الاثنين، 8 مايو 2017

تساؤلات (٨): هل تصلح فكرة الصليب، والقيامة حلاً لمشكلة الألم؟

     
             


         فكرة الصليب والقيامة المسيحية تعتبر ضمن أكبر الحلول الدينية المختلفة المطروحة لمشكلة الألم (مشكلة وجود ألم في الدنيا رغم وجود إله). لكن هناك أكثر من تحدي يواجه فكرة الصليب، والقيامة كحل لمشكلة الألم.
           الفكرة في الصليب والقيامة هو أن الإله ولد إنسانًا وتعذب عذابًا إنسانيًا، وجرب كثيرًا من أنواع الآلام الإنسانية مثل الفقر ثم التعذيب الجسدي بالجلد حتي تصفية الدماء، والصلب، والجوع حتي الموت، وبذلك يكون الإله في الدين المسيحي قد شارك الإنسان ألمه في هذه الحياة، ويعتبر ذلك حلاً لمشكلة الألم في الفكر المسيحي؛ لأن الإله بهذه الطريقة يكون قد ذاق أسوأ مرارات الألم التي يتذوقها الإنسان، وشاركه الألم في الدنيا دون كبرياء.
            ورغم تميز هذه الفكرة الدينية تاريخيًا بما تحمله من صورة مختلفة للإله دون تعجرف أو كبرياء وصورة إنسانية عظيمة وجمالها في ضعفها إلا أن هذه الفكرة يمكن مهاجمتها بسهولة كفكرة عاجزة أمام مشكلة الألم لعدة أسباب:.
               1) يصعب الادعاء بأن عذابات المسيح
 هي العذابات الأكبر علي الإطلاق، وأنها تصلح كرمز لأسوأ صور الألم الإنساني.  فملايين البشر الذين تعرضوا لمذابح جماعية تعرضوا لعذابات لا تقل بل ربما تزيد كثيرًا علي اّلام المسيح. فالمسيح لم يجرب أن يتم تعذيب أو اغتصاب أعز أحبائه أمامه، ولم يتم اغتصابه (وهي صور تعذيب منتشرة بفحش في المذابح والحروب الأهلية، وضد المعارضين السياسيين). بعض المذابح في أمريكا اللاتينية كان يتم فيها وضع فئران في مهبل النساء لأكله. وكانت الأمهات يجبرن علي رؤية أبنائهن قتلى، وأجسادهم يتم دقها علي الطاولات. وبعض طرق القتل الحديثة تزيد وحشية وايلاما عن طريقة قتل المسيح. وطريقة قتل هيباشيا بتعريتها ثم سحلها بجرها خلف عربة ثم تقطيع جسدها، وحرقه علي مذبح الكنيسة ليست ايضًا أقل إيلامًا من طريقة قتل المسيح. والمسيح لم يوضع في موقف أن يجبر علي قتله أبنائه حتي لا يتركهم يقتلون بتعذيب من نظم تجعله يختار بين قتل أبنائه برحمة، وقتلهم من النظم بتعذيب. الفكرة أن الإاله إذا نزل الأرض، وقرر أن يتعذب فعلاً فيجب أن يمر بكل صور العذابات التي يمكن أن يمر بها الإنسان، لا صورة واحدة محددة، وداخل إطار زمني واحد بحيث يمكن لإنسان اّخر أن يعاني أكثر منه.

              2) المسيح عاني من الفقر لكنه لم يكن أنثى، ولا سامريًا وسط اليهود، ولا مثليًا ولا مريضًا نفسيًا. المسيح لم يجرب وضع أقليات معينة في مجتمعاتها (وإن دافع في مجتمعه عن الكثير من الأقليات). إذا تجسد الإله، وجاء الدنيا ليحمل ذنوب البشر، ويتحمل اّلامهم ويشعرهم بمشاركته لهم، فيجب أن يكون قادرًا أن يشعر بكل معاناة كل شخص في كل وقت. هذا مستحيل بالنسبة لإنسان. فيستحيلأ يقدر إنسان واحد أن يكون ذكرًا وأنثي، جزءًا من عدة عناصر عرقية، مثليًا وغيريًا، مذنبًا وخاليًا من الذنوب. الإنسان محدود حتي في اّلامه. وهذه هي المشكلة الحقيقية لفكرة تجسد الإله في المسيح، وعذابات المسيح كحل لمشكلة الألم. لأنه ببساطة يمكن أن تكون عذابات المسيح حلاً لمشكلة الألم بالنسبة لشخص لديه مواصفات المسيح (ذكر فقير عاش في وقت المسيح أو قرب زمنه مثلاً)، لكنها لا تصلح حلاً لمن لم يجرب المسيح آلامه، ولا تخيله حتي.

           3) حتي وإن افترضنا جدلاً أن المسيح شعر بكل أو حتي أقسى صور التعذيب التي يمكن أن يعاني إنسان منها، فذلك يعني أن الإله عاني هو الاّخر من الألم لكنه لا يعني أن الإله غير مذنب في فرضه الألم علي البشر أو تنصله من مساعدتهم. لأن فكرة معاناة شخص معي لا تقلل من حجم معاناتي أنا، حتي وإن كان هذا الشخص هو الإله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق