(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
لماذا يكره أغلب نشئنا (التاريخ)؟ لماذا لا يعرف أكثرهم أبسط الحقائق و الشخصيات التاريخية رغم أن كثيراً منهم حصدوا درجات نهائية في مادة (التاريخ ) في سنوات دراستهم ؟ أعتقد أن تراجع الثقافة التاريخية الوطنية لدي شعبنا يعود جزء ضخم منه لخطايا تدريس مادة (التاريخ) بمصر التي تقتل الفكر النقدي ، و تحول التاريخ من مادة تعتمد علي الفكر و التحليل الي مادة تلقين .
أول خطايانا هي تكديس مناهج التاريخ ، لا توجد حضارة بشرية تملك تاريخاًَ بضخامة و تنوع التاريخ المصري، حتي الصين التي يطول عمرها عن عمر الحضارة المصرية لا تشهد هذا التنوع الفريد.التاريخ المصري يتميز بأنه يدمج بين حضارة ما قبل التاريخ و الحضارة الفرعونية و القبطية و الرومانية و اليونانية و الاسلامية و الحديثة ، و أنه ممتد علي ما يزيد عن 12000 عام ، منها 7000 اّلاف عام مؤرخة بالكتابة.و هذا يجعل كم التاريخ المصري يكفي ليحتل أرفف مئات المكتبات . نحن ندرس التاريخ المصري كله للطلاب في ثلاث سنين ، مرة بدون توسع في الصفوف الابتدائية ، و مرة بتوسع أكبر في الصفوف الاعدادية ،و مرة بالكيلو في الصفوف الثانوية. أعتقد أنه سيكون من الأفضل لو وزع التاريخ علي سنوات الدراسة الاثني عشر ، أو لو وجدنا طريقة أرحم لتخفيف حجم الحشو في مناهجه و الحفظ الذي لا قيمة له ، كحفظ مواد اتفاقية (كامب ديقيد) كاملة .
ثاني خطايانا هو تدريس التاريخ بنظرية (لو) . أكبر المؤرخين يرفضون هذا الحرف ، و يعتبرونه بلا قيمة في التاريخ ، لا يجوز أن ندرس للطلاب التاريخ و نسألهم ( ماذا يحدث لو؟) ، لا يمكن الجزم أبداً في التاريخ في أحداث لم تحدث أصلاًَ. ما معني سؤال مثل ، (ماذا يحدث لو لم يكن عبدالناصر ديكتاتوراً و لم يكن لديه مراكز قوي ؟) هل الاجابة الصحيحة أن هزيمة 1967 لم تكن لتحدث ، هذا هراء ؛لأنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ بشيء مثل هذا ، و لكن للأسف سؤال رئيسي للطلاب الداسين لمادة التاريخ هو (ماذا يحدث لو؟)
ثالثاً و هو أعظم خطايانا في تدريس مادة التاريخ هو تدريسها من زاوية واحدة ، هذه خطيئة لا تغتفر ، انها التدمير الحقيقي لعقلية الطلاب و التزوير –مع سبق الاصرار و الترصد- للتاريخ. نحن نجعل الشخصيات التاريخية شخصيات كرتونية تناسب أطفالاً لم يصلوا الي السابعة (لا ترقي لشخصيات الرسوم المتحركة للمراهقين حتي) ؛لأننا نجعلهم اما طيبين و أخياراً يقاومون الأشرار و اما أشراراً و شياطين لا خير داخلهم. لماذا مثلاً في ذكر (مصطفي كامل) يذكر الجانب اللامع منه بأنه زعيم وطني مغوار ، و تهمل حقيقة أنه كان متناقضاً يؤمن بالحرية و يرفض تحرير المرأة ، يؤمن بالاستقلال عن الاحتلال الانجليزي و يصر علي التبعية للاحتلال العثماني في عباءة الاسلام ، و لم يؤمن بالاستقلال عن الدولة العثمانية الا في أواخر عمره القصير.
لماذا يدرس (اسماعيل صدقي) علي أنه عميل للانجليز و ديكتاتور لا ينتمي لمصر ، و تجفل حقيقة أنه علي المستوي الداخلي أقام مشروعات ذات أهمية كبري تخدم مصر و ساعد ( مصطفي مشرفة) في مشروعه التنويري العلمي؟ لماذا ندرس (تحتمس الثالث) علي أنه القائد الفاتح نابيلون الشرق و لا نشير حتي لطمسه لاّثار حتشبسوت ، التي بدورها ندرسها علي أنها حاكمة عظيمة و سياسية ماهرة و نغفل حقيقة أنها قائدة عسكرية عاجزة و استخدمت الدين لخداع الشعب و جعله يقتنع بها ؟
و المصيبة أننا لا نكتفي بتحويل الشخصيات التاريخية لشخصيات كرتونية و ندرسهم من زاوية واحدة هي رأينا الشخصي متعمدين طمس المعالم الاّخري لشخصياتهم و انجازاتهم بل نتمادي ، لتدريس الانجازات الحدلية من وجهة نظرنا ، و بدون منح الطالب/ة الحق في ابداء رأيه/ا فيها.مثلاًَ نحن عندما نذكر تأميمات الستينات ل(عبد الناصر) نذكرها كانجازات و قد يراها الطالب/ة جرائم ، و عندما نكتب عن (كامب ديفيد) نجعلها سلاماً لا مختلف عليه ، مع أن الطالب/ة قد يكون رأيه/ا أنها وثيقة استسلام لا سلام و قد يكون ضد مفهوم السلام مع اسرائيل، و عندما ندرس ثورة 25 يناير أظننا سنفرض علي الطالب/ة الانحياز لها حتي و ان كانت في عينيه/ا جلب الخراب لمصر.
و عندما كانت خطاب وزيرة للأمومة و الطفولة في عصر مبارك أعلنت دراسة عن خطيئة بشعة لتدريسنا بل لنظرتنا للتاريخ ، فنحن ندرس التاريخ من عصر الفراعنة لعصرنا ، من منظور أنه تاريخ الحكام و الزعماء لا الشعب. حتي ثورة 1919 التي هي نموذج حي لوعي و تاريخ الشعب تحولت الي ثورة بزعامة ( سعد زغلول) بل تحول (سعد زغلول ) الي الثورة.
أعتقد أنه اّن الأوان أن نفيق من سباتنا العميق قبل أن نجد ما تبقي من تاريخ وطني في عقول نشئنا قد تبخر ، و قبل أن نجد أنفسنا حولناهم جميعاً الي عقول ملقنة لا تقدر علي النقد ، و منافقين يكتبون لنا التاريخ ليس من وجهة نظرهم انما من أعيننا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق