الثلاثاء، 13 يناير 2015

الدور الوظيفي للدين في تبرير الفاشية

  (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).     

لا يمكن وصف قسوة حياة من يرفضهم المجتمع و يجعلهم يعيشون عيشتين و عندما يختارون مواجهته يدفعهم الثمن ليس بالتهميش و لا بالإقصاء و لا حتي بالإهانة و التعذيب اليومي وحدهم، بل أيضًا باستغلال سلطة الدولة –التي تعد صورته الشرسة الأكثر تحكمًا بالإرادة- في قمعهم و تجريسهم و سجنهم و تعذيبهم و أحيانًا حتي قتلهم.
        المجتمع يدفعهم نحو عيشة الظلام المزدوجة؛ يدفعهم ليعيشوا حياة كاملة من الكذب. إنه يعشق أن يكذب عليه، يعشق الكذب و يأبي أن يسمع للحظة صوت الحقيقة. المجتمع يعلم أن الكثيرين فيه –إن لم تكن الأغلبية- لا يخضعون لقواعده و شريعته، لكن يكفيه أنهم يظهرون أمامه كما يريدهم، متدينين و محافظين.
         الدين في المجتمع ليس له المكانة المقدسة التي تربينا علي تصديقها "شعب متدين بطبعه". الدين في المجتمع مجرد قناع ليبرر إجرامه، ليبرر فرضه لكل ما هو غير منطقي. أحيانًا يتم إقرار أفكار و سلوكيات في المجتمع علي أنها مفروضة دينيًا بينما يرفضها الدين. المجتمع هو الذي يصيغ الدين لا العكس. و الدولة الديكتاتورية ما هي إلا الكيان الذي خلقه المجتمع ليمارس القمع علي كل أقلية يرفضها؛ لأنها لا تناسب مقاسه، سواءًا صنفها كأكثر تشددًا أو تحررًا مما يروق له. الدولة الديكتاتورية هي تجسيد لرغبة مجتمع أشد ديكتاتورية و فاشية منها بمراحل.   
          كريم البنا شاب في مثل عمري (إحدي و عشرين عامًا) حكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام، لماذا ؟ لأنه أعلن علي حالة في الفيسبوك أنه ملحد. والده نفسه شهد ضده و كأنه يظن أنه يطهر شرفه من عار ابنه. كل ما يعلم عن كريم و غيره الكثير من الملحدين مجرد أخبار إلقاء القبض عليهم أو سجنهم، لا قصة تروي عن حياتهم، عن معاناتهم، عن مجتمع فرض عليهم عيشة الظلام و دفعهم ثمن الصدق معه باهظًا جدًا.
           يسهل علي كل من لم يعشوا عيشة اللادينيين و الملحدين أن يدينونهم. كثيرون يحكمون عليهم بكل كبرياء علي أنهم كفرة، و يريدون أن يمارسوا الجنس أو يرتكبوا شتي صور الفجور لذلك يختارون الإلحاد أو اللادينية (الإلحاد يعني عدم الإيمان بوجود إله، بينما اللادينية تعني الإيمان بوجود إله لكن عدم الإيمان بأي دين). كثيرون يظنون أن الملحدين لم يعرفوا الدين، أو مرضي نفسيين. قليلون جدًا اختاروا أن يعرفوا أحد الملحدين أو اللادينيين معرفة إنسانية طويلة، ليعرف/تعرف حقيقة معاناتهم.
            اختيار الإلحاد أو اللادينية وسط مجتمع يدعي التدين هو حكم بالعذاب مدي الحياة علي النفس. لا يوجد كثيرون يختارون هذا الحكم إلا بعد عذاب صراع طويل جدًا. الصراع يأتي مع مجتمع يدعي التدين و يرتكب كل الجرائم ضد الإنسانية بيد دولته باسم الدين. الصراع يأتي مع سلطات دينية تعلم اللا إنسانية و الفاشية باسم الدين. الصراع يأتي مع متدينين عاديين لا حتي متطرفين يقبلون بأي جريمة مهما بلغت بربريتها و دمويتها فقط؛ لأنهم يؤمنون أن الدين قبل بها، بل ربما أمر بها. الصراع يأتي مع نصوص دينية تبرر كل صور الاعتداء و الظلم باسم صيانة الدين و المجتمع. الصراع يأتي عندما يكون الخيار بين الإنسانية و الدين، فيأتي الكفر بالدين و أحيانًا إن إشتد الصراع يأتي الكفر بالإله تمامًا.
         الغالبية الكاسحة من الملحدين و اللادينيين يواجهون معارف و أهل يرفضونهم و أحيانًا يهددونهم بالقتل (دون مبالغة). الغالبية الكاسحة تخاف أن تنطق، تخرس أسئلتها قبل أن تترك الدين، و يكتم صوت نقدها عندما تتركه. الغالبية الكاسحة تعاني إهانة كثيرين حولها و إساءتهم الظن بها. و أقلية تجد الرفض يبلغ الاعتداء الفعلي أو حتي البطش بيد الدولة في صورة السجن.
          إنه ظلم بين تقبله الأغلبية، لماذا؟ باسم الدين لكن ربما الواقع بسبب رفض الاختلاف، و الرعب منه، و كراهية المختلف/ة. كثيرون لا يصدقون أنه ظلم؛ لأن لهم العدل و ما يرتضيه الدين واحدًا بل لو تصادما فالدين أولي من العدل. ربما يحسبون ذلك ليبرروا لأنفسهم كراهية المختلف/ة، يبرروها بأنه/ا أدني منهم و سيذهب/ستذهب إلي النار بينما هم سينالون الجنة. الدين يلعب دورًا وظيفيًا، دورًا اجتماعيًا في تبرير الفاشية.      


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق