الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

واحد لا نعرفه

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ). "وديع وهبي جرجس" أعلم أنكم لا تعرفوه ، أنا أصلاً لا أعرفه،لا أحد يعرفه،و غالبًا لن يعرفه أحد.من أصلاً فينا يعرف أي شيء يمت للعلم بصلة الا بعد قضائه للنحب.نحن لم نعرف المجمع العلمي رغم أنه في قلب عاصمتنا الا عندما احترق .لا، نحن لم نعرف المجمع العلمي حتي الاّن ، نحن سمعنا عنه عندما احترق.كما أننا لن نعرف "وديع وهبي جرجس" و سنسمع عنه فقط الاّن و ننساه بعد ساعاتِ بل ربما دقائق . سنسمع عنه ان طالعنا صحيفة " المصري اليوم" ، سنسمع عنه ان قرأنا المستطيل الصغير الأصفر الذي يحوي صورته.المستطيل المحشور من الاتجاهات الأربع بأخبار وزير النقل و المظاهرات ضد مرسي و مقتل سلفي و مسجل خطر في مشاجرة و مواد الصحافة في الدستور الجديد.المستطيل الذي يشبه النقطة الصغيرة المركزية التي لا تكاد تلاحظ وسط الدائرة.المستطيل الذي لا يزيد طوله عن 8.5 سنيمتر و عرضه عن 6.5 سنتيمتر.المستطيل الأصغر تقريبًا في كل مستطيلات الجريدة. لا يجب أن نستغرب أنصورته و خبره في هذا المستطيل الصغير ، بل الأحري بنا أن نتعجب من أن خبرًا عنه قد نشر أصلاً.من هو لينشر عنه أصلاً ؟ من هو ؟ هل هو لاعب كرة ؟ هل هو فنان ؟ هل هو وزير ؟ هل هو منتمِ لجماعة ؟ هل هو واحد من الجهلة الذين دخلوا البرلمان تحت غطاء حزب ؟ هل هو مجرم خطير ؟ هل هو جزء من الجيش أو الشرطة ؟ بالقطع لا ، انه لا يرقي أن يكون أيًا من هؤلاء لينشر له خبر في جريدة حتي و ان كان لا يري بالعين المجردة.انه عالم ذرة. قطعًا لا يستحق. هو لم يختر المهنة اللائقة ، و لا الدولة المناسبة. لم يختر أن يكون أيًا من السابقين ، و في ذات الوقت لم يختر أن يرحل مثل كثيرين سواه الي الدولة التي تقدره و يستحقها . الأحمق – كما سنقول جميعًا عنه- اّثر أن يبقي في بلده التي أحب بصدق . الأحمق فضل أن يموت كل يوم من التجافل و الاهمال بل و الاحتقار أحيانًا علي أن يحيا داخل جنان و هو مقدس خارج بلده.الأحمق لم يسر خلف قلبه فقط ليبقي في وطن ازدري به و حقر بل أيضًا سار وراءه ليختار أن يصير استاذ ذرة و لم يذهب ليكون طبيبًا أو مهندسًا خريج كلية قمة و له مستقبل . الأحمق اختار أن يبقي وسط دولة و ناس لا يعرفونه و لن يعرفونه أبدًا ، و لن يساوي عندهم مهما فعل لاعب كرة شهيرًا أو فنانًا هابطًا أو سياسيًا كاذبًا أو تاجر دين ماهرًا. أحمق ؛لأنه اختار أن يكون داخل دولة يتاجر فيها السياسيون باسم العلم و الأحلام البراقة للتقدم و هم يقدرون الرياضيين أكثر من العلماء.أحمق؛ لأنه في دولة يتشدق فيها المواطنون بأهمية العلم لنهزم الأعداء و هم يرفضون عريسًا لبناتهم خريج كلية غير لائقة اسمها –لا مؤاّخذة- "علوم".أحمق ؛لأنه لم يكن مثل الأغلبية أنانيًا و لم يجمع حقيبته و يهاجر بلا عودة ، و يهجر كل هؤلاء ، لسياسيين يقدرون فعلاً العلم و العلماء لا يتشدقون فقط بذلك ، و لشعب يعرف حقًا قيمة كل أبنائه في كل مجال و كل علم . أحمق ؛لأنه بقي في دولة ترمي أعداءها بالتاّمر و اغتيال علمائها ، الذين للغرابة يطعنون كل يوم اّلاف الطعنات من التحقير و الازدراء و الاهمال بيدها هي و يد كل مسؤوليها و أغلب مواطنيها. و مع كل ذلك أنا لا أراه أحمقًا ،ربما ؛لأنني احترم الحمقي و أتمني أن أكون منهم ! و لكن يبقي سؤال صغير ملح ، لماذا أخيرًا جنت صحيفة و تفضلت بجود و عطاء تشكر عليهما بنشر خبرِ صغير عنه برفقة صورته ؟ لماذا يا تري كل هذا الكرم ؟ الاجابة تجدونها في الخبر الخاطف ، فقد مات د.وديع بجوار شريط سكة حديد .صدمه قطار أثناء عبوره ، و لم يكتشف أحد جثته الا بعد أربعة أيام . عثر عليها الأهالي متعفة و لكن في كامل ثيابها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق