنيفة هي الصورة المثلى للقوة في مجتمع يقدس قوة الجيوش وقهرها لغيرها مثل المجتمع الإغريقي؟ ألا يمكن أن تكون صورة الإله الرحيم المنتقم هي الصورة المثلى للإله الذي يدمج بين القوة و الانتقام، والرحمة عند المقدرة، وهي صفات يحترمها المجتمع العربي البدوي؟ 

          لماذا لا يمكن أن تكون حقيقة الإله عظيمة جدًا، ولكن ليست كاملة تمامًا؟ لماذا لا يمكن أن يكون الإله إلهًا عظيمًا، ومستحقًا لكونه إله بدون صفة الكمال؟ لماذا نفرض علي الإله أن يكون متفقًا مع صورتنا المثلي لقيمنا مهما اختلفت؟ يبدو أن الصورة البشرية للإله تتغير بتغير الزمن، والمجتمعات، والقيم الإنسانية، وربما صورتنا للإله تقبل في وقت ألا يكون كاملاً أو أن يخطئ إذا قبلنا لأنفسنا ألا نكون كاملين وأن نخطيء ونقبل بنقصاننا، وخطئنا. 

        ملحوظة: هذا المقال متأثر بحوارات وكتابات مع فادي صفوت، ورانيا أشرف    
     

الجمعة، 21 أبريل 2017

تساؤلات (3): هل يدنو النقصان الكمال؟

             عندما يتم التفكير بشكل حسابي واجتماعي شائع، لا يخطر للكثيرين أن يتساءلوا عن بعض المسلمات التي يبدأون منها تفكيرهم؛ وإحدي هذه المسلمات أن الكمال يفضل النقصان. لكن من أين نثبت فكرة أن الكمال يفضل النقصان؟ لماذا الشيء "الكامل" يفضل الشيء الناقص؟ يمكن الجدال بأن الشيء الكامل يؤدي وظيفته أفضل من الشيء الناقص لكن هذه الإجابة تصلح للأشياء المادية، وفي النظرة العلمية العملية، لكنها ليست شافية عندما يأتي الأمر للإنسان أو لكل ما هو غير مادي.
             ما الذي يجعلنا نحكم أن العلاقات الإنسانية التي يكثر بها أخطاء الأفراد أدني من العلاقات الإنسانية منعدمة الأخطاء؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن "الأسرة السعيدة المثالية" تفضل الأسرة التي بها أخطاء اجتماعية؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن الشخص الذي يلتزم بدين معين أو بأخلاق معينة بشكل كامل أفضل من الشخص الذي يرتكب خطايا؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن الجسد الذي تعرض لحرق، واختلف شكله الخارجي أقل جمالاً من الجسد الذي لم يتعرض لحرق؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن البيوت المرتبة مثلاُ أفضل من البيوت الفوضوية؟
                الذي يجعلنا نصدر هذه الأحكام هي أننا نرسم صورًا للكمال. صورة البيت الكامل ليست بها كراكيب. صورة الأسرة النموذجية ليست بها أخطاء اجتماعية مثل خطأ الأب في أسلوب تربية أبنائه. صورة العلاقات الإنسانية النموذجية ليست بها أخطاء، فلا يسيء أحد الأطراف للأخر، ولا تحدث بها خلافات بسبب أخطاء الأطراف. صورة المتدين النموذجية هو الشخص الذي لا يخالف تعاليم دينه أبدًا في أي صغيرة أو كبيرة. وصورة الجسد النموذجي هو الجسد الذي ليس به خدش.
              لكن لماذا نفترض أن هذه الصور التي نرسمها نحن، ولا نراها أبدًا في الواقع تفضل الواقع؟ لماذا نري أن صور الجمال أو الأخلاق أو النظام الاجتماعي المحدد أفضل؟ هذه الصور تربينا علي أنها أفضل، وتربينا أن نضعها نصب أعيننا، ونحاول أن نقلدها حتي إلم نر مثيلاً قط لها في الواقع، لكن هل فكرنا من قبل إن كانت هذه الصور فعلاً تفضل الواقع أم لا؟
             لماذا لا يكون الجمال والصدق الحقيقيين في الأخطاء، وما يبني عليها؟ ألا يمكن أن تؤدي الأخطاء لنتائج جميلة؟ ألا يمكن أن تكون الأخطاء في علاقاتنا الإنسانية أساسًا لعلاقات حقيقية بها تجارب إنسانية حقيقية وذات معني عميق؟ لماذا لا يكون الجمال الإنساني الحقيقي في النقصان؟ لماذا لا يكون البيت المكركب أجمل وروحه مريحة أكثر من البيت المنسق؟ لماذا لا تكون الأسرة كثيرة الخلافات، والمشاكل، والأخطاء قادرة علي أن تزرع شيئًا أو تكون صورة أجمل من صورة "الأسرة السعيدة المثالية"؟  لماذا لا يكون الإنسان كثير الخطايا جميلاً، ولا يدنو الإنسان المتدين الذي لا يخطيء؟ ألا يمكن أن تكون تجربة هذه الإنسان في الخطايا تجربة إنسانية جعلته يكون مشاعرًا مختلفة، وفهمًا أعمق تجاه الخير عن الشخص الذي يفعل الخير دائمًا، ولا يعرف قيمته الحقيقية؟

       

الأربعاء، 19 أبريل 2017

تسؤلات (2): هل الطبيعة عادلة؟ وهل تصلح معيارًا للخطأ والصواب؟

تستند كثيرًا من الآراء الدينية والاجتماعية والسياسية لمختلف الأديان والطوائف والمذاهب الفكرية والسياسية والأخلاقية علي فكرة الطبيعة أو القانون الطبيعي أو الفطرة، بغض النظر عن الاختلاف في تأويل هذه الطبيعة. مثلاً كثير من معتنقي المسيحية والإسلام يهاجمون بقسوة فكرة المثلية لأنها مخالفة الطبيعة؛ لأن الطبيعة هي علاقة الذكر والأنثى بغرض الإنجاب، ويرد أنصار المثلية بأن أكثر من 1500 نوع حيواني يمارس المثلية،؛ فهي إذًا طبيعية. وفلاسفة  الليبرالية الأوائل من أمثال روسو ولوك دافعوا عن الحرية بحجة أنها القانون الطبيعي والفطرة الإنسانية الطبيعية. ويدافع انصار الزواج الفردي عنه بأنه هو الطبيعة، بينما يدافع أنصار التعدد عنه بأن الطبيعة الإنسانية تميل للتعدد. ويجادل المسلمون بأن فطرة الله التي خلق الناس عليها هي الإيمان به، وأن الإلحاد ضد الفطرة الإنسانية.

بغض النظر عن تنوع هذه الموضوعات، وتنوع وجهات النظر فيها، نرى الطبيعة يتم التعامل معها  كمعيار الصواب، والخطأ؛ فما يتفق معها هو الصواب، وما يتنافر معها هو حتمًا خطأ. 

 لكن التساؤل المهم هو لماذا نبدأ بافتراض أن الطبيعة هي الحق؟ لماذا نفترض أن ما يتفق معها هو الصواب، وما يختلف عنها هو الخطأ؟ من أين لنا أن نثبت عدالة أو جمال أو حقيقية أو مثالية الطبيعة؟  أين الدليل علي ذلك؟ 

لنسأل سؤالاً أوليًا: هل الطبيعة عادلة؟

هل من العدل أن القوي يأكل الأضعف؟ هل من العدل أن الأنسب للبيئة بمحض الصدفة هو الذي ينجو من الهلاك؟ هل من العدل أن الطبيعة تحتوي كائنات تملك قدرات تفتقر إليها كائنات أخرى؟ هل من العدل أن الأنثى تملك القدرة علي الحمل، ويفرض عليها تبعات ألم الحمل، ولا يفرض علي الذكر ذلك، بل لا يملك اختياره أصلاً؟ هل من العدل أن الذكر يستطيع إختراق فرج الانثى، ولا تستطيع الأنثى ذلك بالمقابل؟ هل من العدل أن هناك أفراد يولدون مفتقرين إلى أعضاء، وأفرادًا  اّخرين يولدون بهذه الأعضاء؟ هل من العدل أن النظام الطبيعي بالكامل مستند علي فكرتين متناقضتين؛ الأولى هي التضامن بين الكائنات الحية، والثانية هي احتياج الكائنات الحية لإيذاء بعضها لتنجو بل واستفادة بعض الكائنات من ضرر كائنات أخرى (مثل البكتريا التي تعيش علي الأجساد الميتة)؟ 

هذه مجرد نماذج لأسئلة تجعلنا نتشكك في عدالة نظام الطبيعة، ويجب أن نحدد أولاً أن الطبيعة عادلة حتي نبدأ في دراسة هل تصلح كمعيار أخلاًقي أمً لا. 

الاثنين، 17 أبريل 2017

تساؤلات (1): مشكلة النعيم والجحيم

          الفكرة التقليدية في الأديان الإبراهيمية (وبعض الأديان غير الإبراهيمية) أن الحياة تليها حياة أخري؛ بها نعيم أو جحيم. وتختلف صورة  ومفهوم النعيم أو الجحيم طبقًا للديانة؛ فالمصريون القدماء مثلاُ رأوا الجحيم في خسران القلب، وهو فرصة الحياة في الحياة الأخرى. والنظرة المسيحية التقليدية مثلاُ ترى أن النعيم هو "السما" وهي حياة أخرى فيها خير فقط وفيها صلاة للرب، ولا يوجد فيها ملذات أرضية "رخيصة" كالجنس.  والمسلمون يرون أن الجنة هي أرض الملذات الكاملة؛ حيث يحصل الفرد علي كل ما تمنى، وحرم منه في الدنيا لأجل طاعة الله.  والنار هي الهولوكوست الحقيقي بأبشع صور التعذيب. هناك نسخ جديدة أكثر انفتاحًا في مفهوم النعيم والجحيم خاصة في البروتستانتية المسيحية لكنها تتمسك بنوع من النعيم ونوع من فقدان النعيم.

          بغض النظر عن الصور المختلفة للنعيم والجحيم، لكن الشيء المشترك بين شتى هذه الصور هو فكرة أن الإنسان الذي يعيش بالطريقة التي يرتضيها الإله، ويمتنع عن نواهيه يكون مصيره النعيم، والمخالف لهذا السبيل يكون مصيره الجحيم. التشبيه الشهير الذي يسوقه بعض المسلمين أن الحياة اختبار؛ ومن ينجح في الاختبار يكافأ بالنعيم، ومن يفشل يكون مصيره الجحيم.

            لكن المشكلة الحقيقية في هذه القراءة أنها ترتبط بمنظور إشكالي للإله، وتتعارض مع فكرة الإله الخير. نحن نتوقع من المعلمة أن تقيمنا بدرجات منخفضة بعد الاختبار أو تعاقبنا، ونتوقع من القاضي أن يحكم علي المتهمة بغرض التقويم و الردع العقابي. لكن الحياة الأولى حسب الديانات التي تؤمن بالنعيم والجحيم حياة واحدة. هذا يعني أن الفرد لا يمنح فرصة التعلم بعد العقوبة.

            هناك احتمال آخر؛ هذا الاحتمال هو أن الإله يختبرنا حتى يحدد من منا الأصلح للنعيم. هنا يكون الإله مثل الشخص الذي يختبر الأنسب لشغل الوظيفة ؛لكن هذا الشخص عندما يختار الأنسب يكتفي باختيار الأنسب دون قصد الإضرار بغير المناسبين. لكن الإله هنا يقصد الإضرار بكل من يفشل في الوصول للنعيم.

              هذه الفكرة عن النعيم، والجحيم تستخف بفكرة الإله. الإله لا يجب أن يكون شخصُا غريبًا، يعذب البشر، ويختبرهم حتى يحدد من سيكون وسط مجموعة النعيم ومن سيوضع وسط مجموعة الجحيم. الإله يجب أن يرقى فوق هذه الطريقة الإنسانية في التفكير، والتصنيف، والتلاعب. الموضوع يشبه اللعبة التي يلعبها الإله بنا، الإله يجب أن يرقي فوق مستوي التلاعب.

             أنا لا أملك إجابة بخصوص الحياة الأخرى، وإن كانت موجودة أم لا، لكن نظرتي للإله تأبي أن أسلم بهذه الفكرة عنه، وعن حكمته في خلق الحياة.    

ملحوظة: هدف هذه المجموعة هو  خلق أسئلة وأفكار في عقلك، وهذا يعني أن المطلوب منك أن تفكر/ي في هذه الأسئلة، وتحاول/ي إيجاد حلول لها، ؛ سواءًا وجدت أو لم تجد/ي.
          

تساؤلات

مجموعة "تساؤلات" عبارة عن أسئلة فلسفية سريعة؛ كل سؤال في قطعة واحدة عن موضوعات مختلفة دينية، واجتماعية، وسياسية، وأخلاقية. هدف هذه المجموعة ليس إعلان رأيي في مواضيع محددة أو ترويج أفكار بعينها؛ هدف هذه المجموعة مجرد إلقاء أسئلة تمثل تحديًا للأفكار السائدة التي لم يفكر الكثير بخلافها من قبل. هذه المجموعة لمن يريد/تريد فعلاً التفكير بحرية حقيقة، ومواجهة خطر زيف كل الأفكار التي لم يفكر باحتمال زيفها من قبل. إنها دفع للعقل للتحرر من قيود التفكير، وللتحدي.