الخميس، 25 مايو 2017

تساؤلات (12): هل الجسد ضد الروح؟ هل الروح حقًا ترقى علي الجسد؟ هل الروح أصلاً مختلفة عن الجسد؟

          واحد من أهم الأسئلة علي الإطلاق وأكثرها تعقيدًا في الفلسفة الغربية هو عن علاقة الجسد بالروح. فالفكرة الغربية التاريخية (والعربية أيضًا) أن الجسد منفصل عن الروح، والأمر مختلف كثيرًا في الثقافة الشرقية (الاّسيوية) حيث توجد نظرة أكثر توحيدًا بين الاثنين.
   
          والفكرة الدينية لدى الأديان السماوية هو وجود انفصال وشبه معركة بين الاثنين، وأن المتدين هو من يستطيع التوازن بين الاثنين ومن يستطيع السيطرة علي جسده، ومنعه من تلويث روحه. وإن كان الإسلام بوجه عام أكثر تسامحًا مع الجسد، وإن كان يضع قيودًا له؛ فهو أيضًا إلى حد ما ينظر للجسد علي أنه شيء ينبغي السيطرة عليه بفكرة مثل الصوم. الاختلاف بين المسيحية والإسلام حول الجسد هو أن المسيحية تكره الجسد، وما هو جسدي، وتعتبره مرحلة، وأن الإسلام يحب ما هو جسدي، ولكنه يريد فرض قيود عليه بحيث يستطيع السيطرة علي "المخاطر" التي يمثلها الجسد للمجتمع. ولذلك نجد الاّخرة الإسلامية اّخرة حسية جدًا، والسماء المسيحية يرفض فيها كل ما هو جسدي، والجسد في هذه الأفكار الدينية (الإسلامية والمسيحية) مرتبط بشكل كبير بالجنس.

           لكن المشكلة الحقيقية في رؤية الجسد كعدو للروح؛ والسؤال هنا هو لماذا يعتبر الجسد عدوًا للروح؟ أو خصمًا لها ينبغي التحكم فيه؟ لماذا تعتبر رغبات الجسد أزمة كبيرة يجب أن ترقي الروح حتي تستطيع السيطرة عليها؟ لماذا الروح، والجسد منفصلان؟ من أين جاءت هذه الفكرة، وما الذي يدعمها؟ لماذا لا يعتبر الجسد انعكاسًا للروح؟ لماذا لا يعتبر الجنس صورة من صور تعبير الروح؟ ما الذي يثبت أيضًا أو حتي يؤيد فكرة أن الروح والجسد في معركة؟ ما الذي يجعلنا نظن أن الروح ارقى من الجسد؟
ألا يمكن أن يكون الجسد هو الأرقى من الروح؟ ألا يمكن أن تكون الروح أدنى وأقذر من الجسد؟ ما الذي يجعلنا نظن أصلاً أن الروح والجسد مختلفان؟ لماذا نظن أنهما ليسا واحدًا بصور مختلفة؟

           ألا يمكن أن يكون صراع الجسد والروح مجرد أكذوبة و وهم وخدعة خدعتها لنا الأديان أو المجتمعات حتي تحمي نفسها من الأخطار الذي يمثلها الجسد ورغباته علي أمنها، واستقرار نظامها؟ ألا يمكن أن يكون الجنس مثلاً راقيًا ونظيفًا أو حتي عاديًا، فألصقته المجتمعات بالدنو والقذارة (خاصة إن خالف أحكامها) لما يحمله من تهديد لاستقرار الأوضاع فيها؟ ألا يمكن أن يكون الصواب هو جعل الجسد معلم للروح مثلما الروح معلمة للجسد؟ ألا يمكن أن تكون العلاقة بينهما من طرفين لا من تحكم طرف واحد؟ ألا يمكن أن يكون الجيد عالمًا أكثر من الروح في أوقات؟  

الثلاثاء، 23 مايو 2017

تساؤلات (11): علي ماذا يستند الإيمان؟

        الهجوم الشهير من المؤمنين بالمنطق أو المؤمنين بالمنهج العلمي (المنطق ليس والمنهج العلمي سواء، هناك اختلاف كبير بينهما) علي الدين أو حتي علي أفكار غير دينية يصعب إثباتها بأدلة ملموسة أو تناقض المنطق هو فكرة عدم إثباتها وكونها غير منطقية. والدفاع المشهور من المؤمنين الدينين الذين يرفضون مواجهة الأسئلة المنطقية ضد الدين هو أن الإيمان هو التصديق حتي دون أدلة ملموسة، ومع التصادم مع المنطق.

         لكن المشكلة الحقيقية عند رفض المنطق والأدلة الملموسة هو كيفية إثبات الإيمان أو تسبيبه. أليس الإيمان دون سبب مجرد تمسك بفكرة معينة لمجرد أنها تروق عاطفيًا للمؤمن/ة بها أو لأنها شيء تعود/ت عليه، ويخاف/تخاف فقدانه؟ أليس الإيمان دون أساس يستند إليه هو مجرد رغبة في الأمان الزائف أو الخوف من هدم كل ما تربى عليه الفرد، وعاش عليه عمره؟ أليس الإيمان بهذه الصورة رخيص جدًا ويرخص ما نؤمن به؟ ألا يجعل الإيمان بهذه الصورة من نؤمن به (مثلاً الإله) مجرد فكرة ننتفع بوجودها و نخاف أن نفقد الأمان الذي توفره، ولذلك نتمسك بها؟

        من ناحية أخرى، من أين يأتي الافتراض بأن المنطق أو الدليل الملموس هو فقط الأساس الذي يمكن أن يستند إليه الإيمان؟ لماذا هما فقط يصلحان كسبب للتصديق؟ ألا يمكن أن تكون هناك صور أخرى للأدلة؟ ألا يمكن أن تكون التجربة الشخصية للفرد في علاقته/ا بشيء ما هو سبب يستند إليه هذا الإيمان؟ ألا يمكن أن تكون تجربة روحانيًا فردية سببًا قويًا للإيمان؟ ألا يمكن أن تكون علاقة شخصية الفردية بإله أثبتت له صدق وجود الإله أو فكرة معينة عنه؟

        لماذا يجب أن يكون دليل أو أساس الإيمان صالحًا لإقناع كل فرد به؟ لماذا يجب أن يكون شيئًا غير فردي؟ لماذا لا يكون أساس الإيمان والإيمان ذاته تجربة فردية؟ لماذا يجب أن يكتسب الإيمان صورة اجتماعية جماعية بأدلتها، وأساسها؟ الإيمان دون سبب أو لمجرد أن الدين الذي تربينا عليه أو الكتاب المقدس الذي كبرنا علي وجوده أو المجتمع الذي تربينا فيه يقول أشياءًا محددة فنؤمن بها ربما هو إيمان خاطئ وكاذب ويرخص ما نؤمن به، لكن هناك صور أخرى للإيمان بأشياء حتي وإن كانت ضد المنطق والأدلة الملموسة. ربما هناك أدلة فردية من نوع آخر يمكن أن يستند إليها الإيمان. 

الاثنين، 22 مايو 2017

تساؤلات (10): هل المرض ضد الطبيعة؟ وهل المرض النفسي موجود؟

        الافتراض الدائم أن "المرض" هو شيء "abnormal" وضد القاعدة الطبيعية، وأن التدخل البشري هي بهدف تصحيح الاعوجاج الذي حدث في الطبيعة بحيث أنتجت أفرادًا ضد قواعدها، لكن من أين يأتي هذا الافتراض؟ نحن وجدنا مثلاً فقدان البصر في الطبيعة، ووجدان الفيروسات، والبكتيريا، والديدان التي تسبب كثيرًا من الأمراض في الطبيعة أيضًا. من أين جاءت فكرة أن الأعراض التي نسميها نحن أمراضًا هي ضد الطبيعة؟ ألأنها تصيب الأقلية مثلاً؟ أم أنها تسبب صعوبات والاّم لنا كبشر؟ نحن لسنا تعريف الطبيعة، ولسنا نحن الذين نحدد طبقًا لما هو يناسبنا، ويريحنا ما هو طبيعي. ربما تكون حقيقة الطبيعة أنها تسبب صعوبات لنا، وأن الطبيعة ذاتها تخلق أوضاع "طبيعية تمامًا" لكنها متعبة لنا كبشر ويجب لنا تغييرها حتي تكون أوضاعنا أفضل. لذلك يجب أن نتشكك كثيرًا في فكرة كون ما نسميه أمراضًا ضد الطبيعة، بل ربما هو جوهر الطبيعة.

       ثاني سؤال أكثر أهمية هو حقيقة وجود شيء يسمي "مرضًا نفسيًا". اليسار يتشكك غالبًا في فكرة وجود شيء يسمى مرضًا نفسيًا. ألا يمكن أن يكون المرض النفسي مجرد مصطلح اخترعناه حتي نصم المختلفين معنا اجتماعيًا بأنهم يفتقدون إلى العقل وأن لديهم مشكلة ما تجعلهم مختلفين؟ ما الذي يفسر تغيير بعض "الأمراض النفسية" ونزع صفة المرض النفسي عنها مع تقبل المجتمع الغربي لها كالمثلية، وتمسك أغلب المجتمعات العربية باعتبرها أمراضًا نفسية لرفضها لها؟ وما الذي يفسر اعتبار عدم استيعاب الأطفال للمنهج التعليمي بالشكل التقليدي مثل الأطفال "المصابين" بال ADHD مرضًا نفسيًا؟ هؤلاء الأطفال فقط لا يستطيعون التركيز في المحاضرات بالشكل التقليدي لماذا نعتبرهم عاجزين أو مرضي؟ ولماذا نفترض في من لديهم مشاعر كثيرة أكثر من الغالبية أنهم مرضي؟ ولماذا نفترض فيمن يفكرون بشكل مختلف، وتسيطر أفكار معينة عليهم بشكل معين أنهم مرضى؟ ولماذا بشكل جزافي يستعمل المجتمع كلمة "مجنون" للإشارة لمن يقوم بفعل غير مألوف في مجتمعه؟ لماذا يتم الحكم بعلاج نفسي علي بعض الأفراد الذين يقودون سيارتهم بطريقة غريبة "بطريقة عربية" في المجتمعات الغربية؟ ولماذا كل من يفعل/تفعل فعلاً غير متفق تمامًا مع المجتمع العربي حتي في اختياره/ا لألوان منزله/ا يسمي "مجنونًا"؟

            العقل بكل بساطة يحتمل أن يكون منظومة فكرية تحاول أن تقصي المختلف مع الأغلبية الاجتماعية وأفكارها. هذا كله لا يعني أنه ليس من حق الفرد أن يحاول تغيير أشياء معينة تضايقه/ا في نفسه/ا، لكن هذا يعني أن هناك شك في حقيقة وجود أشياء معينة مثل الأمراض النفسية، كل  شخص فيه هذه الصفات يعتبر مريضًا نفسيًا.

الجمعة، 19 مايو 2017

تساؤلات (9): هل العلاقات الفردية تفضل العلاقات التعددية؟ وهل العلاقات الغيرية تفضل العلاقات المثلية؟ ولماذا تعتبر العلاقات بين المحارم خطأ؟

         في التساؤل (5) تمت مناقشة سؤال مدى وجود شكل أفضل للعلاقات. في هذا التساؤل سيتم التفكير بشكل أكثر تفصيلاً في مدى أفضلية بعض الأشكال التقليدية بعينها للعلاقات علي أخري.

أ) العلاقات الفردية والعلاقات التعددية:

          الكثيرون يظنون أن العلاقات الفردية مثل الزواج أو الارتباط بشخص واحد، والوفاء له/ا هي الصورة الأفضل، والأكثر غلوًا، وولاءًا لكن هناك بعض التساؤلات التي لا يطرحها الكثيرون بخصوص ذلك الأمر.

           1) لماذا في علاقات مثل الصداقة أو الأخوة لا تعتبر خيانة أو تركًا للشريك/ة أن يمتلك الفرد أصدقاء أو إخوة اّخرين بينما تعتبر خيانة وتركًا للشريك في العلاقات العاطفية أن ينظر شخص لاّخر؟

           2) لماذا يجب أن يتحكم شعور الامتلاك الذي يسبب الغيرة في اختيارات الأفراد في علاقاتهم؟ لماذا يتحكم شعور ضد الحرية "الامتلاك" في صورة العلاقة المثلى؟ لماذا نختار شكل العلاقة الذي يرضي التملك "العلاقة الفردية"؟

            3) لماذا لا يمكن أن يوجد حب رومانسي لأكثر من فرد بشكل مختلف، وبدون أن يتسبب في تفضيل أحدهما علي الاّخر؟

             4) لماذا الجنس بالذات هو ملكية فردية لشخص بعينه؟ وهل لا تناقض فكرة التملك الجنسي لشخص اّخر مع فكرة حرية هذا الفرد وسلطته وحده علي جسده؟

            5) أليس مصدر الغيرة، والرغبة في الامتلاك خوف وعدم ثقة بالذات؟ أليس خوف الفرد من وجود شخص اّخر في حياة من يحب/تحب خوف من المقارنة أو التنافسية؟ هل من يحب يفترض به أن يقارن أصلاً أم أنه يحب كل إنسان بطريقة مناسبة لهذا الإنسان؟

ب) العلاقات الغيرية و العلاقات المثلية:

            1) لماذا يعتبر جنس أو جندر الفردين محددًا لمدي قدرتهما علي الحب والعطاء لبعضهما؟

             2) لماذا يعتبر هدف العلاقة هو شكل تقليدي محدد مثل الزواج أو الإنجاب؟ ألا يجعلها ذلك علاقة نفعية بتة؟ وهل يتم توجيه ذات الهجوم علي العلاقات بين الغيريين العقيمين؟

             3) لماذا يفترض الكثيرون أن الذكر والأنثى يكملان بعضهما البعض أصلاً؟ هذه النظرة توحي بأن الذكر والأنثى كائنات مختلفة، ولكن هل هما حقًا كذلك؟ أم أن تربيتنا الاجتماعية هي التي تجعلنا نفكر بهذه الطريقة؟

              4) هل فكرة إكمال الطريف الاّخر فكرة أصلاً محمودة أم أنها فكرة تفترض نقصان أحد الأفراد وعجزه وحده؟ وهل العلاقة التي يدخلها الفرد ليكمل نفسه علاقة صحية أصلا؟

              5) هل شكل العلاقة الجنسية الغيرية أصلاً يفضل شكل العلاقة المثلية؟ من أي زاوية يمكن الحكم بذلك؟ من زاوية الغيريين أم من زاوية المثليين؟
       
               6) وفكرة طبيعية أم عدم طبيعية المثلية يمكن العودة فيها للتساؤل (2): هل الطبيعة عادلة؟ وهل تصلح معيارًا للخطأ والصواب؟

ج) لماذا تعتبر العلاقات بين المحارم خطأ؟

             1) من هم المحارم؟ لماذا يختلف كل مجتمع ودين في تعريف المحارم؟ أليس ذلك نتاج علاقات اجتماعية، واقتصادية محددة، وأفكار متغيرة لمن هم ذوي العلاقة القريبة القبلية بنا؟

              2) هل وجود حب رومانسي أو جنسي بين أقارب دم أيًا كانت درجة قربهم تقلل من حبهم لبعض أم أنها صورة أعمق لحيهم أو إنعكاس لدرجة ارتباطهم ببعض؟
       
               3) هل الجنس نفسه قذرًَا، ولذلك يلوث العلاقة مع القريبين منا؟ وإن كان كذلك فلماذا نفعله بالاّخرين؟

                 4) لماذا يفترض أن نوع جديد من الحب سيفسد علاقات أشخاص قريبين من بعض؟ لماذا لا يضيف النوع الجديد للحب عمقًا أكبر؟
   
                  5) لماذا ترتبط فكرة العلاقة الجنسية مع أحد بفكرة الإنجاب ومخاطرها؟ لماذا هذه الصورة للعلاقة والقرب والحب نربطها دائمًا بغرض نفعي مثل الإنجاب ثم نقبلها أو نرفضها طبقًا لقدرتها عليه أو علي ضررها فيه؟


             








             

الاثنين، 8 مايو 2017

تساؤلات (٨): هل تصلح فكرة الصليب، والقيامة حلاً لمشكلة الألم؟

     
             


         فكرة الصليب والقيامة المسيحية تعتبر ضمن أكبر الحلول الدينية المختلفة المطروحة لمشكلة الألم (مشكلة وجود ألم في الدنيا رغم وجود إله). لكن هناك أكثر من تحدي يواجه فكرة الصليب، والقيامة كحل لمشكلة الألم.
           الفكرة في الصليب والقيامة هو أن الإله ولد إنسانًا وتعذب عذابًا إنسانيًا، وجرب كثيرًا من أنواع الآلام الإنسانية مثل الفقر ثم التعذيب الجسدي بالجلد حتي تصفية الدماء، والصلب، والجوع حتي الموت، وبذلك يكون الإله في الدين المسيحي قد شارك الإنسان ألمه في هذه الحياة، ويعتبر ذلك حلاً لمشكلة الألم في الفكر المسيحي؛ لأن الإله بهذه الطريقة يكون قد ذاق أسوأ مرارات الألم التي يتذوقها الإنسان، وشاركه الألم في الدنيا دون كبرياء.
            ورغم تميز هذه الفكرة الدينية تاريخيًا بما تحمله من صورة مختلفة للإله دون تعجرف أو كبرياء وصورة إنسانية عظيمة وجمالها في ضعفها إلا أن هذه الفكرة يمكن مهاجمتها بسهولة كفكرة عاجزة أمام مشكلة الألم لعدة أسباب:.
               1) يصعب الادعاء بأن عذابات المسيح
 هي العذابات الأكبر علي الإطلاق، وأنها تصلح كرمز لأسوأ صور الألم الإنساني.  فملايين البشر الذين تعرضوا لمذابح جماعية تعرضوا لعذابات لا تقل بل ربما تزيد كثيرًا علي اّلام المسيح. فالمسيح لم يجرب أن يتم تعذيب أو اغتصاب أعز أحبائه أمامه، ولم يتم اغتصابه (وهي صور تعذيب منتشرة بفحش في المذابح والحروب الأهلية، وضد المعارضين السياسيين). بعض المذابح في أمريكا اللاتينية كان يتم فيها وضع فئران في مهبل النساء لأكله. وكانت الأمهات يجبرن علي رؤية أبنائهن قتلى، وأجسادهم يتم دقها علي الطاولات. وبعض طرق القتل الحديثة تزيد وحشية وايلاما عن طريقة قتل المسيح. وطريقة قتل هيباشيا بتعريتها ثم سحلها بجرها خلف عربة ثم تقطيع جسدها، وحرقه علي مذبح الكنيسة ليست ايضًا أقل إيلامًا من طريقة قتل المسيح. والمسيح لم يوضع في موقف أن يجبر علي قتله أبنائه حتي لا يتركهم يقتلون بتعذيب من نظم تجعله يختار بين قتل أبنائه برحمة، وقتلهم من النظم بتعذيب. الفكرة أن الإاله إذا نزل الأرض، وقرر أن يتعذب فعلاً فيجب أن يمر بكل صور العذابات التي يمكن أن يمر بها الإنسان، لا صورة واحدة محددة، وداخل إطار زمني واحد بحيث يمكن لإنسان اّخر أن يعاني أكثر منه.

              2) المسيح عاني من الفقر لكنه لم يكن أنثى، ولا سامريًا وسط اليهود، ولا مثليًا ولا مريضًا نفسيًا. المسيح لم يجرب وضع أقليات معينة في مجتمعاتها (وإن دافع في مجتمعه عن الكثير من الأقليات). إذا تجسد الإله، وجاء الدنيا ليحمل ذنوب البشر، ويتحمل اّلامهم ويشعرهم بمشاركته لهم، فيجب أن يكون قادرًا أن يشعر بكل معاناة كل شخص في كل وقت. هذا مستحيل بالنسبة لإنسان. فيستحيلأ يقدر إنسان واحد أن يكون ذكرًا وأنثي، جزءًا من عدة عناصر عرقية، مثليًا وغيريًا، مذنبًا وخاليًا من الذنوب. الإنسان محدود حتي في اّلامه. وهذه هي المشكلة الحقيقية لفكرة تجسد الإله في المسيح، وعذابات المسيح كحل لمشكلة الألم. لأنه ببساطة يمكن أن تكون عذابات المسيح حلاً لمشكلة الألم بالنسبة لشخص لديه مواصفات المسيح (ذكر فقير عاش في وقت المسيح أو قرب زمنه مثلاً)، لكنها لا تصلح حلاً لمن لم يجرب المسيح آلامه، ولا تخيله حتي.

           3) حتي وإن افترضنا جدلاً أن المسيح شعر بكل أو حتي أقسى صور التعذيب التي يمكن أن يعاني إنسان منها، فذلك يعني أن الإله عاني هو الاّخر من الألم لكنه لا يعني أن الإله غير مذنب في فرضه الألم علي البشر أو تنصله من مساعدتهم. لأن فكرة معاناة شخص معي لا تقلل من حجم معاناتي أنا، حتي وإن كان هذا الشخص هو الإله.

الجمعة، 5 مايو 2017

تساؤلات(٧): هل تثبت الكتب الدينية وجود إله؟ وهل يجوز ان تعرف صورة الإله عن طريق الدين؟

       كثيرًا ما يجادل أتباع الديانات المختلفة بأن دليلهم علي وجود الإله هو كتبهم التي يؤمنون أنها منزلة منه لكن السؤال البسيط المباشر المنطقي الذي لا يخطر لكثيرين ان يسألوه هو: هل تصلح الكتب الدينية دليلا علي وجود الإله ؟ هل يمكن أن يكون إثبات الإله في كتاب إيًا كان؟

          المسلمون مثلاً يدعون أن الإثبات لوجود الله هو القراّن، لكن المشكلة الحقيقية في هذه الحجة أن الإله هو الأعلي من الكتب، وأن الكتب يفترض أن تكون منزلة من الإله، وأنها تكتسب قداستها، وحقيقتها من قداسة منزلها. الكتب تدنو الإله ولا يجب أن يكون الدليل علي الإله وصفاته هو الكتب؛ لأن ذلك يجعل الأدني (الكتب) إثباتًا لصفات الأعلي (الإله)..

                  الطريق المنطقي يجب أن يكون معرفة الإله أولا ثم البحث عن الكتاب المتفق مع المعرفة الصحيحة للإله، لا معرفة الكتاب ثم رسم صورة الإله المتفقة مع وصفه في الكتاب. هذه المشكلة مرتبطة كذلك بفكرة الدين الصحيح والإله الصحيح، فكثيرًا ما يبدأ الأفراد في رسم صورتهم عن الإله طبقًا للصورة المرسومة له في دينهم (هذه الصورة كثيرًا ما تستخرج من الكتاب أو الخطاب الديني)، لكن هذا المسار غير منطقي وخاطيء؛ لأن الدين يدنو الإله، ويجب أن يعرف الفرد الإله أولا وصفاته ثم يبحث عن الدين الملائم لمعرفته تلك. لكن لا يصح أن يبدأ الفرد بحثه بالدين ثم من الدين يعرف الإله؛ لأن الدين يدنو الإله، ويفترض أن يكون طريقًا لإرضاء الإله، فكيف يتم اختيار طريقة إرضاء إله لا نعرفه أصلاً. هل يجوز البحث داخل طريقة إرضاء شخص عن ماهية الشخص؟ نحن نعرف الشخص ثم نبحث عن الطريقة التي ترضيه. ولكن هل من المنطقي أن نختار طريقة إرضاء شخص لا نعرفه ثم نشكل صورة عنه عن طريق الطريقة التي اخترناها لإرضائه دون أن نعرفه؟ كل نعرف أصلاً أنها ترضيه؟