( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
عندما
رحل مبارك ، و تم تحليل داخلية العادلي و عقلية نظام مبارك ، أتهم مبارك و نظامه
حينها بالنظرة الأمنية للأمور و الإيمان الدائم بالحل الأمني و تجافل الحل السياسي
و الاجتماعي و الاقتصادي.و تلك كانت حقيقة ينطق به كل قرار و كل خطة إتبعها مبارك
و نظامه طيلة ثلاثين عامًا لا أيام الثورة و حسب.و لكن مبارك و نظامه لم يكونا
وحدهما كذلك بل هي ثقافة اجتماعية سياسية لدينا كلنا حتي مثقفينا . إنها متأصلة
فينا ( النظرة الأمنية).
الثقافة
الديكتاتورية تولد داخل المجتمع (النظرة الأمنية) تجاه كل شيء.العقوبة ، العنف ،
المنع ، الحجب، الإقصاء، الرقابة، التهديد،كل هذه تجليات ل(النظرة الأمنية).
نحن
ننشأ علي التربية الأمنية . نتربي علي أننا نحمي بالمنع ، بالحبس ، بالرقابة
،بالمراقبة، بالتهديد .يقنعنا أهلنا و نحن أطفال أننا لا نتعرض للخطر ؛لأننا
موضوعون في علب زجاجية تحمينا ممن حولنا و إن خرجنا منها سنهلك.الأهل يمنعون أبناءهم
من صداقة من لا يعرفونهم ، من ليسوا من محيطهم ، يأسرونهم داخل هذه العلب و يحددون
لهم متي يخرجون و من يعرفون ، و ما يشاهدون ، و ما يدرسون. يتحكمون بقبضة حديدة في
أقفال العلب الزجاجية الهشة حتي يسيطروا
علي ما يتعرض له أباؤهم ، و يظنون أن ذلك يصونهم ، و يقنعونهم أنه بالعقاب لن
يخطئوا ، و أنه بالأسر سيحموا من كل شر ، وأنه بمنعهم من مشاهدة ما يرفضه الأهل أو
الاستماع حتي لرأي ضد عقيدة أو أفكار الأهل أنهم بذلك يصونون عقيدتهم و أفكارهم و
أخلاقهم. هذا يجعل الأباء يكبرون مقتنعين أن الحماية مقترنة بالمنع و الحبس و
العقوبة ،و هنا تنشأ داخل لاوعيهم (النظرة
الأمنية).
(النظرة
الأمنية) تحاصرنا من كل جانب. في كل مكان ، و كل موقف ، و وكل مجال؛لأنها ثقافتنا
الاجتماعية و السياسية. عندما نحاول القضاء علي الفوضي و الاضرابات و الاعتصامات
نصدر قانونًا يجرمهم ، عندما نود إنهاء ظواهر التحرش أو الاغتصاب نغلظ عقوباتهما ،
و نحجب المواقع الإباحية، عندما نقرر إسقاط الفلول في الانتخابات نصدر قانونًا
بالعزل السياسي، لا نتذكر سيناء إلا عندما نجد أنها تخرج عن سيطرتنا و تقع في يد
إرهابيين و حينها نكتفي بأن نحمل إعادة الأمن بها للجيش، و نجد الحل العسكري هو
الحل المناسب للوضع فيها.نجعل الرقابة أداتنا لتمنع أي فيلم أو مسلسل أو عمل أدبي
نراه يشيع دينًا أو فكرًا أو قيمًا أو ذوق منحط نرفضه بالقوة.و هذه ليست رؤية
السلطة ، هذه رؤية أعلبية الشعب التي تطالب بمنع الجنس و القيم المختلفة في
الإعلام و التي تريد تغليظ العقوبات علي التحرش و الاغتصاب و التي تريد حجب
المواقع الإباحية و التصدي بقوة لكل الاضرابات التي تعطل الحياة اليومية و
الاقتصاد و تطبيق الحدود الإسلامية إيمانًا أن قسوة هذه الحدود ستقضي علي الجريمة.
إني لا
أدافع عن الاعتصامات و الاضرابات ، و لا طبعًا عن الإرهاب أو التحرش أو الاغتصاب،
و لا أحاول حماية من يسمون (الفلول).و لكن هذه (النظرة الأمنية) للأزمات و حتي
الجرائم لا تحل شيئًا .نحن نغلظ العقوبات في الاغتصاب و التحرش و جرائم أخري مثل
السرقة بالإكراه كل عام عن سابقه. نحن نستعمل الجيش في كل أزمة تطرأ في سيناء.نحن
نحاول باستماتة عزل رموز النظام السابق بكل السبل حتي أحيانًا بإدانتهم شعبيًا
بدون محاكمات.نحن نعدم القاتل كما هو حد القتل إسلاميًا.هل تحسن الوضع الأمني في
سيناء؟ هل قلت جرائم هتك العرض و القتل و السرقة بالإكراه ؟ هل تمكنا من إسقاط
رموز النظام السابق حقًا و اقنعنا الناس بالثورة؟
حتي علي
الصعيد الأسري ، هل أفادت تهديدات الأهل و عقوباتهم العنيفة في جعل الأبناء يؤمنون
حقًا بما يمليه عليهم الاّباء و فعله أمام الأهل و خلفهم ؟ هل منع الأبناء قسرًا
من قراءة أفكار معينة أو مشاهدة أفلام بعينها نجح في جعلهم حقًا يعتنقون أفكار
الأهل و لا يستطيعون الاطلاع علي الأفكار و الأفلام التي يمنعها الأهل؟
(
النظرة الأمنية) لم تنقذ شيئًا و لن تنقذ شيئًا ذات يوم. التحرش و الاغتصاب و
السرقة بالإكراه و الأدمان جرائم اجتماعية
حلولها احتماعية و ليست أمنية، حلولوها في القضاء علي البطالة و تقليص معدلات
الفقر و تحسين التعليم و التربية.سيناء أزماتها الأصلية سياسية اجتماعية تنموية ،
حل أزمة سيناء في مشروع تنميتها الذي كاد يتعفن من طيلة حبسه داخل الأدراج ، حل
أزمة سيناء في الارتقاء بمستوي المعيشة و التعليم و الخدمات الاجتماعية بها و
تعميرها .رموز النظام السابق لن يفشلوا ؛لأننا نعزلهم بالقوة ،الشعب سيختار الثورة
لا هم ،عندما يجد الثورة حققت له تحسنًا حقيقيًا في حياته اليومية، في التعليم ، و
الصحة ،و العدالة ،و الفقر ،و الفساد.حل أزمة الإعلام لم و لن تكون أبدًا في المنع
و الرقابة بل هي في الوعي ،في تكوين وعي حقيقي عند المشاهد/ة.حتي في تربية الأبناء
، الحل في اقناعهم ،في جعلهم يفكرون ، في جعلهم يؤمنون بالصواب و يختارونه و يختارون
باقتناع الأفكار الصحيحة لاعتناقها لا ما نفرضه عليهم نحن ؛لأننا نري أنه الصواب
الذي سيحميهم.
(النظرة الأمنية) ليست سوء جزء صغير في حل أي أزمة حقيقية تواجه الفرد أو
المجتمع أو الوطن . إنها عور حقيقي في ثقافتنا يجب أن نتخلص منه .إن كنا نريد أن
نتخلص من نوائبنا و نمضي للأمام فعلينا أولاً أن نصبر و نحل مصائبنا حلولاً حقيقية
اجتماعية و سياسية ،لا حلولاً أمنيةًَ مؤقتةً و مزيفةً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق