السبت، 4 فبراير 2012

كيف نفكر تفكيراً منطقياً؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)

(نقاط عامة )

نعاني من أزمة حوار ، أزمة تقبل الاّخر ، أزمة تفكير منطقي خالٍ من التحيز أو العاطفة ، أزمة نعايشها كل يوم في أي سجال يدور حتي علي أتفه الأمور. حواراتنا تفتقر الي الاقناع المنطقي ، و أسلحة الاقناع لدينا لا تحترم العقل أو المنطق و لكنها أسلحة عاطفية صرفة.
أغلب حواراتنا تعتمد علي الدين أو العواطف أو العادات و التقاليد في الاقناع. استعمال دلائل دينية ، و مواقف عاطفية لاقناع الاّخر لا يحترم عقله. اللعب علي وتر الدين أو الشفقة في الحوارات السياسية مثلاً هو تجاهل صارخ للعقل و لعب علي المشاعر.هؤلاء الذين دافعوا عن مبارك مثلاً بحجة أنه كبير السن و له حفيد متوفي ، ألقوا جانباً كل قواعد المنطق و اعتمدوا كلية علي التلاعب بعواطف الاّخر. هؤلاء الذين أخذوا الدين واجهة و قالوا أن رافضي تطبيق الحدود الاسلامية أو رافضي التيارات الاسلامية ضد القراّن تلاعبوا بوتر الدين الحساس بدل التفاهم مع عقل الاّخر و اقناعه بالحجة و المنطق.
ليس الموضوع منطبق علي الأفكار السياسية و حسب و لكن الأفكار عامة . فحتي الأراء الدينية قد تكون أراءاً قائمة علي ميل عاطفي أو موروثات اجتماعية لا تمت للمنطق بصلة. أزمة التفكير المنطقي كارثية في مجتمعنا و بدون تغيير طريقة التفكير اللامنطقي للأجيال الصغيرة قبل الكبيرة لن نستطيع أن نخطو خطوة للأمام ؛لأن التقدم قائم علي احترام العقل و تبجيله لا علي السير وراء المشاعر و الموروثات بدون عقل .
أغلب الأفكار التي نجادل بها الاّن المستندة علي الدين تماماً أو موروثاتنا ستقع أمام أي شخص يختلف معنا في الدين أو التقاليد. لا يمكن أن يدعي أحد أنه يؤمن بفكرة ما لسبب ديني أو عاطفي بدون منطق أو عقل و عندما يجد أمامه من لا يؤمن بدينه أو مشاعره لا يستطيع اقناعه بالفكرة.مثلاً الذين يدافعون عن أسلمة الدولة و كل منطقهم في ذلك أن الاسلام –من وجهة نظرهم- يريد ذلك ،لن يستطيعوا اقناع غير المسلم بمنطقهم ؛لأنهم لا يستندون علي أسباب منطقية قدر استنادهم علي أساس ديني لا يؤمن به الاّخر الذي يخاطبونه.و نحن لا نستطيع جدال غربي أو اّسيوي علي أي فكرة ؛لأننا اعتدنا علي حوار أنفسنا الذي نستعمل فيه الدين و العاطفة و التي لا يجد فينا أحد حرجاَ من خلوه من العقل.
"كيف نفكر تفكيراً منطقياً؟" أول خطوة هي تجريد مشاعرنا من أحكامنا، و الاعتماد علي العقل في الحكم علي أي فكرة أي كانت.المشاعر الدينية و العاطفية و الاجتماعية جميلة و نبيلة ،و لكنها تكون أحياناً ضباباً كثيفاً يشكل غمامة علي رؤية العقل.و لذلك عند التفكير في فكرة أي كانت يجب الحكم عليها بالعقل قبل القلب.
ثانياً يجب تقييم الفكرة بطريقة الميزان ،بمعني أن نجعل للفكرة ميزاناً بكفتين ، كفة بها ما يهاجم الفكرة ، و كفة بها ما يؤيدها ، و النظر الي أي الكفتين يميل الميزان . و لا توجد فكرة أبداً كاملة لا توجد ما يضحدها ، و لا توجد فكرة أيضاً لا يوجد ما يؤكدها. و ذكاء الفرد في معرفة أي الكفتين أثقل .
ثالثاً الدليل. لابد أن يكون في كلا الكفتين أدلة . أدلة واضحة تثبت خطأ الفكرة أو صوابها.لا يمكن أن تجادل فكرة في عقلك بدون أدلة.
و سأطبق هذه الخطوات علي موضوع عام مثل( الثأر أو التسامح)فلنقل أنني أريد أن أضع ميزاناً كفة للتسامح و كفة للثأر. أولاً سأخرج مشاعري من الأمر و لن أنحاز ، ثانياً سأفكر بطريقة الميزان .ما الذي يؤيد التسامح ؟( أن الثأر يولد العنف الخلاق ) ما الدليل ؟(الخطوة الثالثة) (أن الثورة الفرنسية مثلاً ثأرت من النظام السابق عليها فبدأت حلقة عنف دموية استمرت لعقود). ما الذي يؤيد الثأر؟ (أن التسامح المفرط يؤدي الي استخفاف المخطئ و تماديه) ما الدليل؟(الخطوة الثالثة) (أننا عندما تسامحنا مع اسرائيل رغم الجرائم التي ارتكبتها في حق جنودنا علي الحدود فتمادت و قتلت الكثيرين بالاهمال و ربما سبق الاصرار) . ثم استخدم عقلي و أفكر في أي الكفتين أثقل من وجهة نظري. و علي أن أبحث عن المزيد من الأشياء التي تدعم كل كفة و مزيد من الأدلة ،لكي يكون لي مجال أوسع من القرائن عندما أحكم أي الكفتين أثقل و أي الخيارين أصوب.
ربما لا يبدو الأمر سهلاً ، و لكن بدون التفكير بطريقة الميزان العادل الحيادي ، بدون التفكير بمنطق لن نقتنع بصدق بأفكارنا و سيظل ايماننا بها شكلياً فقط نتيجة التلقين ، و لن نستطيع اقناع الاّخر بها ؛لأننا أصلاً غير مؤمنين بها تماماً.و هناك خطوة رابعة من خطوات الطريق الي التفكير المنطقي و لكنها خطوة بعيدة نسبياً و تحتاج الي تدريب طويل و شجاعة حقيقة . هذه الخطوة هي أن ننسي في التفكير كلمة (المقدس) بمعني أن نصنع ميزاناً للحكم علي كل الأفكار أي كانت قدسيتها ،و حتي و ان تعودنا علي أنها ثوابت لا يمكن أن تمس. و بقدر قدرتنا علي الوصول الي (مقدسات) أكثر و التفكير فيها بحيادية تامة و بدون مشاعر أو انحياز بقدر ما سنجد أنفسنا أقرب للتفكير المنطقي و أعدل في أحكامنا علي الأفكار أي كانت.و أنا وصلت في مرحلة ما للتفكير في فكرة وجود الله –عز و جل- ووحدانيته ، و لكني لن أدعي أنني تمكنت تماماً من أن أكون حيادية و لا أنحاز في ميزاني الي ما تربيت عليه و اّمنت به في ديني .و لكني علي الأقل حققت بعض الحيادية و المنطق في تفكيري، و كنت قريبة من العدل في ميزاني الفكري.
اقتراحي لمن يريد أو تريد التفكير بطريقة منطقية أن تختار أو يختار فكرة ما بسيطة جداً و يبدأ أو تبدأ في تنفيذ الخطوات الثلاث السابقة ( تجريد التفكير من المشاعر، وضع ميزان كفة لما يثبت الفكرة و كفة لما يضحدها ، و البحث عن أدلة لكل كفة) .و تدريجياً ستكبر الأفكار ، و ستزيد الخبرة ،و سيقل الانحياز ،و ستتحقق الحيادية ،و سيتكون التفكير المنطقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق