( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
في مقالي السابق تحدثت عن قدسية القانون و لكن لم أكن
أعرف أنني بعد كتابته بأيامِ معدودات سأخوض في جدالٍ شرس مع عمي الذي أفطر معه
لأول مرة في حياتي ( لم أكن قد قابلته قبلها سوي مرة واحدة قصيرة) بسبب ايمان عمي
و كثيرين غيره أن القانون ان لم ينل به الأفراد حقوقهم ، فهذا يخولهم تخطيه و كسر
الدولة و أخذ حقوقهم بأيديهم . كان عمي داعمًا و بشدة للجريمة الشنعاء التي حدثت
بالغربية عندما قتل أهالي قرية عائلة من البلطجية و توزعت دماؤهم بين الأهالي و لم
يستطع الأمن فعل شيء. حينها أدركت أن السبيل ليس مسفلتًا أمامنا لنؤمن حقًَا بمعني
(قدسية القانون ) و ضرورة عدم تجاوز الدولة حتي ضد المجرمين ، و الاّن أكتب
بالمنطق لأقنع القارئ/ة بالأسباب التي تجعل من تقديس القانون حماية لكل فرد في
الدولة.
سأكون
منصفة منذ أول كلمة و سأعترف بأن الدولة
في مصر تتداعي .سأقر بأن القانون لم يعد يطبق بحزم.سأكون صريحة و أقول بأن القضاء
في مصر رغم أنه من أنزه ساحات القضاء في العالم ،لكنه لا يعيد الحق دائمًا الي
أصحابه ؛لأن هناك محامين يتفننون في ايجاد الثغرات التي ينقذون بها أعتي المجرمين
من الجزاء الذي يستحقونه باقتدار. و لن استطيع انكار أن البلطجة في مصر صارت دولة
داخل الدولة .كل هذه حقائق لا استطيع التملص منها أو مجرد الادعاء بأنها ليست
الحقيقة ، و لكن هذا كله لا يعني و لا يبرر أبدًا أن نكون شركاء في اسقاط الدولة.
عندما يلجأ
أي شخص لأخذ حقه بذراعه فانه/ا يشارك/تشارك في قيادة مصر الي طريق الصومال.الدولة
تتهاوي عندما يصير القانون مهزأ و لا قيمة له في اعادة حقوق المواطنات و المواطنين
.عندما يصير الجميع مؤمنين أنه يجب أن يتخلصوا من المجرمين بالجريمة لا بالقانون.
احترام القانون هو العماد الرئيسي لبنيان الدولة ، و عندما يتصدع هذا العماد
تتهاوي الدولة علي رؤوس الشعب. اذا قرأت/ي عن أي بلد مثل الصومال ستجد/ي أن الصراط
المستقيم الذي سلكته للانهيار هو هدم الدولة بكسر القانون.ستجد/ي أن ما جعل الدولة
تتلاشي هو أن كل فرد أو جماعة قررت أن تكون هي الدولة و أعرافها هي القانون ، و أن
تتطبق أعرافها/ قوانينها بالقوة ضاربة عرض الحائط بالدولة و القانون الحقيقييين.
ما
الفرق بين الدولة الحضارية و الدولة القبلية ؟ ما الفرق بين الدولة المعاصرة و عصر
انسان الغابة ؟ الفرق الرئيسي هو ( الدولة ) و أساسها الصلد ( القانون ).الدولة
القبلية –التي نعود للخلف نحوها الاّن- معتمدة كلية علي الأعراف و التقاليد محل (
القانون ) و قوة القبيلة محل قوة ( الدولة ) ، الدولة القبلية يحكم فيها العرف علي
المجرمين و ينفذ الحكم الأغلبية بقوة القبيلة ،هذه الدولة القبلية – ان صح أصلاً
لقب الدولة عليها- هي العصر السابق لقيام الحضارة و الذي بالمناسبة تجاوزناه –من
المفترض أننا تجاوزناه- منذ ما يربو علي خمسة اّلاف عام قبل عصر الأسرات
الفرعونية! عندما نتأمل الدول المتقدمة سنجد أن المادة الأولي في ميثاق نهضتها هي
( قدسية القانون ) الذي يطبق بحزم علي الجميع بلا استثناء و الذي يعتبر الخروج عنه
حتي لتحقيق ( العدالة )المزعزمة أو القصاص جرم لا يغتفر.
ان كنا
نريد أن نصير الصومال أو نصل بكل فخر لعصر
ما قبل الأسرات أو أن نتحول كلنا الي نسخ مستنسخة ل (انسان الغابة ) هيا بنا ، و
لكن لنعلم أن العدالة التي ننشدها و القصاص الذي نتشدق به لن يتجليا أبدًا ؛لأننا
حينها سنكون وسط الغابة – بالمعني الحرفي للكلمة- و هناك لن يحكمنا الا الأقوي لا
صاحب العدل و لا صاحب الحق كما ندعي ، أما الضعفاء و هم الأغلبية فلن يتمكنوا من
الاعتراض أو الامتعاض حتي ؛فان كان في الدولة حق للضعفاء ،ففي الغابة لا حق الا
للأقوياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق