الخميس، 1 مارس 2012

صناعة القدوة في الأدب و الدراما

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

كثيراً ينتقد الكبار النشئ و يلمونه و يصرخون قائلين أن نشئ هذا الجيل بلا قدوة ، و كما تعودنا لا يفكر الكبار و لو لثانية أنهم مسئولون عن ذلك ؛لأنهم لم يشكلوا مثلاً أعلي يتطلع اليه النشئ باحترام و تقدير و يرغبون في أن يقلودوه في أي شيء ليصيروا مثله. أزمة هذا الجيل هي في غياب المثل التي تشكل القدوة. فيما مضي كان الاّباء و الأمهات هم قدوة أبنائهم ، و لكن مع تراجع دور العائلة و انهيار لبنة المجتمع المصري بالطلاق و انشغال الأبوين بالعمل و بسبب نمو التكنولوجيا الذي أدي لانعزال كل فرد في الأسرة في جزيرته الخاصة ، لم يعد الأبوين هما المثل الأعلي ؛لأنهما يكادان يتلاشيان حتي لا يعود لهما وجود.
كان المعلمون مثاليون ، يعلمون النشئ تعليماً قيماً و مبادئ سامية.كانوا يمثلون اّباء و أمهات أخر للطلاب ، و كان كثير من الطلاب يري في صورتهم الأب و الأم و القدوة .اليوم انهارت أسطورة الاستاذ/ة و لم يعد لها وجود .فقد صار المعلم/ة في أعين الطلاب قابل/ة للاستبدال بسهولة ،و صار المعلم /ة محتقر/ة بسبب الدروس الخصوصية و الفساد و تسريب الامتحانات.و بدلاً من أن يكون المعلم/ة انعكاساً للمبادئ ، غدا/غدت صورة مجسدة لسقوط القيم و قضاء نحب المثل. الأزمة هي في تشييع جنازة الشيم في مجتمعنا ، و مع بلوغ الشيم مثواها الأخير لم يعد للنشئ أمثال عليا يتطلعون اليها ؛لأن الأمثال تتطلب مثلاً و مع جزع المثل تنتحب الأمثال العليا.
أنا لا أنعي المبادئ ، فرغم أنها ماتت في مجتمعنا و لكن يمكن أحياؤها، اذا أخذ هذا الجيل علي عاتقه مهمة اعادة الروح الي جسدها. و ليحدث هذا يجب أن يجد هذا الجيل مبتغاه في قدوة يتطلع اليها . فاذا كانت العائلة أو المدرسة جرداء بلا قدوة ، و اذا كانت الساحة السياسية جدباء بلا كاريزمات تصلح أمثالاً عليا ، فمازال أمامنا صراط الأدب و الدراما . الأدب و الدراما قادران علي تقديم أبطال و بطلات يمثلون قدوة يتطلع اليها النشئ ، رجل المستحيل مثلاً ظل لسنوات طويلة قدوة و مثل أعلي لجيل مضي ، رأفت الهجان أعتقد أنه شكل مثلاً أعلي لجيل المسلسل ، المغامرون الخمسة كانوا قدوة جيل الستينات.اليابان مثلاً تصنع الأمثال العليا للنشئ في الرسوم المتحركة ، و قدوتي أنا الوحيدة في الحياة هي شخصية رسوم متحركة تسمي (لوفي)، و ربما يفترض أن اّسف ؛لأنها يابانية .
لا أحتاج أن أذكر أمثلة علي مستوي الشخصيات التي تسمي ظلماً و زوراً أبطالاً و بطلات في أعمالنا الأدبية و الدرامية الاّن .و لكن ما علي أن أذكره هو كيفية صناعة شخصية القدوة في أعمالنا الأدبية و الدرامية الاّن.أول شيء يجب توفره في القدوة هو الصدق ، فلا يفترض أن تكون مثالية أو خارقة بطريقة مبالغ فيها. الشخصيات المثالية و الخارقة قد تكون مناسبة لجيل الخمسينات و الستينات و لكن بالنسبة لهذا الجيل الذكي الناضج لا يناسبه شخصيات محالة الوجود.دراسة الجيل و الظروف الاجتماعية و السياسية المحيطة به أمر أساسي ؛لأن كل جيل يحتاج مواصفات مختلفة في قدوته طبقاً لظروفه. لا أقصد أن تكون الشخصية مفصلة علي مقاس و ذوق الجيل ؛فهذه خطيئة ، -أكبر خطيئة يرتكبها الكاتب هي منح المشاهد أو القارئ ما يريد لا ما حقاً يحتاج-،لكن المقصود هي دراسة ما يحتاجه الجيل.
ثانياً يجب أن تكون الشخصية جذابة و بها مواصفات تجعلها تلتمع كالنجوم التي يتطلع المشاهد/ة (القارئ/ة) للامساك بها.لتكون الشخصية جذابة يجب أن تتوافر فيه القدرات الخارقة و يجب أن يحيط بها تحديات مستحيلة ، و يجب أن يكون عالمها خيالياً. الشخصيات الاجتماعية العادية لا تثير الأطفال أو النشئ اطلاقاً و لكن الأشخاص التي تنتمي الي عالم خيالي ، و تمتلك قدرات خارقة قطعاً ملتمعة أكثر. دائماً يجب أن يكون نصب عيني الكاتب أنه يريد ابهار المشاهد/ة (القارئ /ة) بالقدوة في كل المجالات ، في القوة ، و القدرات ، و المهارات ، و المبادئ ، و القيم.فلن يحاول الطفل أو المراهق ، أو الشاب أن يقلد شخصية في قيمها ان لم ينبهر بها ، و يعجب بقوتها.
ثالثاً لا يجوز أن تكون الشخصية بلا سقطات حتي لا تشعر المشاهد/ة (القارئ/ة) و لو للحظة أنها مستحيلة الوجود. مهارة الكاتب هي في الامساك بالخيط الرفيع الذي يفصل ما بين الصعب و المحال. فالشخصية يجب أن تكون خارقة و نموذجية و يصعب أن يكون الفرد مثلها ، و لكن في نفس الوقت تكون لها سقطات ، تجعل هناك أمل للمشاهد/ة (القارئ/ة) في أن يكون مثلها. السقطات لها دور اّخر أبلغ هو تأكيد قيمة عدم اليأس و الاصرار لدي النشئ. أهم نقطتين ترتكز عليهما شخصية القدوة هي الحلم و الاصرار. صياغة شخصية القدوة مرتبطة بصياغة حلم لها ، و هدف تتطلع لبلوغه ، و صياغة مصاعب خارقة كالجبال تقف حائلاً بين القدوة و بين هدفها ، و صياغة أوقات تنكسر فيها القدوة و لكن بالاصرار تقوم لتحارب من جديد حتي تتخطي الجبال و تبلغ النجوم.غاية ذلك أن النشئ يجب أن يتعلم الاصرار ، فان كانت الشخصية لا تسقط ،فهي قدوة ضعيفة ،لا تعلم النشئ الارادة و لكن تعلمهم الرغبة في القوة التي لا تقهر.و سقطات القدوة تجعلها حقيقية لا أسطورة مستحيلة.

رابعاً قدر المستطاع يجب أن تبقي القدوة بشر لا ملائكة و لا كائنات خارقة.لذلك يفترض رسم نقاط ضعف في القدوة ، و المستحسن أن تكون نقاط الضعف في القوة و القدرات لا المبادئ.لوفي مثلاً قدوتي في الحياة ، رغم قدراته الخارقة ؛لكنه لا يستطيع السباحة ، و غبي و ساذج بطريقة تدفع الي الضحك ، و لولا انقاذ أصدقائه له من حمقاته لكان مات منذ بداية الأحداث.(لوفي) أحيانا ً قليلة يغضب ، و قد يسيء التصرف ان غضب كأي انسان لا يسيطر علي أعصابه. غباؤه المضحك و سذاجته المبالغ فيها ، و غضبه البشري ، يجعله انساناً من لحم و دم أقل مني في الذكاء (عدا ذكاء القتال)و مثلي في الغضب ، و هذا يجعله حقيقياً يصدق ، و يجعلني قادرة علي الشعور به.أما ان كانت نقطة ضعف القدوة في مبدئ ما يجب أن يحرص الكاتب علي أن يجعل المشاهد/ة (القارئ/ة) يتعاطف مع القدوة ، و يجعل المشاهد/ة (القارئ/ة) منبهراً/ة جداً بكل شيمها الحسنة لدرجة تجعل ذنوب القدوة مغفورة أياً كان. و لكن هذه لعبة خطرة ، يحب أن يكون الكاتب حذراً و لا يجعل القدوة للحظة تحتقر من المشاهد/ة ( القارئ/ة)،و احتقار القدوة قد يفقدها بريقها و قيمتها.
أخيراً يفترض بالكتاب أن يجعلوا معظم شخصيات أعمالهم قدوات حسنة لا البطلة أو البطل و حسب كما يفترض أن يكون نصف الأبطال و القدوات نساء قويات ، حتي ندفع المرأة لتؤمن أنها ليست أقل من الرجل ، و لتتطلع أن تكون قوية مثل البطلات. فأول مثل أعلي لي جعلني أريد أن أكون قوية و ناجحة و رقم واحد في كل شيء كانت شخصية رسوم متحركة ، فتاة بمثل عمري (عشرة سنوات) و –يجب أن يكون عمر القدوة قريباً من عمر المشاهد /ة (القاري/ة)- و ناجحة في كل شيء . نظرت اليها بانبهار و قلدتها في كل شيء و تتطلعت أن أكون مثلها حتي في طريقة زيي و مضت أربع خمس سنوات و هي مثلي الأعلي حتي راسلت كاتبها الياباني و شكرته علي تصميمها.
صناعة القدوة ليست أمر هيناً ، انها صناعة جيل بأكمله بأحلامه و تطلعاته و مثله و أهدافه ، و صناعة وطن سيبنيه هذا الجيل ، لذلك مهمة الكتاب الحقيقية هي توفير هذه القدوة التي عجز المجتمع عن تقديمها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق