الثلاثاء، 29 مايو 2012
لماذا لا لشفيق؟ و لماذا لا لمرسي؟
( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة )
أولاً و قبل أي شيء أود أن أقول أنني لا أكتب هذا المقال رغبة مني في جعل القارئ/ة يأخذ/تأخذ أي موقف تجاه أحد المرشحين ، و لكن لأبين الأبعاد السلبية شبه الكاملة (كما أراها) لكل منهما .علمًا بأني قررت ابطال صوتي و عدم منحه لأي منهما ، و علمًا أيضًا بأني لا أريد لأي قارئ/ة أن يفعل/ تفعل مثلي، و لكن فقط أريد ممن يرشح/ ترشح أيًا منهما أن يدرك/ تدرك أبعاد اختياره جيدًا.
(لماذا لا لشفيق؟) :
بدون جدال لا طائل من ورائه حول فلولية شفيق ، و انتمائه للنظام السابق ، فشفيق –حتي و ان لم يكن فاسدًا-(و هو أمر للقضاء وحده تقريره) فهو كان ضلعًا في هذا النظام و تشرب طبيعته، و حتي كونه نموذج فريد حقق نهضة في نظام فاسد ، فقد حققها أيضًا بشوائب فساد ،لا تشوبه شخصيًا و لكن تشوب المؤسسة التي أحدث النهضة فيها( وزارة الطيران المدني) و هو بذلك علي أرض الواقع أرانا ماذا سيفعل ان صار رئيسًا سيحقق نهضة لمصر قوامها مرة أخري الفساد. كما أن علاقاته القوية برجال الأعمال تؤكد أن النهضة التي سيحدثها ستكون قائمة علي رجال الأعمال ، و التي ستجعل طبقتهم تغتني أكثر مقابل فقر السواد الأعظم من الشعب المصري.
كما أن شفيق علي علاقة وطيدة بأغلب رجال مبارك و علي رأسهم (عمرو سليمان) و بعودته سيجر علي الأقل مجموعة ذات ثقل معه مجددًا الي قلب الحياة السياسية المصرية ، و لا جدال علي أن هذا من معانيه عودة بعض أضلع نظام مبارك ثانية.
أما عن الديمقراطية و الحرية ، فشفيق أذكي من أن يتصدي لهما ، و لكنه سيقررهما كواجهة لنظام ديكتاتوري ذكي ، أذكي بمراحل من نظام مبارك الغبي. عندما قال شفيق أنه سيجلب للثوار( بونبون و شيكولاتة) لم يكن يمزح قدر ما كان يعبر عن منهجه تجاه فكرة الديمقراطية و المظاهرات منهج (فالنتركهم يصيحوا و لا نقمعهم حتي لايقووا بالقمع و يكسبوا تعاطفًا، و لكن نهملهم و نجعلهم يصيحوا في العراء بل و لو شاؤوا ندللهم بالبونبون و الشيكولاتة). انها ديكتاتورية ذكية بلا عنف و لكنها واحدة من أقوي صور الديكتاتورية ؛لأنها لا تمنح الثوار فرصة التعاطف الشعبي ، و قد يلجأ شفيق بذكاء الي الورقة التي أربحته حتي الاّن (الاستقرار و الأمن) ليظهر الثوار علي أنهم سبب عدم الأمن و بذلك يفقدهم الدعم الشعبي بل و يولد سخطًا ضدهم و بدون أي قطرة دم يسيطر بقبضة حديدية .و لا ننسي أيضًا أنه ربح بلعبة الخوف من الاسلاميين ، و قد يلعب هذه اللعبة مرارًا و تكرارًا (و هذه المرة أقوي ؛لأنه سينجح ضد مرشح اخواني ، و لأنه بالفعل سيكون مرشحوه صوب أعينهم الخطر الاخواني تحت القبة و الذي سيذكرهم دومًا بأفضال شفيق).
اني أري شفيقًا سيحدث نهضة في مصر حقيقية و سيزن وجود الاخوان بلاشك و لكنه سيعيد مصر لما قبل الثورة ببعض الاختلافات ، نظام مبارك جديد بنغيير بسيط في الملامح.رئيس الجمهورية مبارك ذكي و ناجح (لا غبي و فاشل) ، و مجلس شعب غير مزور في يد الاخوان ،و نهضة بغياب تام للعدالة الاجتماعية ، و ديمقراطية شكلية كاملة الأركان. و أنا لا أحتاج للحديث طويلاً عن مصر التي سيصنعها شفيق ؛لأننا كلنا نعرفها جيدًا و خبرناها و ثرنا عليها.انها مصر مبارك مرة اّخري و لكن ببعض الرطوش التجميلية مثل ديمقراطية صندوق الاقتراع (واجهة للديكتاتورية) و مزيد من حرية صح كما تشاء و أنا أفعل ما أشاء ،و بعض النهضة و التنمية الشكلية أيضًا التي لا تعود علي الفقراء بشيء سوي مزيدًا من الفقر.
ومن الناحية الأخري (لماذا لا لمرسي؟):
بداية يجب أن نضع نصب أعيننا أن مرسي لم ينتخب أو يترشح أصلاً ك (محمد مرسي)و لكن كمرشح الاخوان المسلمين ، و ما كان مرسي ليحصد جزًء ضئيلاً من الأصوات لو كان ترشح ك(محمد مرسي) ، فمرسي ليس كاريزما أصلاً ، و من ضمن أسباب حصوله علي أصوات أقل مما كان متوقع للجماعة ، هو أن الجماعة مازالت تتعامل بمنطق الانتخابات البرلمانية في الرئاسية ،و هو منطق طرح أي شخص كان و سينجح ،و هو منطق فعال في الانتخابات البرلمانية ، و لكنه يغفل طبيعة الشعب المصري الذي يفضل الرئيس القائد الكاريزما ،و هو ما لا تفضل الجماعة أبدًا توفيره في مرشحيها. بمعني اّخر ، فان أي دراسة لأبعاد وصول مرسي للرئاسة ، ليست دراسة لأبعاد تولي مرسي قدر ما هي دراسة لأبعاد وصول الاخوان كجماعة الي الرئاسة.
في حالة حصول الاخوان علي الرئاسة فسيمتلكون ببساطة كل شبر في الدولة ؛فهم مهيمنون علي البرلمان بمجلسيه (شعب و شوري) و النقابات كلها تقريبًا و الدستور و كثير من الاتحادات الطلابية و حتي النوادي الرياضية علاوة علي توغلهم في كل نواحي الدولة ، و ان حصلوا علي الرئاسة فسيضموا اّخر ضلعين الرئاسة و الحكومة بالتبعية .
ما المشكلة في ذلك ؟ لأجيب هذا السؤال سأطرح سؤالاً اّخرًا ، ما الذي صنع الحزب الوطني بشموليته و هيمنته و جرائمه؟ الحقيقة أن جزًء كبيرًا من جرائم و خطايا الحزب الوطني و ديكتاتوريته منبعها هيمنته علي كل أركان الدولة ( مجلسي الشعب و الشوري و الدستور و الحكومة و الرئاسة و بعض النقابات) . الهيمنة الكاملة لا تصنع سوي نظم مستبدة مجرمة حتي و لو جائت عن طريق الديمقراطية أو الثورة. و في التاريخ نري نموذج الثورات الاشتراكية في القرن الماضي هذه الثورات بدأت نقية (حتي في القرن الثامن عشر الثورة الفرنسية الدموية بدأت ديمقراطية نقية) و لكن كل هذه الثورات سرعانما تحولت الي نموذج ديكتاتوري شمولي مستبد مجرم و فاسد (لماذا؟) ليس الخطيئة هي خطيئة الثورات أو أحلام الديمقراطية أو الاشتراكية ، الخطيئة هي في السلطة المطلقة المتمثلة في الهيمنة علي كافة جوانب الدولة.
قد يجادل أحد بأن هذه الثورات أتت بانقلابات عسكرية لا عن طريق صندوق الانتخاب ، و لكن هتلر شخصيًا جاء هو و حزبه عن طريق صندوق الانتخاب. و لو كانت الحالة المصرية أفضل ؛لأننا لن نسمح لأحد كان أن يزور أي انتخابات قادمة ، و لدينا ديمقراطية و شفافية لا يمكن للاخوان أو أي كان سلبنا أياها بعد ثورة ، فهذا رأي صحيح ،و لكن حتي مع استمرار ديمقراطية الصندوق الشفاف هناك فرصة هيمنة ديكتاتورية من الاخوان. كيف ؟
ما الذي جعل الاخوان في ظل الديمقراطية الشفافة التي نحن فيها يصعدون للسلطة ؟ ببساطة عامل مهم و هو قوتهم في التنظيم التي جعلتهم يستطيعون تحقيق التصويت العائلي في الصعيد ( و هو ما يفسر تقدم مرسي في الصعيد) و هو أمر معتمد أيضًا علي أنشطة جماعة الاخوان الخيرية المتواجدة دائمًا ، فحتي نواب الاخوان يتميزون بكونهم نوابًا خدميين ، و لذلك فكثير منهم محبوبون في مناطقهم لا كسياسين و لكن ك(أصحاب واجب) كما يسميهم الشعب المصري. و هؤلاء الذين انتخبوهم بشكل عائلي سينتخبونهم مجددًا مهما فعلوا فهم لا يعنيهم أصلاً وعود انتخابية أو برنامج نهضة أو غيره ، كل ما يعنيهم أسطوانات البوتجاز و الخبز و الأمن والاستقرار ، و الاخوان بالفعل يوزعون البوتجاز و الخبز و يكونون لجانًا شعبيًا لحماية المناطق ، و كل ما سيحتاجه مرسي ليعاد انتخابه من هؤلاء البسطاء الفتات لهم و بعض الأمن.
و لنذكر أن ورقة الضغط المزعومة التي نفكر بها علي شفيق أو مرسي ان حنثوا بوعودهم أو طغوا لم تعد سارية ، فان كنا نظن أنه لو بغي شفيق أو مرسي و حاولوا فعل أي شيء يصنف (ديكتاتورية) سنلجأ الي الميدان و نسقطهم فهذا هراء. ورقة الميدان لم تعد سارية أو لمدة أربع سنوات علي الأقل ستكون بلا أي فاعلية بل ستؤدي لرد فعل معاكس.ما الذي جاء بشفيق مجددًا؟ ليس سبب مجيئه فقط هو محبته أو دعم الفلول له أو الادعاءات الساذجة بدعم الكنيسة ، و لكن السبب الأول بلا منازع هو رغبة المواطنين بكل مستوايتهم في (الاستقرار و الأمن) ، و هؤلاء الراغبين في الاستقرار و الأمن هم الأغلبية و هؤلاء لن يقبلوا مننا أن نلجأ الي الميدان مهما حدث و ان حاولنا اللجوء اليه فسينقلبوا ضدنا و قد يروننا نحن المخلين بالاستقرار و الأمن ، و حينذاك سنكون المرفوضين من الجميع لا الرئيس المنتخب. و لا يجب أن تأخذنا الحماسة فنقول أن البسطاء ثاروا ضد مبارك في 25 يناير ، فلديهم وعي و سيثوروا ضد سواه. هذا للأسف لن يحدث؛ ففي المرة الماضية لم يكن هؤلاء البسطاء يعرفون معني( عدم الاستقرار) و لم يتخيلوا أنهم سيجعل أغلبهم (العمالة اليومية) بلا عمل أو طعام ، و لكن عندما رأوا الاّن معني غياب الأمن و الاستقرار فانهم لن يدعمونا بل قد يفتكوا بنا ان وجدونا نقف ضد هذين العاملين.
و هذه المرة لا يمكننا التحجج بالديكتاتورية ، فبالنسبة للغالبية مرسي أو شفيق جاؤوا عن طريق صناديق الاقتراع، و وقوفنا ضدهم أو ضد سياساتهم بالتظاهر سيكون كفرًا بالديمقراطية لدي الكثيرين الذين هم أصلاً لا تعنيهم الديمقراطية في شيء . باختصار اعطاء الصوت لمرسي أو شفيق لا يجب أن تكون ضمانته أبدًا اللجوء الي الميدان في حالة الحنث بالوعود ؛لأن هذا باختصار سيكون ضدنا نحن لا ضده.
وأعود لمرسي ثانية بالخصوص. هناك من يعتقد أن في تولي مرسي و تحته حمدين و أبو الفتوح توازن ، و ضمان لعدم بسط الاخوان لنفوذها، لكن أعذروني هذا قصر نظر. لا يوجد شيء اسمه ثلاثة من ثلاثة انتماءات مختلفة يديروا دولة أو يوازنوا نفوذ بعض ،الرئاسة ليست كالحكومة ، فقد تكون هناك حكومات ائتلافية ( و بالمناسبة لا توجد حكومة ائتلافية قوية أو دائمة بل تقريبًا كل الحكومات الائتلافية ضعيفة و تسقط بسرعة منقطعة النظير) ، و لكن لا توجد فكرة رئاسة ائتلافية أو موزعة اطلاقًا ، و ان كنا نريد التجربة الرائدة ، فعلينا قبل التجربة عرض النتائج المتوقعة. النتيجة الأولي هي التصادم بين الثلاثة ، النتيجة الثانية عدم وجود دور لأي من الثلاثة عدا مرسي و كون الباقيين مجرد واجهة لتوافق وطني شكلي.النتيجة الثالثة شبه المستحيلة التي لا توجد الا في القصص الخيالية الرومانسية التوازن بين القوي السياسية.
أما لما يستطيع فعله الاخوان بعد الهيمنةعلي مصر، فلن أقول كلامًا فارغًا مثل سيفرضوا الحدود الاسلامية أو سيمنعوا النساء من السير بدون حجاب أو أي أمور تبدو ثانوية أخري. و لكني سأقول أنهم سيخلقوا فسادًا و ديكتاتورية من نوع جديد ،فلا يوجد في العالم ، و علي مر التاريخ تيار سياسي هيمن علي الحياة السياسية و توغل أيضًا في الحياة الاجتماعية و لم يصر ديكتاتورًا أو فاسدًا ؛ هذا ما لم و لن يحدث.فلا يوجد ملائكة يحكمون هناك بشر ، و حتي القديسين ان منحوا سلطة كاملة يفسدوا و يفسدوا. و لا ننسي أن الاخوان قوامها رجال أعمال اسلاميين ، و هي جماعة رأسمالية بكل المقاييس.عندما تحدث الهيمنة يحدث الفساد و الشمولية ، و لا يستطيع أحد أن تكون معارضته فعالة ؛لأنه لا يملك قوة سياسية.و نحن من نسمي (الثوار) يجب أن نتذكر أننا لا نملك سلطة حقيقية أمام الاخوان أو حتي شفيق فنحن تمثيلنا ضعيف للغاية داخل مجلسي الشعب و الشوري ، و نحن غير متواجدين تقريبًا في النقابات و نحن سنكون الطرف الأضعف في وضع الدستور ، و نحن لم نصل الي الرئاسة و بالتبعية لن نصل الي الحكومة ، و أهم شيء أن قوتنا الوحيدة المرتكزين عليها (الشارع) تقريبًا كله ضدنا و سيتصدي لنا بعنف ان فكرنا في اللجوء الي التظاهر ثانية.أي أن أي معارضة منا لنفوذ الجماعة لن تكون مجدية عندما يصير كل شيء تحت قبضتها.
كل هذا و أنا أغفل تمامًا طوال المقال الشق الديني للجماعة، و الذي قد يستخدم أداة أخري ضدنا ،فقد لا نصير فقط مهددي الاستقرار و الأمن ان تصدينا لها ، أو كفارًا بالديمقراطية التي أتت بها ، و لكن قد نصير أيضًا كفارًا بالدين. و لنا في الثورة الايرانية أسوة خبيثة.و بالمناسبة الثورة الايرانية لم تكن اسلامية أصلاً و لكنها بدأت بفتيات و شباب يساريين! وان كانت حالتنا مختلفة جدًا عن ايران فمن شبه المستحيل أن تفقد الجماعة صوابها و تحاول التنكيل المباشر بنا و لكن يكفينا انقلاب الشارع علينا كمهددي استقرار و أمن و كفار بالديمقراطية و أخيرًا الدين.
و هذا لا يعني أن شفيق لن يستطيع هو الاّخر فعل الشيء نفسه ،فشفيق ذكي بما يكفي ليعرف كيف يستغل ورقة الأمن و الاستقرار ليجعل الغالبية تمقتنا و لا تدعمنا و لكي لا نستطيع التصدي له (كما ذكرت سالفًا).و ان صعد فستعود اللعبة الذكية التي لعبت بدون مهارة قبل الثورة و هي تقسيم البلاد بين نموذجين يجعلنا كل نموذج نخشي الاّخر نموذج شفيق في الرئاسة و نموذج الاخوان في مجلس الشعب. و الاخوان برجماتيون و سيعرفون كيف يتصرفون و يستغلون الوضع الجديد، بتوازن قوي مع شفيق ،حتي ولو علي حساب الثورة التي يستغلونها الاّن في الحشد لصالح مرشحهم.
أعتذر ان كان هذا المقال قد سبب بلبلة لدي القارئ/ة و جعله/ جعلها تضيع و لا يعرف /تعرف الخيار الأصوب و لكني أردت أن أعرض كل الزوايا التي استطيع رؤيتها للنوائب التي ستحط علينا بعد اختيار أي من المرشحين .أنا لا أريد من أحد أن يأخذ/تأخذ قراري بابطال الصوت ، و لكني فقط أريد من القارئ/ة أن يكون /تكون ملمًا/ة بكل جوانب اختياره/ا كما اسعفتني رؤيتي.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق