الثلاثاء، 8 يناير 2013

قبل فوات الأوان


     ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

     لست إنسانة نموذجية ، لست بريئة ، لست صافية ، بل إني مليئة بالذنوب و الخطايا.و لكن كل ذنب ارتكبت علمني درسًا.و اليوم أكتب عن درس بليغٍ عصيبٍ تعلمته ، علًَ هذا الدرس يعلم أحدًا ألا يخطأ خطأي.
         كان لي جد ، طيب حنون يحبني أكثر من أي شيء في الدنيا أكثر من كل أبنائه ، أكثر من جدتي التي عشقها فعلاً ،و أكثر من ابنه الوحيد الذكر الذي اّثره طوال حياته علي الأنثيين و الذي أحبه دومًا بغيرة أب له ابن وحيد .أحبني بصدقٍ كأنني ابنته الوحيدة التي أنجبها و هو في العقد السادس من العمر بعد أن نضج و ذهبت عنه حمية الشباب و تعلم من أخطائه في أبنائه.أحبني أكثر من ما يحب الأب أبناءه.
        منذ كنت صغيرة و كان بجواري دائمًا.و أنا في اختبار دخول حضانة المدرسة و لم أزل في الرابعة ، كان معي ، عندما كنت أسبح و أنا صغيرة حتي السابعة كان يرافقني و يدخل بي البحر.كنت دائمًا أجد إجابة كل أسئلتي في المدرسة أو عنده. حتي أيام  دراستي الإبتدائية كان يعطيني مسائل حسابية صعبة عليَ حتي أتدرب عليها.كنت أتحدث عنه للجميع ، حتي أنه عندما قابل مدرس الحساب ، أخذ المدرس يحكي له كيف أني دائمًا أتحدث عنه.لم أكن أحكي عن أمي و لا عن أبي ، كنت أحكي عنه فقط.
         عندما كبرت قليلاً كنت دائمًَا أتحدث إليه ، أسمع منه رأيه في كل ما لا أعرف.كان جزًء من عقلي في مرحلة ما.كان كبيرًا جدًا و ناضجًا و عاقلاً كما هو دائمًا و كنت أنا صغيرة أتكون أنا و عقلي.عندما بدأت أكتب ، كان يقرأ لي قليلاً ، و لكنني بدأت ابتعدت عنه رويدًا رويدًا كلما كبرت بدون أن أشعر.
           كنت أبعد ؛لأن عالمي يختلف ، يتبدل ، و الأهم أنني كنت أتغير.لم أعد الطفلة البريئة المحبة لجدها التي تستقي منه الفكر و المنطق و وجهة النظر.صرت عقلاً مستقلاً متمردًا لا عاطفة فيه و لا قلب ،عقلاً أجوف متكبرًا .صرت متمردةً لي رأي خاص بي ، أراء جوفاء خرقاء جافة، ربما منطقية و لكنها بلا عاطفة . و صارت لي مبادئ خاصة بي مبادئ هي الأخري جافة بلا عواطف ، قاسية أقسي من الحجر.صار لي كبرياء تصنعه المباديء و الأفكار.
          جرحته بهذا الفكر.جرحته بهذا الكبرياء .طعنته بهذه المبادئ.وجدتني أصيح فيه في لحظة :" أنتَ إنسان بلا مبادئ و لا شرف". الإنسان الذي رباني ، الذي أحبني أكثر من أي شيء و لم يحبني أكثر منه عدا أمي ، الإنسان الذي كان مستعدًا ليعطيني أي شيء أريد ، الإنسان الذي سامح لي كل كلمة قاسية قلتها له ، و تغاضي عن كبريائي و جفائي و أنانيتي ، أطعنه بهذه الطريقة ؟
           طعنته لأجل مبادئ و كبريائي . طعنته عندما طلب مني أن أفعل شيئًا –قد ينظر إليه علي أنه تافه و يفعله الجميع- و لكنه ضد مبادئي و شرفي و كبريائي.هذه لم تكن المرة الوحيدة التي طعنته فيها ، ففي السنتين الماضيتين عندما صار لي فكر و مبادئ اخترتها بعقلي الأصم المتصلب الذي يتبع المنطق و المنطق و حسب ، صرت عاصية للجميع ، قاسية علي الجميع حتي أكثر الناس حبًا لي .هذا كله لأجل كبريائي. هذا كله ؛لأنني اخترت أن أسير علي مبادئي الجافة و عقلي الحجري القاسيان حتي و إن خسرت الجميع.
            كل مرة كنت أجادل فيها جدي كنت أطعنه.لم تمر فترة طويلة حتي غدت حياته كلها بكائي و صراخي و طعناتي. كان يريدني أن أسعد و أسعده ، و لكني كنت أبكي و أحزنه. كان يريدني عاقلة هادئة مطيعة مريحة ، و لكني كنت كتمردة متكبرة عاصية صعبة المراس.
           و لأضف أيضًا أنانيتي. أنانيتي التي لم تتبدَ فقط في تمسكي بكبريائي و مبادئي حتي علي حسابه هو و مشاعره ، و مشاعر كل من حولي ، بل أيضًا في أبسط الأمور. كنت مدللة ، أخذت أبكي و أصيح في جدي ، كلما رفض أن يتركني أسافر مع أمي في الإجازة إن لم يرافقنا ، و هو أيضًا لا يستطيع مرافقتنا ؛لأنه يتعب و يكره السفر الذي يعد له مشقة لا متعة.و كان يضطر في النهاية  أن يتركنا نسافر و يتعذب ببعدي أو  يرافقنا و يتعذب بمشقة السفر ، و مع كل ذلك العذاب الذي بت أسببه له بأنانيتي كنت أصيح فيه و أغضب منه و أحيانًا أكرهه ؛لأني أشعر أنه يتملكني بحبه الزائد لي ؛ حيث يكلمني كثيرًا حتي و أنا مع أصدقائي أو في المدرسة.
             كنت مراهقة غبية متمردة غاضبة تتوق للتحرر من حبال الحب و التملك و فوق ذلك كله بلا قلب . كنت أصيح فيه و أطعنه و أغضب منه و أكرهه لحبه و لتعلقه بي الخانق .
                كل هذا مر و في لحظة رأيت جدي يرحل.كان يرحل ببطء و أنا بجواره أندم علي قليلٍ مما فعلته له. كان يرحل أمامي و أنا أتمني أن يعود لعلي أصلح أخطائي ، و عندما عاد لفترة مؤقتة لاختبر فيها نفسي ، وجدتني أحنث بما أدعيت أو ظننت أنني سأفعل ، و عدت كما كنت مغرورة متكبرة متمردة أنانية قاسية بلا قلب، و لكن هذه المرة عدت أسوأ عدت باردة كجليد القطبين و لكن لا يسيحني حتي الاحتباس الحراري.عدت لا أهتم بما يحدث لجدي ، عدت لا أعطي بالاً له أعامله بما يقتضي الواجب أو أقل و لكن لا يفرق معي في شيء.
              و رحل.
          الرحيل هنا ليس بالجسد و لكنه بالعقل ، لقد كان عقل جدي يتاّكل بالتدريج يذهب و يعود ، و كانت تلك فرصي الأخيرة التي اخترت بقسوتي و جفائي و أنانيتي و كبريائي ألا اغتنمها، و الاّن لا فرص لي.
           الاّن رحل جدي تمامًا ما بقي منه جسد بقلبٍ و لكن بلا عقل.لن أكذب علي نفسي ، فأنا أعلم قبل الجميع أنه إن عاد- و هذا مستحيل- سأكون كما أنا فداخلي الجفي لم يتغير. لن أخدع نفسي و أقول أني نادمة تمامًا و لكني أعلم أني مثقلة بالذنب.  لن أحاول أن اعتذر له الاّن عن كل ما مضي ، و عن كل ما أقترفته ضده فحتي و إن فعلت سأكون كاذبة ؛ فهو لن يذكر حتي عما أتحدث ، لذلك سيسامحني علي ما لا يعرف.
          ألمي الحقيقي هو أنه رحل قبل أن استطيع أن اعتذر له علي ما فعلته له ، رحل قبل أن أخبره بكم أنا أشعر بالدين له ،رحل قبل أن أخبره بعلمي بحبه لي ، رحل قبل أن أخبره بأني أحبه بصدق و أنني اعترف بخطئي ، بسوئي ، بكم أنا متكبرة و قاسي و أدعي المبادئ الصماء و أنا ا أعرف فعلاً ما هي ، ما معناها الحقيقي. رحل قبل أن أخبره و قبل أن اعتذر له. قبل أن أفعل له أي شيء ، قبل أن أعطيه أي شيء كما أعطاني كل شيء يملك.
          لا أدري إن كنت سأتعلم الدرس أم لا ، لا أدري إن كنت ساستطيع ذات يوم أن أتوب من كبريائي و مبادئي أم لا ، لا أدري إن كنت سأكرر خطئي مع اّخرين و يرحلوا قبل أن أخبرهم بكم أحبهم و كم أنا مدينة لهم أم لا .و لكني درسي أخبره لنفسي و لكم ، ربما تحتناجونه قبل فوات الأوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق