الثلاثاء، 3 يوليو 2012

تحليل خطاب مرسي

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ). حاول كاتب خطاب مرسي أن يصنع من مرسي زعيماً باسم الثورة، وأن يوجه رسالة معينة للجميع بأن مرسي رمز لوحدة كل أطياف الشعب، كما حاول جعله يبدو زعيماً للنهضة، ويمكن القول بأن الخطاب نجح إلى حد كبير في صناعة زعامة لمرسي و أن يجعله رمز لوحدة كل الأطياف وذلك من خلال اعتماد كاتب الخطاب إلى حد كبير على النبرة العاطفية وعلى ضمير " أنا " وكلمة " إليكم ومنكم" لجعل مرسي يبدو زعيماً للثورة مكتسباً الشرعية منها ومن الشعب . البدء بذكر شهداء الثورة وتحية الثوار " أقف لأحيي كل الثوار في ميادين مصر" ، " أحيي شهداءنا الأبرار " ثم الانتهاء بشعار " ثوار، أحرار، هنكمل المشوار " له مدلوله: أولاً: هو يشعل الحماسة في قلوب جمهوره (ثوار التحرير) وخاصة أنه يلقي الخطاب من التحرير. ثانياً: هو يجعله يبدو منذ البداية حتى النهاية متمسكاً بالثورة وبالقصاص لشهدائنا. مرسي وكل أتباعه يعلمون جيداً أن مرسي جزء كبير من نجاحه يرجع لأنه ظهر بمظهر حامي الثورة مقابل شفيق (النظام السابق) ويعلمون أيضاً أن مصلحة مرسي أن يبقى بمثابة حامي الثورة، خاصة أن الخطاب كما سيفصل لاحقاً من ضمن أهم أهدافه رسم صورة لزعيم حامي الثورة هو (مرسي). ذكر الشهداء والمصابين وأخيراً المعتقلين، " شهداءنا الأبرار " " أنا أرى أسرة الدكتور عمر عبد الرحمن"، هو امتداد للتأكيد على كون مرسي " حامي الثورة " الذي سيحرر معتقليها، " واجبي أن أبذل كل جهدي لأحرر كل هؤلاء ". وبذلك يصبح رمز يستطيع تحرير المعتقلين والقصاص للشهداء، وهو ما يرده الثوار الذين يخاطبهم. إنه يجعل من نفسه زعيماً يلتف حوله الثوار لأجل تحقيق أهداف الثورة. الأسئلة التى وجهها مرسي لجمهوره: " هل أنتم مستعدون؟ هل أنتم ماضون معي؟ ماضون معي لأجل حقوقكم ؟". هذه الأسئلة تجعل جمهوره ينفعل معه وتجعله يكسب الدعم من جمهوره وكلمتي " ماضون معي " تجعل من مرسي الزعيم الذي يمضي خلفه الثوار. واختيار كلمة " معي " بدلاً من " خلفي " لها دور في جعل جمهوره يشعر بما يؤكد عليه مرسي طول الخطاب – سيفصل لاحقاً – وهو كونه يستمد شرعيته من شعبه. فكرة إظهار مرسي كزعيم تظهر أيضاً في محاولة إضفاء صفاء الزعامة عليه مثل " الشجاعة " و " الجرأة " و " الحلم الذي يلتف الجميع حوله لتحقيقه "، وكونه رمزاً " للوحدة والكرامة ". كل هذه الصفات حاول كاتب الخطاب إظهارها في مرسي أولاً: " شجاعة وجرأة " مرسي، وقد حاول كاتب الخطاب جعل مرسي يقتبسها من " عبد الناصر "، فكما كان عبد الناصر يظهر بهيئة الشجاع بعد حادث المنصة الشهير الذي لم يغادر فيه مكانه رغم إطلاق النار عليه، فمرسي أظهر نفسه بدون واقي من الرصاص وهو يفتح صدره ويقول : " من أجل ذلك أتيت إليكم بدون واقٍ من الرصاص " . ثانياً: كونه رمز للوحدة " إيد واحدة "، " ما رددناه معاً كشعارات سنحققه معاً " ، " قوتنا في وحدتنا ".. مرسي لم يكن فقط يُصْنَعُ رمزاً للوحدة بل كان أيضاً خلال الخطاب يحاول من خلال لهجة الخطاب التأكيد على أنه سيوحد الجميع دون تمييز، وهذه رسالة هدفها كسب الجميع وراء مرسي وطمأنة المتخوفين من أسلمة مصر من أنه لن ينحاز لانتمائه الإسلامي ضد من رفضوه، "لن ينتقص حق من قالوا لا، كما لن ينتقص حق من قالوا نعم ". رسالة تدل على رغبته في أن يكون الزعيم الذي يلتف حوله الجميع بمختلف أطيافهم، " سأعمل على بقاء نسيجنا الوطني متماسكاً "، " سأغلب مصالح الوطن على ما دون ذلك"، " وما دون ذلك" هنا يمكن ترجمتها على أنها المصالح المغلقة للتيار الذي ينتمى إليه. ولتقليص عدد الإشارات الدينية في خطبته هدف، هو أن هذه الخطبة تستهدف صناعته كرمز لوحدة جميع التيارات وهو لا يستطيع أن يبدو كذلك إن أكثر استعمال الإشارات الدينية التى تصنف سمة مميزة للخطاب السياسي للتيار الديني الذي ينتمى إليه. ثالثاً: " صناعة الحلم ". أي زعيم في العالم يصير زعيماً بصناعة حلم يلتف حوله الجميع لتحقيقه وقد حاول كاتب خطاب مرسي أن يجعل من تحقيق أهداف الثورة حلماً ولكن أيضاً حاول جعل نهضة مصر حلمًا (وهي الحلم القومي لعبد الناصر وكل الزعماء) وبذلك يصبح مرسي الزعيم الذي يلتف حوله جميع أطياف الشعب لتحقيق الحلم القومي " نهضة مصر"، " سأعمل معكم على نهضة الاقتصاد المصري"، " سنتقن العمل معاً لنصل إلى بر الأمان بالتنمية". وقد حاول كاتب الخطاب أن يجعل مرسي رمزاً لكرامة مصر وأن يلعب على وتر " كرامة مصر " لجعل مرسي زعيماً كما فعل عبد الناصر من قبل عندما قدس كرامة مصر خارجياً فجعله المصريون زعيمهم، " سأحذف معكم أي معنى للتبعية "، " أحذر من أن ينال أي أحد كائناً من كان من كرامة مصر أو كبريائها"، " نحن قادرون على أن نرد بل نمنع أي عدوان علينا من أي جهة كانت ". ربما تبدو تلك العبارات موجهة لأمريكا أو إسرائيل ولكني أظنها موجهة أصلاً لجمهور مرسي، لجعل جمهور مرسي يراه الرجل الذي سيقف ضد توحش أمريكا وإسرائيل وسيعلي من كرامة مصر والمصريين وهو ما يرجوه الثوار بل الشعب من أي زعيم " الكرامة الوطنية ". مرسي طوال الخطاب كان يكرر أنه يستمد شرعيته من الشعب والثورة، وكرر ضمائر " أنا " و " أنتم " وكلمات مثل " معكم " و " إليكم " كثيراً وهذا كان مقصوداً من كاتب الخطاب لجعل مرسي يبدو الزعيم الذي يستمد شرعيته من شعبه. كاتب الخطاب يدرك جيداً أن مرسي جاء في توقيت مختلف بعد ثورة جعلت ثوارها يرفضون أي زعيم منفرد بل ويتخوفون منه، لأنهم يخشون صناعة "فرعون" جديد. كاتب الخطاب فاهم لسيكولوجية الثوار جيداً لذلك تعمد أن يؤكد على أن مرسي استمد هذه الزعامة والشرعية من الشعب، حتى لا يبدو زعيماً يمكن أن يصير فرعوناً فلا يدعمه الثوار ويخافونه. الأمر ليس مجرد فقط تقوية لنبرة الخطاب العاطفي أو لمجاملة الشعب ولكنه لجعل الثوار يطمئنون ويقبلون بل ويدعمون زعامة مرسي. وهذا تأكد من أداء اليمين الدستورية أمام الثوار حتى يؤكد على أنه يؤمن أنهم شرعيته وأنهم قادرون على إزالته أو إبقائه. ولا ننسى أن الثوار يريدون أن يشعروا بأنهم غيروا الوطن، وأكبر ما سيجعلهم يرون ذلك أن رئيسهم يؤكد أنه ليس سوى شخص يمدونه هم بالشرعية. إنه فهم عميق لسيكولوجية الجمهور ورغباتهم. " أنا صاحب القرار بإرادتكم " ، "الكل يسمعنى الآن، لا سلطة فوق هذه السلطة "، " أنا مؤمن تماماً أنكم مصدر السلطة، والشرعية التى لا تعلو عليها سلطة"، " أنتم الأصل وغيركم عنكم وكيل، فإذا غاب الوكيل أعود إلى الأصل". و "لن أتهاون ولن أفرط في أي سلطة من سلطات رئيس الجمهورية، وأؤكد على رفضي لإزالة إرادتكم أو نوابكم" ، " نحترم أحكام قضاء مصر الشامخ". حاول كاتب خطاب مرسي أن يجعل مرسي يربح دعم متظاهري التحرير الذين ينددون بالإعلان الدستوري المكمل وبحل البرلمان ولكن بدون جعل مرسي في مواجهة صريحة مع المجلس العسكري أو إظهاره بأنه رئيس لا يحترم مؤسسات الدولة، ولذلك في بداية الخطاب إشارة إلى رفض حل البرلمان والإعلان الدستوري المكمل بينما عاد في آخر عبارات الخطاب للتأكيد على احترام أحكام القضاء، وتأخير " احترام أحكام القضاء" في تقديري مقصود لجعل مرسي لا يحظى بغضب جمهوره. بمعنى آخر فإن مرسي ضمن الفوز بدعم المتظاهرين طوال الخطاب من خلال نبرته العاطفية والتأكيد على أنه يستمد الشرعية منهم والتأكيد على وفائه للثورة وللقصاص ثم في عبارة خاطفة في آخر الخطاب ذكر " احترام أحكام القضاء". وقد لوحظ هتاف " يا مرسي قول الحق " حينها ولكن تم تداركه بسرعة من خلال التشويش عليه بهتاف مرسي ذا النبرة العاطفية الثورية المكرر طوال الخطاب " ثوار.. أحرار.. هنكمل المشوار " . بالنبرة العاطفية الحماسية وبالتأكيد على أن مرسي يستمد شرعيته من الشعب وبالتأكيد على وفائه للثورة وللشهداء وبجعل مرسي رمزاً للوحدة والكرامة والحلم المصري وتحقيق أهداف الثورة نجح كاتب الخطاب في جعل مرسي يبدو زعيماً يستمد شرعيته من الشعب والثورة ويتلف حوله الثوار لتحقيق أهداف الثورة وللنهضة بمصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق