( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
نحن صنعنا الفرعون و انتهي الأمر.نحن نريد
فرعونًا ، دعونا لا نكذب، سنظل حتي الموت نؤمن بالمستبد العادل ، و نحن نعلم أنه
مستبد و ظالم. مرسي أعلن نفسه فرعونًا و جمع جنوده يهتفون له من الميدان باسم
الثورة ، و نحن هللنا له ، هللنا و احتفالنا بشهادة ميلاد فرعوننا الجديد المختار.
"ألم
يسأل أحد لماذا الاّن ؟" صلاحيات مرسي الفرعونية اكتسبها منذ فترة بإيعاز و
تهليل منا بعد أن توحش و استفحل و سيطر علي السلطة التنفيذية كلها و التشريعية
أيضًا و بعد أن أزال خصومه العسكريين ليبدو زعيمًا مدنيًا ينهي حكمًا عسكريًا و ليزيح
أي خصم قد يقف أمامه.
" لماذا الاّن ؟ "
مرسي أصدر هذه القرارات الاّن لكي يحول مسار الجدال الهجومي
الذي كان قائمًا علي فشله كرئيس ، بعد أحداث محمد محمود و قطار أسيوط إلي جدال حول
قراراته التي تبدو ثورية تمحو الفساد ، و هي تصنع الديكتاتورية الغاشمة الطاغية
باسم الثورة. لقد أراد أن يحول نظر الرأي العام
عن فشله بقراراته الثورية ، فقد وجد أن شعبيته بدأت تتداعي بعد فترة من حكمه لم
يحقق فيه شيئًا من الوعود الذهبية و التي اكتشفت كفلصو .أنصار مرسي لم يكونوا
قادرين علي حمايته من الهجوم عليه بعد
حادثين دمويين متتاليين ، فوجودوا الخيار الأمثل للغروشة علي دماء الأطفال هو
قرارات ثورية تكرس لحكم مطلق له في ثوب ناصع يسمي (حماية الثورة). ضربوا عصفورين
بحجرٍ واحد حولوا الجدال من جدال حوله فشله ، و دماء الشهداء الأطفال إلي جدال حول
قرارات تلبس ثوب الثورية و محاربة الفساد، و في نفس الضربة أزاحوا من أمامه السلطة
القضائية التي يعلمون أنها توقف جماح أي رئيس ( كما فعلت مع مبارك)و يعلمون أنها
السلطة الوحيدة المتبقية لم يسيطر عليها بعد التشريعية و التنفيذية ، لتصبح الدولة
كلها ملكه بأسرع معدل تاريخي ( ثلاثة أشهر فقط!)
المادة الأولي من الإعلان كانت عن إعادة محاكمة رموز النظام السابق. لقد
وضعت هذه المادة أولاً ليس لأنها الأهم ،و لكن لتجعل المتلقي/ة ينحاز/تنحاز لمرسي و
يكون /تكون أكثر تقبلاً لأي قرار يأتي بعد ذلك ،فهذا كان المطلب الأهم أن يشعر
الناس أنهم سيستطيعون الثأر من مبارك و نظامه لدماء الشهداء،إنها لعبة ذكية علي العواطف.هذه
المادة التي تبدو براقة و تحقق العدالة الغائبة ،هي في حد ذاتها أكبر انتهاك لقيمة
العدالة. من يحق له/ا إعادة المحاكمة،هو/هي القاضي/ة فقط ، أبدًا ليس الرئيس ؛لأن
الرئيس ليس قاضيًا ؛ و لأن الرئيس الذي يحق له أن يعيد محاكمة من يشاء بدعم شعبي ،
سيصير له الحق أن يدين و يعدم من يشاء بذات الدعم الشعبي ، و هذا هو جوهر الطغيان
. ما قيمة القضاء ؟ ماقيمة العدالة إذا
كان الرئيس و خلفه الشعب يحاكمون من يشاؤون، ربما مستقبلاً يدينون من يشاؤون ؟
العدالة مؤسستها الوحيدة القضاء و هي أعلي
من الشعب و أعلي من الرئيس و هي القيمة التي قدم الشهداء دماءهم لأجلها.العدالة لن تتحقق إذا ما حكم القضاء الشارع و الرئيس،
العدالة تتحقق عندما يكون القضاء حرًا من سلطتهما.و هناك السؤال ، إذا ما أعيدت
المحاكمات و خرج رموز النظام السابق منها بريئون ، هل حينها سيقوم مرسي و خلفه
الشارع بإعادة المحاكمات مرة ثالثة أم أنهم سيقذفون بالقضاء إلي الجحيم ، و يعدمون
من يشاؤون باسم الثورة فوق العدالة و القانون ؟
المادة
الثالثة التي تقول أن الرئيس يحق له عزل و تعيين النائب العام كما يشاء ،و قام
طبقًا لهذه المادة بعزل عبد المجيد محمود و تعيين محمد عبد الله ، هي أيضًا
استكمال للعب علي عواطف الرأي العام و الثوار ، بعزل النائب العام سيزعرد الكثرون
الذين يؤمنون أنه رجل فاسد عينه مبارك.هذه المادة لم تأتي لأجل أعين الثوار و العدالة
كما ظنوا ، و لكنها أتت لكي يصبح مرسي قادرًا علي تهديد أي نائب عام يحاول أن يقف
أمامه (إنها رسالة للسلطة القضائية بقوة مرسي ، و سلطته حتي علي الجماهير التي
تهلل له) . خاصة عندما بدأ الإخوان يستشعرون أنهم لا يستطيعون فعل ما يشاؤون و أن
هناك تهديد دائم لكل فعل يفعلونه من السلطة القضائية (سواًء عندما حلت مجلس الشعب
الذي سيطروا عليه ، أو عندما علموا أنهم ستسقط دستورهم و تحل تأسيسيتهم أو حتي
عندما وجدوا أن النائب العام يستطيع تحدي الرئيس الذي أتوا به في الأزمة الشهيرة
بينهما).و هذا القرار قرار خطر جدًا، لنفهم أبعاده ،علينا أن نفكر قليلاً ماذا لو
صار مرسي أو أي رئيس بعده فاسدًا ، و مازال النائب العام يعزل و يولي بيد الرئيس ،
من سيحوله إلي التحقيق ؟ الرجل أوالمرأة الذي /التي عين/ت بيد الرئيس ؟ و الذي
يستطيع الرئيس عزله/ا في أي لحظة؟ هراء . و بالمناسبة في الدول الديمقارطية لا
يستطيع الرئيس عزل النائب العام بينما يستطيع النائب العام تحويل الرئيس للتحقيق.
عندما يجعل مرسي تعيين و عزل النائب العام حق له ، فهو يهدد النائب العام بالعزل
في أي لحظة و هذا يمنع استقلاليته. و لننظر إلي الوراء قليلاً ، فعندما وقف نائب
عام في وجه عبد الناصر ، هدده عبد الناصر ثم عزله ، و حينها لم يقل أحد لعبد
الناصر "لا" ؛لأنه عزله باسم ثورة 1952 ، و مضت سنوات ، و إذا بعبد
الناصر يذبح القضاء في مذبحة شهيرة ، و لا يوقفه أحد ؛لأنه صار باسم الثورة فوق
القضاء.من يقولون أن النائب العام فاسد يقدمون أدلة يحاكم علي أساسها ، بدون أدلة
و بينات ،الإدعاء باطل . نحن غاضبون و نتهمه بالفساد ؛لأن الأحكام لم تصدر علي
هوانا ، أما إن كان كل رموز مبارك أعدموا حتي و لو في محاكمات صورية حينها كنا
سنراه رمز النزاهة ، فهل هذه هي العدالة ؟ إننا لا نريد العدالة ، نحن نريد الثأر
، و مرسي يتلاعب بهذا.
المادة الخامسة هي مفصلة علي مقاس الإخوان
و السلفيين ، مفصلة علي مقاس من يحميهم مرسي ، الذي يدعي كاذبًا أنه رئيس لكل
المصريين. و هي امتداد لتكسير شوكة القضاء لكي لا يستطيع التصدي للإخوان و لا
لمرسي .فهي فوق سلطة القانون و الدستور تحصن التأسيسية من أي حكم يصدر حتي من
المحكمة الدستورية بحلها ، لتستمر غير دستورية و لكن دستورية بدستور مرسي! و ليصدر
عنها دستور مطعون في شرعيته محصن أيضًا
بدستور مرسي.مرسي كان يستطيع عندما تقضي الدستورية بعدم دستورية الجمعية التأسيسية
أن يستخدم صلاحياته المطلقة في إعادة تشكيلها بذات الصياغة ، و لكن مرسي لم ينتظر
حكم الدستورية أصلاً ، لينفذه ثم يشكل التأسيسية من جديد. لماذا ؟ ؛لأن هذه المادة
ليست فقط لتحصين التأسيسية و استمرارها بهيئتها الحالية ، و لكنها موضوعة لكي تؤكد
أن مرسي و الإخوان يستطيعون تحدي السلطة القضائية و هزيمتها هي و محكمتها
الدستورية ، ليس هذا و حسب بل و جعل أي حكم منها غير قابل لحل الجمعية التأسيسية
التي شكلها الإخوان.و هذه المادة من ناحية اّخري، رسالة لكل التيارات غير
الإسلامية بأن فرصتهم الوحيدة هي في الرجوع إلي التأسيسية ، و أنه لا أمل لديهم في
أي خيار اّخر ؛فهي لن تحل بأي طريقة كانت. و المادة الرابعة التي مدت عمل
التأسيسية رغم أن دستور الإسلاميين انتهي ، هي إعطاء فرصة للتيارات غير الإسلامية
كلها لتعود منكسة الرأس إلي التأسيسية ؛لأن هذا هو خيارها الوحيد و إلا سيمر
الدستور بدون مشاركتها فيه.و طبعًا هذه التيارات إن عادت ستعود ضعيفة ؛لأنها تعلم
أنها سواًء انسحبت أم لا، الجمعية التأسيسية ستستمر.
المادتان الأخطر في هذا الإعلان من وجهة نظري هما المادة الثانية و
امتدادها (المادة السادسة). حتي طريقة كتابة المادة الثانية شديدة الاستفزاز ، فهي
تعلن ببجاحة و تحدي أن مرسي أصبح هو
الفرعون.فكل قرار يصدر منه غير قابل للطعن عليه أمام أي جهة حتي القضاء ، و لا
إيقافه بأي طريقة حتي و إن كان غير قانوني ، فالسلطة الوحيدة في الدولة المنوط بها
إيقاف القرارت غير القانونية هي القضاء ، و عندما يصير القضاء عاجزًا عن إيقاف أي
قرار للرئيس يصير الرئيس بكل بساطة ليس فوق كل السلطات و حسب ، و لكن أيضًا فوق القانون. حتي و إن أصدر
قانونًا غير دستوري أو مجحف ، سيفعل هذا القانون رغم أنف الدستور و القضاء و الشعب
( ربما يقف الشعب خلفه و ربما لا) و أيضًا رغم أنف القانون و العدالة.هذه المادة
قد تفعل من خلال إصدار قانون باغي علي رموز النظام السابق ضد قيم القانون و
الدستور ( و طبعًا سيؤيده الشعب المشتعل بالثورة و الثأر) أولاً ، و لكنها
مستقبلاً ستكون عمادًا لكل قانون طاغي يصدر لصالح الرئيس و جماعته و ضد خصومه
السياسيين ، سأهاجم و يقال عني أني أخوف الناس من مرسي و الإخوان و لكن فلننظر للتاريخ.
لا يجب أن نرمي بصرنا بعيدًا في التاريخ أو الجعرافيا و ننظر إلي الثورة الفرنسية
أو البلشيفية أو الإيرانية فلننظر حتي إلي
ثورة 1952 ،ليتأكد الجميع أنني لا أتهم مرسي أو الإخوان تهمًا كاذبةًَ . سواء
الثورة الفرنسية أو البلشيفية أو الإيرانية أو حتي ثورة 1952 ، كلها بدأت ثورات
نبيلة ، حكم بعدها الثوار أو من ركبوا الثورة ، و سواًء أكانوا الثوار أو من ركبوا
الثورة ففي كل هذه الثورات الحكام إدعوا أنهم يصدرون قوانين فوق القانون و الدستور
و لا يمكن إبقافها لأجل حماية الثورة من النظم السابقة الفاسدة ، فإذا بهم
بالتدريج يبسطون سلطاتهم فوق كل السلطات ، و يجزرون القضاء لكي لا يستطيع إيقافهم
ثم يستغلوا قوانينهم غير القانونية ، غير الدستورية و غير العادلة لكي يتخلصوا من
كل خصومهم السياسيين أو الاجتماعيين أيضًا باسم الثورة ،حتي و إن كان بعض هؤلاء
الخصوم أصلاً من صناع الثورة!
هذا
هو التاريخ الذي يعلمنا أنه لا فرعون يصير بإرادته و بدعم عبيده فوق القانون باسم
الثورة إلا و يصير مجرمًا أيضًَا بدعمهم و باسم الثورة.
و الأخطر أن مرسي تمكن من إصدار هاتين
المادتين (الثانية و السادسة ) باسم حماية ثورة 25 يناير ، و جعل كل المواد الأخري
بما فيها المادتين الأولي و الثالثة يبدين موادًا حامية للثورة من زعيم يدافع عنها
لا كمواد توسيع سلطات لحاكم قرر أن يصير فرعونًا فوق القانون.و هذا يعني أن كثيرين
سيؤيدونه مغشيي العينين ظنًا منهم أنه يحمي الثورة ، سيرونه زعيمًا و أخطر فرعون
هو الفرعون الزعيم ؛لأن عبيده يعشقونه و يتلذذون بعبادته ، و يصيرون مستعدين لقتال
أي شخص يحاول أن يسقطه أو حتي يعارضه حتي و إن كان هذا الشخص يدافع عن حريتهم. و
الأكثر سوًء أن هذا الفرعون الزعيم يصدر نفسه كحامٍ الثورة من وحوش النظام السابق
و هذا يعني أن عبيده مستعدون للوقوف خلفه طويلاً و التغاضي حتي عن كونه فوق كل
قانون و كل عدالة ؛لأنهم سيكونون خائفين من وحوش النظام السابق كما أتي به كثيرون
منهم أيضًا لارتعاشهم من مجرد تخيل عودة رموز النظام السابق.أي أنه سيحكم ليس فقط
بسلطات شاسعة ، و بدون قدرة أي سلطة علي إيقافه حتي سلطة القانون ،بل أيضًا سيحكم
بأخطر سلطة تحمي حتي ظلمه و تعديه علي القانون هي سلطة (الخوف)، الخوف علي الثورة
، الخوف من رموز النظام السابق .و هذا وضح بقوة في صيغة المادة السادسة :"
لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية
أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة .........................." أي أن لمرسي
طبقًا لتقديره الشخصي للخطر علي الثورة و الدولة أن يتخذ أي إجراء يحلو له ، و هذا
هو بالضبط ما قاله مبارك و نظامه طيلة ثلاثين ،أنهم يحمون الدولة و الوحدة
بالإجراءات الديكتاتورية و منها الطوارئ.و لكن مرسي أضاف إضافة صغيرة تناسب
المرحلة ( ثورة 25 يناير) ،و كما كان يحكم مبارك بدكتاتورية مطمئنًا بتخويف الناس
من الإخوان ،تبدلت الكراسي الاّن ، و مرسي يحكم بدكتاتورية حتي بسلطة فوق القانون
مطمئنًا بتخويف الناس من نظام مبارك علي الثورة.
و طبعًا حماية الثورة و الوحدة الوطنية و حياة
الأمة عبارات عامة غير محددة لتسمح لمرسي متي شاء أن يصدر قرارات ديكتاتورية لا
يستطيع أحد محاسبته عليها .فحتي القضاء لا يستطيع التصدي لأي قانون أو قرار يصدره
الفرعون الزعيم المحبوب مدعي الثورية.
قرارات مرسي لم تكن فقط إعلان بجح منه بالسيطرة علي كل السلطات بنحو لم
يحظي به مبارك في ثلاثين عامًا في ثلاثة أشهر ، لم تكن فقط إعلان مصرع مبدأ توازن
السلطات لحساب مبدأ السلطة المطلقة ،و لا شهادة وفاة دولة المؤسسات لحساب دولة
الفرد ،و لا حتي حمل لنعوش دولة القانون لحساب دولة الفرعون ،و لكنها كانت أيضًا
بداية سنوات حكم الفرعون الزعيم الطاغي الباغي المجحف الذي يستر كل عيوبه و إخفاقه
و ظلمه في ثوب لامع يسمي (الثورة) ، و خطوتنا الأولي علي طريق نحن اختارناه ، طريق
يبلغنا وطن بلا عدالة ، و لا حرية ، و لا إنصاف ، و لا ديمقراطية ، و لا تقدم ، و
لا تمدن ، ولا حضارة فيه ،و لا حتي ثورة.