الأحد، 4 يناير 2015

مؤسسات القمع الثلاث و تغيير وضع الأقليات

    منظومات القمع متعددة تمثلها الدولة بمؤسساتها، و المجتمع، و الدين. كل مؤسسة منهم تملك قانونها، و بقانونها تحكم بالتعظيم أو الإدانة لأفعال أو أشخاص بعينهم. و كل مؤسسة تمتلك أسلحتها التي تنفذ بها أحكام قوانينها. الدولة تمتلك القانون و تمتلك القوة المتمثلة في السجن و الإجبار علي دفع الغرامات، و حتي الإعدام، المجتمع يملك العرف قانونًا و يملك العقوبة بالإقصاء أو التهميش. و الدين يملك قانونه فقهه و عقوبته مؤجلة للاّخرة حيث الجحيم.
    أحيانًا كثيرة تتصادم المؤسسات الثلاث. أحيانًا تختلف علي مفهومها للصواب و الخطأ. أحيانًا تقبل منظومة منهم، بل و تعظم ما ترفضه و تدينه الأخري. حينها تمسك إحداها بالسوط بينما تعطي الأخري الجزرة.  مثال علي ذلك يكون عندما يرفض المجتمع تسلط و بطش الدولة الطاغية، و يقدس من يقف/ تقف أمام جورها. حينها ستدينه/ا الدولة، و تنكل به/ا و ربما تعدمه/ا، لكن سيعظمه/ا المجتمع و ربما يألهه/ا حتي بعد رحيله/ا. مثال اّخر عندما تكرم الدولة العلمانية كاتب/ة ينتقد/تنتقد الدين في موقفه من علاقة الدين بالسياسية. حينها ستعظم الدولة الكاتب/ة، و لكنه قد يكون/ تكون مرفوضًا/ةً من الدين أو المجتمع المتدين.
    لكن في حالات ثالثة يتكاتف المجتمع و الدين و الدولة ضد فرد أو مجموعة محددة. حينها يعاني الفرد أو المجموعة من بطش المؤسسات القمعية الثلاث. هذه حالة طوائف عديدة بالمجتمع المصري، مثل الملحدين، و اللادينيين و البهائيين، و المثليين، و مزدوجي الميل الجنسي، و المتحولين جنسيًا أو الراغبين فيه. هذه الطوائف تعاني من قمع مضاعف؛ لأنها ليست مرفوضة من فصيل بعينه أو من مؤسسة واحدة بل من جميع المؤسسات الاجتماعية و مدانة منها جميعًا.
    الدولة عندما تشن حربًا ضد الملحدين أو المثليين أو المتحولين جنسيًا فهي لا تخاف أن يتصدي لها المجتمع أو الدين. و ربما ذلك يعد سببًا في السرعة النسبية لإجراءات إدانة المثليين مقارنة ببقية الطوائف التي تحاربها الدولة مثل اليسار و الإسلاميين. ففي حالة اليسار و الإسلاميين تعلم الدولة أن جزًء من المجتمع قد يعتبرهم أبطالاً، و أن الدين قد يدعم في إحدي قراءاته الإسلاميين بينما المثليون مرفوضون من المجتمع و الدين أو بالتعبير السوقي "مالهمش دية".
    لو كانت الدولة تدعم حقوق المثليين ضد المجتمع مثل الوضع في تركيا مثلاً لكان الوضع أيسر علي المثليين في مصر. و لو كان المجتمع يدعمهم ضد الدولة كما هو حال اليسار لكان الوضع أيسر، و لو كانت إحدي قراءات الدين تدعمهم مثل الإسلاميين لكان وضعهم أيضًا أيسر. لكن الأزمة أن المثليين مثل الملحدين و البهائيين و المتحولين جنسيًا و مزدوجي الميل الجنسي مرفوضين من الجميع.
     هل يعني ذلك أنه لا أمل؟
     لا، هذا غير صحيح. لكن الأمل يكمن في التغيير الذي يبدأ من المجتمع لا من الدولة و لا من الدين. الدين بطابعه مؤسسة متجمدة تتغير بعد تغير المجتمع بفترة، و الدولة ليست قادرة علي إملاء إرادتها علي المجتمع و الدين مهما إدعت الجبروت. الدولة تستطيع فقط أن تعمل في إطار يسمحون به. المجتمع هو الذين يدفع قراءة الدين للتغير. تفسير الدين المختلف يحدث بتغيير موقف المجتمع. و الدولة تجبر علي التغيير لتواكب المجتمع مهما كانت ديكتاتورية. الديكتاتورية السياسية ذاتها يجب أن تحتمي بالمجتمع و إلا سقطت. فكرة الحاكم الأب محتمية بمفهوم الأب اجتماعيًا.
       التغيير الوحيد الحقيقي يكون بتغيير مفهوم المجتمع. طبعًا التحدي شديد الصعوبة، و التغيير الاجتماعي تغيير تحتي لذلك يحتاج لوقت أطول، لكنه الوحيد الذي يستطيع التأثير في وضع فرد أو مجموعة بجد. مسألة تغيير المجتمع تتطلب أن يفهم المجتمع حقيقة الطوائف التي يرفضها. أزمة الملحدين و اللادينيين و البهائيين و المثليين و مزدوجي الميل الجنسي و المتحولين جنسيًا جزء كبير منها يكمن في كون هذه الطوائف مغلقة علي نفسها، لديها خوفها المبرر من الانفتاح علي المجتمع، و أن المجتمع لا يعرف أفراد هذه المجموعات كبشر، بل يراهم مجرد فكرة دنسة يشمئز منها. كل فرد في المجتمع حوله كثير من أفراد هذه الطوائف لكن لا يبوحون له/ا بحقيقتهم خوفًا من عدم تقبله/ا لهم. إن عرف هذا الفرد و غيره/ا أن هؤلاء المحيطين به الذين يحبهم و يعرفهم كبشر من الطوائف التي يرفضها/ترفضها، قد يرفضهم/ ترفضهم و لكن يحتمل أيضًا أن يراجع/تراجع أفكاره/ا عن هذه الطوائف؛ لأنه وجد أنه/ا يعرف/تعرف أحد أفرادها كبشر.
       مواجهة المجتمع ليست خيارًُا سهلاً، و ليس بيد الكل، و لكن بمواجهة البعض للمجتمع، و خروجهم من علبهم الصغيرة يمكن للمجتمع أن يتغير، و يغير قوانينه القمعية، و حينها ستجبر مؤسستي الدولة و الدين علي مواكبة تطور المجتمع أو علي الأقل التغاضي عنه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق