الخميس، 3 مايو 2012

البرامج الرئاسية

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ) أتساءل حقًا هل الذين أعلنوا أنفسهم مرشحين لرئاسة مصر يدركون حقًا ماذا يطلبون أم لا ؟ هل يعرفون مجرد معرفة عابرة بالدور الذي يسألونه ؟ أكاد أجزم أن أحدًا منهم لا يفهم حتي ما معني رئاسة وطن كمصر في توقيت كهذا ؛ لأن أحدًا منهم لم يكلف خاطره بوضع برنامج حقيقي ينتخب عليه بل أكتفوا بكسب دعم سياسي عن طريق التهديد من الاّخر أو استخدام الدين أو الثرثرة غير المجدية بأراء سياسية خاصة بهم. عندما قرأت و اضطلعت علي برامج المرشحين واحدًا تلو الاّخر فقعت مرارتي . كل البرامج باستثناء برنامج أبو الفتوح ممتلئة عن اّخرها بكلام انشائي عامي نسخة طبق الأصل من كتب الدراسات الاجتماعية ، أنا فلقت من الدرسات بأعجوبة عندما دخلت الثانوية البريطانية ، فوجدتها قدري تخرج الي ، فاغرةً فاهها و مخرجةً لسانها في البرامج الانتخابية. كل البرامج مكتوبة بطريقة كتب الدراسات الاجتماعية التي تتحدث عن دور مصر الريادي و التاريخ المصري ، و ثقل مصر ، و قدرات مصر ، و بعد مصر الاقليمي ، و ضرورة تحقيق التوافق ، و ضرورة تحقيق النهضة الزراعية ،و تطوير التعليم. كلام كله انشائي شربناه من النظام السابق علي الثورة و في كتب التاريخ و الجغرافيا و في الخطب الشجية الرنانة العنترية الفارغة علي مدي سنوات حتي تقيأنا. و المشكلة ليست في النمطية أو التكرار قدر ما هي في عدم وضوح الرؤية. نحن نحتاج برنامج واضح و صريح ، لا يقول لنا سأوفر فرص عمل أو سأعيد لمصر دورها الريادي أو سأجعل مصر من أقوي دول العالم ، و لكن يقول بوضوح الخطة الدقيقة بالأرقام و التواريخ التي سيتبعها لتحقيق ذلك ، و جميع المرشحين بلا استثناء واحد حتي أبو الفتوح و عمرو موسي اللذان ببرنامجيهما بعد الوعود المحددة بتواريخ لا يضعون أي خطط دقيقة لتحقيق مشاريع النهضة ، و لا جداول زمنية مضبوطة يمكن علي أساسها القول أن البرنامج دقيق لا مجرد خطط و مشاريع هلامية. و حتي عندما يتحدث المرشحون أغلب حديثهم يكون عن ماضيهم السياسي و عن شخوصهم أو في أحسن الأحوال عن أرائهم الفتاكة في الوضع السياسي الراهن في مصر أو مدي علاقة الدين بالسياسة.و مع احترامي لهم جميعًا ، نحن هكهذا نحول الانتخابات الرئاسية الي انتخابات برلمانية فردية بعقلية نظام مبارك ، التي فيها المعول الرئيسي للاختيار ليس البرنامج و لكن الشخصية و الكاريزما.و ان كانت الشخصية و الكاريزما و القبول أدوات مرغوبة في الرئيس/ة و لكن ما هو أهم بمراحل هو البرنامج ؛لأننا لا نستطيع سؤال الرئيس/ة فيما بعد عن الشخصية بل نسائل الرئيس/ة فيما بعد عن مدي ما حققه /حققته من البرنامج المطروح.أما عن الأراء السياسية فالبسطاء الاّن من الشعب المصري لديهم اّراء سياسية ، و أغلب المواطنين و المواطنات الاّن لديهم خلفية سياسية محترمة و أراء ذات ثقل ، ما يميز الرئيس/ة عن المواطن/ة العادي/ة ذا/ت الرأي السياسي هو البرنامج و مدي قدرة الرئيس/ة علي تحقيق هذا البرنامج. و ان كان يحسب علي البرامج (أو ما يسمي برامجًا سياسية) أنها غير واضحة و لا محددة و لا تعدو كونها مناهج تعليمية و مقالات انشائية ، و في أحسن الفروض بها بعض المشاريع القليلة التي هي مدعمة بأرقام ولا بتواريخ محددة لتنفيذها، فهناك بعض الملامح التي تحسب ايجابية في البرامج الرئاسية هذه الدورة. يلاحظ وجود ( و لأول مرة) ذكر كبير لذوي الاعاقة في كثير جدًا من البرامج الرئاسية .و ظهر في برنامج خالد علي اهتمام بالبيئة ، و في برنامج أبو العز الحريري ذكر الطاقة الشمسية كمشروع نهضة. و قناة السويس طغت علي أغلب خطط التنمية المفترضة حتي و ان كانت هلامية ، فتقريبًا لا يرجد مرشح لم يشر الي قدرة قناة السويس أو تجاهل تطويرها كجزء من خططته حتي و ان لم يذكر جدول زمني أو وعد مباشر .و بدا جليًا أن كل المرشحين أكدوا علي ضرورة أن تكوين مواقف السياسية الخارجية لمصر أكثر قوة ، و ضرورة اعادة مصر لبعدها الاقليمي. و الأزمة الحقيقة أن المرشحين غير معنيين تمامًا بوضع برامج حقيقة يسألون عنها ؛لأنهم ببساطة يدركون أن أغلب الذين سيختارونهم أو سيختاروا غيرهم لن ينظروا الي البرنامج أصلاً و سيختارون من يجدوا شخصيته و هيأته و طريقته مقبولة لديهم أكثر ، و يرافق رأيهم السياسي، و أهم شيء يحميهم من الاّخر الذي يخشونه. لذلك يبذل المرشحين قساري جهدهم ليبدوا مقبولين للناخب/ة و ليطرحوا أراًء سياسية تعجب الأغلبية ( لذلك يبدأ كثيرون منهم البرنامج بالتأكيد علي الشريعة الاسلامية رغم أنهم في الدستور القادم سواًء كان مختلطًا أو برلمانيًا لن يكونوا قادرين علي وضع القوانين علي مزاجهم الديني أو السياسي) و يضيعون وقتًا طويلاً في الهجوم علي بعضهم و ارهاب الناخب/ة من اختيار المرشح المضاد. و من أشد مؤشرات الخطر حولنا أن الناخبين و الناخبات يريدون رئيسًا للمرحلة الحالية لا رئيسًا يصيغ المستقبل، يريدون رئيسًا بنظرية ( اليوم بيومه) لا رئيسًا يضع خططًا للغد و حلمًا لنهضة حقيقية مستقبلية في مصر. لذلك تمتلئ البرامج بمواقف عن الوضع الراهن لا المستقبل و هذا هو تحقيق أهداف أعدائنا الحقيقة أن نبقي دائمًا خائفين مما يحصل اليوم و عاجزين عن الحلم بالغد أو العمل له ،و هو للأسف ما انزلقنا اليه و تبعنا اليه مرشحونا. نحن في بداية ما يسمي (بالتجربة الديمقراطية)، هذه حقيقة ، و لكن هذا لا يبرر أبدًا الطريقة التي ننظر بها الي المرشحين و اجفالنا لبرامجهم ، و طبعًا لا يبرر لهم خطيئتهم في الاستخفاف المتعمد بالمسئولية التي اختاروها هم أنفسهم ، و تجاهلهم لوضع برنامج حقيقي ينهض بمصر ، أو حلم حقيقي لها.ان لم يسرعوا بتصحيح خطيئتهم و وضع برنامج حقيقي يليق بالحلم و الوطن فليعلموا أنهم حتي و ان فازوا فهم قد اجرموا في حق هذه البلاد و هذا الشعب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق