الجمعة، 4 مايو 2012
المقاومة المسلحة
( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة )
منذ ما يزيد عن شهر أو يزيد قليلاً دار جدال علي الفيسبوك حول ذكري شهيدة فلسطينية أحتفي بها أحد المجموعات الثورية ، كنت طرفًا في هذا الجدال ،و كان هناك الكثيرون طرفًا فيه أيضًا ، أغلب المعلقين كانوا يمجدون في الشهيدة ، و لكن هناك من وقف ضدها و قال أنها كانت ارهابية تعرضت لغسيل مخ من قبل (حماس) (مع أنها لم تنتمِ يومًا لحماس)، و هناك من انتقد من أنزل صورتها و هي غير محجبة ، و قال أنه لو كانت محجبة لكان أفضل ، و أخذ الحوار منحنيات غريبة وصلت الي حد الدعوة الي المقاومة المسلحة في مصر !، و تداخل فيه الجدل القائم بين الليبراليين و السلفيين ، و المسيحيين و المتشددين.
المهم في هذا الجدال بعيدًا عن كونه يظهر بشكل ما طبيعة الاحتقان الاّن و تضاد الأيديولوجيات في الفكر السياسي المصري الاّن أنه مدخل لدراسة فكرة المقاومة المسلحة ، و خاصة أن هناك في مصر الاّن (و ليس في مصر وحدها) من يراه بطولة و جهاد و هناك من يراه ارهابًا .و لكن أبشع ما أظهره هذا الجدال هو الديكتاتورية الفكرية ، و غياب لغة الحوار و سيادة لغة التخوين؛ فمن لم يقبل بفكرة المقاومة المسلحة و أعلن أنها ارهاب ، و أعلن كفره بفكرة العروبة و ايمانه بالوطنية المصرية اتهم من الأخرين بالخيانة و العمالة ، و هذا يكشف عور حقيقي داخلنا و أننا مازلنا نعاني من الدكتاتورية الفكرية و أعتقادنا بأن من معنا مؤمن و منتمِ و من ضدنا كافر و عميل.
في أعتقادي الشخصي أن فكرة المقاومة المسلحة ليست خطأ و ليست بالضرورة ارهابًا بل انها معترف بها في القانون الدولي كطريقة كفاح مشروعة ضد الاحتلال و الطغيان ، و نحن رأينا و نري من ثوار الربيع العربي من لجأ و يلجأ الي الكفاح المسلح ضد الحكم الباغي الغاشم.و لكن ما قد يجعل المقاومة المسلحة ارهابًا هو مهاجمة المدنيين العزل و الضعفاء و الأطفال ، مهاجمة العسكريين بطولة ، و مهاجمة المدنيين جبن و دنو. المقاومة المسلحة في فلسطنيين علي سبيل المثال، لم يكن تاريخها كله عظيمًا أو بطوليًا ، ففي كثير من الأحيان أدرج علي لائحة الشهداء أناس قتلوا أطفالاً و شيوخًا و عزلاً داخل اسرائيل باسم الشهادة و الجهاد و الكفاح ، و صواريخ القسام التي تطلقها (حماس) التي لا تتخطي كونها صواريخ تهويشية نادرة ما تستهدف بها (حماس) أهدافًا عسكرية ، بل غالبًا مدنيين عزل.و لكن هناك أيضًا أبطال في تاريخ فلسطين تصدوا للاحتلال و قاتلوا ببسالة و ضحوا بأرواحهم و هم يسقطون أهدافًا عسكرية لاسرائيل ، و جعلوا اسرائيل ترتعب منهم.
و رغم ايماني بخيار المقاومة المسلحة و اعتباري كونه بطولة و اقدام ونبل ، الا أني أعتقد أن المقاومة بالطرق السلمية في حالات بعينها أفضل لعدة أسباب. أولاً المقاومة السلمية تكسب القضية تعاطفًا عالميًا واسعًا أكثر من المقاومة المسلحة، و هذا يكسب المقاوميين ورقة ضغط قوية تسمي (الرأي العام) العالمي. ثانيًا المقاومة المسلحة يجب أن ترتكب خطايا تلوث قضيتها مهما حاول المقاومون أن يلتزموا بالمثل و القيم ، و رغم أن الخيار الوحيد في الحالة الليبية كان السلاح ، و لكن ثمن ذلك أن المقاتلين الليبيين ارتكبوا جرائم ضد مدنيين ، و أعدموا أفرادًأ بدون محاكمة ، و ليست اّخر جرائمهم طريقة التمثيل بالقذافي.ثالثًا المقاومة المسلحة تتطلب تسليح مدنيين و عسكرة المجتمع و هذه ليس لعبة هينة و ليست بثمنِ بخس. اذا تم تسليح المدنيين أو عسكرة المجتمع هذا ينتج عنه تهديدات أمنية داخلية غير محسوبة ، و خاصة اذا كانت البلد منقسمة قبليًأ أو عرقيًا أو دينيًا أو ايديولوجيًا ، و هنا يظهر النموذجين الليبي (كنموذج لتسليح مجتمع قبلي للمقاومة) و دول أفريقيا كنماذج لدولة تم تسليحها بطرق غير قانونية لبدء صراعات عرقية لم تنتهِ حتي الاّن.رابعًا الحركات التي نجحت بالسلاح تكون أقل ايمانًا بالديمقراطية من الحركات التي نجحت بالكفاح السلمي ؛ لأن الأولي مؤمنة بأن التغيير لا يتم الا بالسلاح أما الثانية فمؤمنة بأن التغيير يمكن احداثه بالتظاهر السلمي ، و قوة المجتمع المدني لا قوة العسكريين.و هذا يظهر جليًا في أن نتائج الانقلابات العسكرية أو الثورات المسلحة غالبًا يعقبها حكم ديكتاتوري ان لم يكن عسكري أما الثورات السلمية علي مر التاريخ فغالبًا ما يعقبها حكم ديمقراطي أو شبه ديمقراطي بدرجات متفاوتة ،و لكي لا نتحدث عن تاريخ طواه النسيان فالننظر الي الحالتين التونسية و الليبية ، الحالة التونسية مقبلة علي نظام ديمقراطي بدأ بالفعل يتشكل أما الحالة الليبية فهي علي أعتاب نظام يتبع مزاج عربي متخلف (المستبد العادل) ، و هي تعاني من أزمات قبلية مسلحة كانت أعظم و اّخر خسائرها ما يزيد عن السبعين قتيل.
أنا لا أنكر أن في كثير من الأحيان تكون المقاومة المسلحة خيارًا لا بديل له و تكون مشروعة و بطولة شريطة أن ترمي الي اسقاط العسكريين لا المدنيين العزل حتي لا تتحول الي ارهاب و حتي لا يصير المقاومون رعاديد. و لكني أؤمن أن المقاومة السلمية هي السبيل الأصوب الي اسقاط النظم الاحتلالية و الشمولية .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق