الجمعة، 13 يوليو 2012

الأسطورة "تحية كاريوكا"

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ) منذ حوالي أربع سنوات قرأت كتاب ( شخصيات لها تاريخ ) للمفكر الاجتماع السياسي البارز (د.جلال أمين) ، كان الكتاب يضم أسماء كثيرة جدًا لم أكن أعرف أغلبها حينها ، و اليوم لا أتذكر سوي اسمي (جورج أورويل) و (تحية كاريوكا) ، فالأول عرفته أكثر مع الوقت و مع قرأتي له و انبهاري به و بعبقريته ، و الثانية كنت أجهلها تمامًا قبل هذا الكتاب.كنت كأغلب المجتمع لدي ترسب في اللاوعي ضد الراقصات و ازدراء لهن ، و لا أنكر أنني حينما رأيت اسم (كاريوكا) علي فصلها تسألت باستنكار لماذا يخصص د. جلال أمين فصلاً لها في هذا الكتاب و لكني اليوم أكتب عنها كامرأة احترمها و أقدرها ، أكتب ليس دفاعًا عنها ؛فهي لا تحتاج الدفاع عنها و لكن التبجيل لها ، أكتب لأجل أن أري كثيرين حقيقة امرأة لا يعلمونها ، و حقيقة " رسالة الفنان/ة " التي ما عادت سوي كلمة من الكلمات الأسطورية البغبغانية الكثيرة التي نتغني بها. " تحية " كانت فنانة بكل معني الكلمة ، لم تكن تقدم رقصًا رديئًا أو مثيرًا أو غير متقن بل كانت تحترم رقصها و لا ترقص سوي علي ايقاعات صعبة شرقية لم ترضَ أن تدمجها أبدًا بالموسيقي الغربية ، و لا داعي لمقارنتها بما ترقص عليه الراقصات الاّن و ما يسمي ظلمًا و بهتانًا فنًا شعبيًا.حتي أنها طورت الرقص الشرقي و أسست مدرسة جديدة فيه .و كممثلة كانت متقنة في تمثيلها ، و تحسن أداء أدوارها حتي أن أداءها في فيلم ( شباب امرأة) كان أداءًا يتعدي حتي مرحلة النضج الفني ، و لمن يظنونه دورًا يسيرًا أو قائمًا علي الاغراء فقط ،انه ليس كذلك بل هو دور يتطلب تقمسًا و فهمًا لطبيعة شخصية و مشاعر البطلة التي كانت شخصية مركبة و هذا الفيلم شارك في مهرجان (كان) السينمائي. لعلنا نضحك الاّن غير مصدقين عندما نسمع أن "تحية" دخلت المهرجان بملاءة لف ! ربما لا نفهم نحن هذا في زمن تحرص النجمات فيه علي شراء أثوابهن من أكبر دور الأزياء العالمية متفاخرات بأن ملابسهن من بيوت أزياء فرنسية ؛لأننا و ببساطة في عصر لم يعد الفنانون و الفنانات مثل "تحية" لم يعودوا يدركون معني الفخر بالهوية الوطنية ."تحية" التي يراها البعض محض راقصة فاجرة تنشر التحرر الأجنبي الفاسق في أرضنا ،كانت تؤمن حقًا بأنها مصرية و أن ملاءتها اللف و رقصها الشرقي جزء من هوية مصر التي تنتمي اليها و لم تحاول قط التنصل لهذه الهوية بل فخرت بها أمام الجميع ، و بينما نحن هنا الاّن سنسخر من أي امرأة ترتدي الملاءة اللف في شوارعنا ، ارتدتها هي حتي أمام الأجانب الذين نستورد منهم نحن تصميمات و صيحات ملابسنا. كلنا ثورنا و ضحكنا و أطلقنا النكات عندما علمنا أن (سعد الصغير) سيرشح نفسه للرئاسة ، كلنا نظرنا للقشرة الخارجية ، نظرنا الي احتقارنا له و لكل الراقصات اللاتي يعملن معه ، نظرنا له بازدراء ؛لأنه مغنِ يغني خلف راقصات ، و تجافلنا حقيقة أنه لا يدرك شيئًا في السياسة ، و أننا في أزهي العصور التي يحشر فيها الجميع أنوفهم في السياسة . بينما في العصر المنقضي كانت هناك امرأة فنانة عظيمة تفهم السياسة جيدًا و تناضل لأجل أفكارٍ سياسية تراها صوابًا و مع ذلك لم تظهر علي الشاشات لتفتي كما يفتينا اليوم كل من هب و دب ، و لم تطلب منصبًا بل لم تفكر به أصلاً. "تحية" كانت تنتمي للفكر اليساري و ناضلت ضد الديكتاتورية في عصر (عبد الناصر) كموقنة باليسار و مدافعة عنه ، حتي جاء اليوم الذي شرفت فيه السجن و زوجها بسبب فكرهما السياسي.و احدي مسرحياتها عقب هزيمة 1967 نوقشت في ( مجلس الأمة ) في ذاك الوقت لتبيان رؤية الشارع و المثقفين لهزيمة 1967 و كانت مؤشرًا و دليلاً علي ادانة الشارع لجميع السياسيين و العسكريين و من يريد /تريد التأكد من ذلك يعود /تعود الي مذكرات سامي شرف ( سنوات و أيام مع عبد الناصر) و هناك سيجد / ستجد محضر جلسة ( مجلس الأمة )التي أشير فيها الي المسرحية. كانت قوية و شجاعة ما يكفي لتقود الممثلين للتصدي للقانون القامع لهم الذي يمنعهم من اختيار نقيبهم و كان لها دور بارز في الاعتصام أمام قصر السادات عندما كان رئيسًا لمصر و لم تتراجع و لم تخشَ أحدًا .هكذا كانت دائمًا . أشيع عنها نوادر عدة تتناسب و طابع شخصيتها ، طابع امرأة شرقية ترتدي الملاءة اللف و تعرف متي و لمن تفرشها ! ،قيل أنها مرة ضربت أمير عربي !، و حكي ( و لو أني شخصيًا لا أصدق هذه القصة ) أنها رفعت حذاءها مرة اّخري و لكن هذه المرة في وسط مهرجان (كان) لممثلة يهودية دافعت عن اسرائيل . هكذا عاشت أبية عنيدة فخورة جسورة شرقية مصرية ، هكذا عاشت "تحية كاريوكا" الفنانة ذات الرسالة كما يحكي لنا في الأساطير . لكم أتمني أن تعود لنا من الأسطورة ! لكم أتمني أن أري روحها متجسدة في أسطورة جديدة في عالم الفن الذي ضني علينا اليوم بالأساطير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق