يحلو لأتباع ورجال الديانات المختلفة الإدعاء بأن دياناتهم مطلقة، لكن هل الدين واقعيًا مطلق أم نسبي؟هناك الكثير من القرائن علي نسبية الدين. الكثير من أحكام الدين تغيرت من مجتمع لاّخر، و من وقت لاّخر. الأزهر (وهو أكبر مؤسسة سنية في العالم الإسلامي) رفض مثلاً فكرة ملك اليمين عندما عادت للظهور منذ عدة سنوات، و قال أن مرتكبيها زناة، رغم أن ملك اليمين كان مقبولاً كصورة من صور النكاح في الإسلام. الأزهر تبني وجهة النظر التي ترى أن المجتمع تغير، و لا يمكن قبول عودة نظام نكاح كهذا فيه. رجال الدين الشيعة في إيران مثلاً تقبلوا فكرة التحول الجنسي، وتعتبر إيران الدولة الثانية عالميًا في التحول الجنسي؛ مثل هذا الرأي لم يكن ليقبل في السابق من قبل رجال الدين الشيعة. حتي كثيرًا من الأحكام الدينية للشيعة كزواج المتعة المرفوضة تمامًا للسنة يمكن تفسير وجودها بالإطار الاجتماعي الذي نشأت فيه الذي يعتبر أكثر تقبلاً لأفكار اجتماعية منفتحة عن الإطار الاجتماعي للمجتمعات السنية. حتي في المجتمعات السنية، انتشار الفكر الوهابي في السعودية مثلاً، مقابل الفكر المالكي في تونس، مرتبط بالاختلاف التاريخي للمجتمعين إلي حد كبير.
الإطار التاريخي، والاجتماعي حدد كثيرًا من الاختلافات بين ديانات متقاربة مثل الديانات الإبراهيمية، كما أنه حدد الإختلافات بين المذاهب المختلفة داخل هذه الديانات. مثلاً الكاثوليكية ترفض الزواج بين أبناء العمومة، وتعتبره زنا محارم، لكن هذه الصورة للنكاح مقبولة لدي الأورثوذكس؛ لأن المجتمعات الأورثوذكسية (كمصر) شاع فيها زواج الأقارب تاريخيًا، بينما رفض تمامًا بالنسبة للمجتمعات الكاثوليكية (كروما) تاريخيًا، و نظر إليه بتقزز. اليهودية مثلاً تلزم المرأة التي ترملت بالزواج بأخ زوجها جبرًا عليها و علي أخ الزوج، بينما تري المسيحية ذلك زنا محارم، و يقبله الإسلام، لكن لا يلزم به. وهذا الاختلاف نابع من اختلاف المجتمعات الثلاث. المجتمع اليهودي ظل لفترة طويلة يضطهد المرأة، و لم يكن للمرأة فرصة لأن تعيش بدون الزوج، و كانت المرأة ستتعرض للإهانة، و الخدمة، و الاستغلال إلم تجد زوجًا مسؤولاً عنها في ذلك المجتمع. أما المجتمعات العربية البدوية، فكان للمرأة قدرة مالية فيها إلي حد ما، و كان شائعًا فيها الزواج من أرملة الأخ، لذلك قبل الإسلام هذا الزواج، و لم يفرضه. أما المجتمعات المسيحية خاصة الغربية، فقد اعتبرت الزواج بمثابة امتداد أبدي للأسرة؛ لذلك رأت الزواج من أخ الزوج بمثابة زنا محارم. تعدد الزوجات مثلأً وجد في الإسلام، و اليهودية، و رفض رفضًا باتًا في المسيحية؛ لأن المجتمعين العربي البدوي، و اليهودي قبل فيهم التعدد، واستقر كمؤسسة اجتماعية، بينما كان مرفوضًا تمامًا، وفكرة غريبة عن المجتمعات المسيحية قبل المسيحية.
حتي الأحكام الجنائية في اليهودية، و الإسلام يمكن بسهولة رؤية الإطار التاريخي، والاجتماعي خلفها. كثير من الأحكام الإسلامية مثل الرجم للزناة، و الجلد، و قطع اليد للسارق، و القصاص من القاتل أو الفدية كانت موجودة في المجتمع العربي البدوي قبل الإسلام أو في المجتمعات اليهودية. كل ما أضافه الإسلام (وهي إضافة ليست صغيرة) هو وضع قيود قوية علي تنفيذ هذه الحدود، و إثبات الجريمة فيها.
حتي الأديان الغير إبراهيمية، ترتبط فيها الأحكام الدينية بالإطار الاجتماعي. المجتمع الهندي مثلاُ تقبل تاريخيًا قبل الاحتلال الإنجليزي المثلية، و التحول الجنسي؛ لذلك فكثير من طوائف الهندوسية تبنت المثلية، و التحول الجنسي، و جعلتهم جزءًا من العبادات الدينية.
لا يبدو أن كل هذا الإتفاق بين الديانات ومجتمعاتها مصادفة؛ وهذا يجعلنا نتشكك في كون الدين مطلق.
لا يبدو أن كل هذا الإتفاق بين الديانات ومجتمعاتها مصادفة؛ وهذا يجعلنا نتشكك في كون الدين مطلق.