السبت، 31 مارس 2012

نسبية القيم

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

ما من شيء مطلق في الحياة بدون استثناءات ، كل الأفكار في الحياة نسبية قابلة للتغيير طبقاً للمعطيات المحيطة بها.ربما تكون الفكرة الوحيدة المطلقة هي العقيدة الدينية و لكن بعد كثير من التفكير الجدلي النقدي فيها. حتي القيم نسبية خاضعة لظروف محيطة ، و حتي نسبية القيم غير مطلقة.
أعلم أن مقدمتي معقدة بعض الشيء و لكني سأشرح ما أعنيه بالتدريج. فالنأخذ فكرة كالقتل . هل القتل صواب؟ القتل جريمة شنعاء ، فهي بجوار كونها سلباً لروح ؛فهي اعتداء علي حق الله-عز و جل – في تقرير متي و كيف تنتهي الحياة. و رغم ذلك فجرم القتل نسبي، ففي الحرب القتل يتحول لبطولة (هذه الفكرة تنبهت لها في كتاب (كتاب مالوش اسم) ) و كانت بداية تفكيري الجدي في نسبية القيم. مثال اّخر هو الكذب ، الكذب خطأ بشع و لكن علي العدو مباح .الخيانة أشنع خطيئة عرفتها البشرية ، و لكن لو كان مثلاً لي صديق خائن لوطنه ، سأخونه و أعمل ضده حتي يسقط ، خيانتي له ستكون بطولة!التسامح أرقي الفضائل ، و لكن التسامح من القانون مع المجرمين يؤدي بالوطن الي الفوضي .الأمومة أعلي درجات الحب و التضحية ، و الأم التي تحمي ابنها أو ابنتها علي حساب العدالة و القيم تتحول أمومتها الي عاطفة مسمومة. التعاون و التكافل هما بناء المجتمع المثالي و لكن التعاون في الجريمة يجعلها أذم مما هي.الشجاعة هي قمة الفروسية و لكن الشجاعة التي لا مردود من ورائها ، و تعرض الجميع للهلاك هي التهور.
هناك عشرات بل مئات النماذج في الحياة لقيم تتحول لخطايا و خطايا تتحول لقمة النبل طبقاً للظروف المحيطة بها؛ لأن المثل ليست مطلقة و كذلك الخطايا. و لكن حتي نسبية القيم و الخطايا لها حدود. مثلاً قلت أن القتل في الحرب بطولة ، و لكن هل قتل الضعفاء في الحرب بطولة ؟ بل هي منتهي الوضاعة. هل قتل النساء في الحرب بطولة ؟ الاجابة المعتادة "لا " ، و لكن هذا يرتبط بقوة النساء ، المرأة المقاتلة القوية قتلها بطولة ، و لكن المرأة العزلي الضعيفة قتلها هو أعتي صور الجبن. الكذب علي العدو مباح ، و لكن هل الكذب علي العدو في العهود و المواثيق لا غبار عليه ؟ بل هو نقض للعهد ، و تلويث للشرف. التسامح مع المجرمين يولد الفوضي ، و لكن في بعض الحالات العدالة تقتضي من القاضي التخفيف من العقوبة أحياناً رأفة بالمتهم. الشجاعة التي تعرض الجميع للهلاك و هي تهور قد تصير بطولة تحت ظرف معين .
أخيراً سأختار نموذجاً سياسياً واضحاً لنسبية القيم و نسبية نسبية القيم. هناك من يؤمن أن الجيش –مثلاً- في توقيتات الحروب هو حامي الوطن و حارسه و لذلك لو حدثت مجاعة أو نقص مؤن في وقت الحرب ، فيمكن التضحية بالشعب الأعزل الذي لايملك القوة ليصير من الجيش و تقديم أغلب المؤن و الغذاء للجيش لضمان انقاذ البلاد في الحرب ، حتي و لو علي حساب موت ملايين من الشعب جوعاً. و هناك دول فعلت بالفعل ذلك في أوقات حروبها علي مر التاريخ ، و هناك كثيرون يؤمنون فعلاً أن هذا هو الصواب ؛لأن الجيش ان لم توفر له أسباب البقاء سيسقط الوطن كله ، فلا مشكلة من التضحية بقيمة العدالة (و هي أيضاً نسبية ) في سبيل ضمان الأمن و نجاة الغالبية و الوطن في الظروف الاستثنائية كالحروب. و لكني أري أنه رغم نسبية فكرة العدالة ، و رغم الظروف الاستثنائية في الحروب و المجاعات و غيرها ، فان الظلم و خاصة تجاه الشعوب الضعيفة العزلي يبقي طغياناً ، و أن الأمن علي حساب العدالة معادلة مجحفة.هذا النموذج اخترته ؛لأنه كان حاضراً في ذهني و أن أفكر في (نسبية القيم ) و هو ما جعلني أفكر أن ( نسبية القيم ) ذاتها ليست أمراً مطلقاً.
في هذا المقال جادلت فكرة القيم و الخطايا و نسبيتهما و حدود نسبيتهما، و لكن هذه الفكرة نفسها من أعسر و أعقد الأفكار ؛لأنها جدلية للغاية ، و لأن نظرة كل شخص ل (نسبية القيم ) غالباً تكون مختلفة بل متناقضة مع الاًخر. و أرجو ممن يقرأ أو تقرأ هذا المقال التفكير بعمق في أبسط و أتفه المواقف الحياتية و اختيار التصرف الصحيح فيها طبقاً لفكرة (نسبية القيم ) و أيضاً حدود ( نسبية القيم ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق