الجمعة، 21 أبريل 2017

تساؤلات (3): هل يدنو النقصان الكمال؟

             عندما يتم التفكير بشكل حسابي واجتماعي شائع، لا يخطر للكثيرين أن يتساءلوا عن بعض المسلمات التي يبدأون منها تفكيرهم؛ وإحدي هذه المسلمات أن الكمال يفضل النقصان. لكن من أين نثبت فكرة أن الكمال يفضل النقصان؟ لماذا الشيء "الكامل" يفضل الشيء الناقص؟ يمكن الجدال بأن الشيء الكامل يؤدي وظيفته أفضل من الشيء الناقص لكن هذه الإجابة تصلح للأشياء المادية، وفي النظرة العلمية العملية، لكنها ليست شافية عندما يأتي الأمر للإنسان أو لكل ما هو غير مادي.
             ما الذي يجعلنا نحكم أن العلاقات الإنسانية التي يكثر بها أخطاء الأفراد أدني من العلاقات الإنسانية منعدمة الأخطاء؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن "الأسرة السعيدة المثالية" تفضل الأسرة التي بها أخطاء اجتماعية؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن الشخص الذي يلتزم بدين معين أو بأخلاق معينة بشكل كامل أفضل من الشخص الذي يرتكب خطايا؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن الجسد الذي تعرض لحرق، واختلف شكله الخارجي أقل جمالاً من الجسد الذي لم يتعرض لحرق؟ ما الذي يجعلنا نحكم أن البيوت المرتبة مثلاُ أفضل من البيوت الفوضوية؟
                الذي يجعلنا نصدر هذه الأحكام هي أننا نرسم صورًا للكمال. صورة البيت الكامل ليست بها كراكيب. صورة الأسرة النموذجية ليست بها أخطاء اجتماعية مثل خطأ الأب في أسلوب تربية أبنائه. صورة العلاقات الإنسانية النموذجية ليست بها أخطاء، فلا يسيء أحد الأطراف للأخر، ولا تحدث بها خلافات بسبب أخطاء الأطراف. صورة المتدين النموذجية هو الشخص الذي لا يخالف تعاليم دينه أبدًا في أي صغيرة أو كبيرة. وصورة الجسد النموذجي هو الجسد الذي ليس به خدش.
              لكن لماذا نفترض أن هذه الصور التي نرسمها نحن، ولا نراها أبدًا في الواقع تفضل الواقع؟ لماذا نري أن صور الجمال أو الأخلاق أو النظام الاجتماعي المحدد أفضل؟ هذه الصور تربينا علي أنها أفضل، وتربينا أن نضعها نصب أعيننا، ونحاول أن نقلدها حتي إلم نر مثيلاً قط لها في الواقع، لكن هل فكرنا من قبل إن كانت هذه الصور فعلاً تفضل الواقع أم لا؟
             لماذا لا يكون الجمال والصدق الحقيقيين في الأخطاء، وما يبني عليها؟ ألا يمكن أن تؤدي الأخطاء لنتائج جميلة؟ ألا يمكن أن تكون الأخطاء في علاقاتنا الإنسانية أساسًا لعلاقات حقيقية بها تجارب إنسانية حقيقية وذات معني عميق؟ لماذا لا يكون الجمال الإنساني الحقيقي في النقصان؟ لماذا لا يكون البيت المكركب أجمل وروحه مريحة أكثر من البيت المنسق؟ لماذا لا تكون الأسرة كثيرة الخلافات، والمشاكل، والأخطاء قادرة علي أن تزرع شيئًا أو تكون صورة أجمل من صورة "الأسرة السعيدة المثالية"؟  لماذا لا يكون الإنسان كثير الخطايا جميلاً، ولا يدنو الإنسان المتدين الذي لا يخطيء؟ ألا يمكن أن تكون تجربة هذه الإنسان في الخطايا تجربة إنسانية جعلته يكون مشاعرًا مختلفة، وفهمًا أعمق تجاه الخير عن الشخص الذي يفعل الخير دائمًا، ولا يعرف قيمته الحقيقية؟

       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق