(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
عندما تكون هناك ممثلة قديرة شهيرة تملك أموال طائلة و لها شهرة واسعة ، و لها جمهورها ، ثم يبدأ نجمها في الانطفاء و تنزوي ، و تكرر أدوارها و تخسر معجبيها و محبيها قد تبدأ في الحياة علي أثر الماضي. تحدث كل من تقابل عن أعمالها و جوائزها و تكريماتها و مواقفها السابقة . تثرثر ثرثرة لا حدود لها عن الماضي و تشاهد كل فترة جوائزها و تشاهد أعمالها الماضية. انها تحاول أن تخفي فشلها في تقديم الجديد المناسب لعمرها و المليء بالفن و الابتكار في نجاحات الماضي. و ليست هي وحدها التي تلبس لباس النجاح الفاني لتخفي به عورة الفشل الحاضر ، بل كل ناجح فشل بعد نجاحه و استكان لفشله يرتدي نفس الرداء المهلل الذي يسمي (مجد الماضي).
نحن كشعب نعاني من هذا المرض الوبائي. نعاني من تقديس الماضي ، و الحياة في ظله.نشعر بفشلنا منقطع النظير في بناء الحاضر . نفهم جيداً أن كل ما كان بأيدينا خلقه فشلنا فيه. ندرك أن فننا هابط ، و أن أدبنا منحط ، و أن طبنا و علمنا مستوردان ، و أن أعمالنا بكل أنماطها اما مسروقة من الاّخر (اّسيوي ، أوروبي ،أمريكي ) و اما نبض صارخ لفشلنا و عجزنا، و حتي أخلاقنا منهارة و قيمنا مسخ لا يعبر عن ثقافتنا و لا هويتنا. نعلم كل هذا و أكثر و نرفض أن نؤمن بأننا نستطيع تغيره أو خلق واقع جديد مغاير له.نأبي تصديق قدرتنا حتي لا نبذل مجهوداً يذكر في الطريق الي التغيير. و وجدنا حلنا الوحيد حتي لا نحتقر ذاتنا أكثر من ذلك بأن نحيا علي (مجد الماضي) و داخل عباءته.
ندلل الماضي باسم (الزمن الجميل). كل ما يمت له بصلة (جميل) ، الأغني ، الأفلام ، الأدب،كل شيء. حتي حفلات الطرب في مصر لا تحوي ألحان طرب جديدة أو أغاني حديثة بايقاع شرقي بل كلها اعادة و تكرير للأغني الجميلة القديمة بنفس الألحان و حتي مغنوها أصواتهم قريبة من أصوات المطربين الأصليين.نخاف جداً علي اّثارنا الفرعونية (لا احتراماً للتاريخ ، و قدسيته )و لكن ؛لأنه العصر الذي نحاجي به تقدم الأخرين .نقول لأطفالنا أننا كنا في عصر المصريين القدماء و العصور الاسلامية رواد نهضة العالم و نحكي لهم أساطير عن اكتشافات (المصريين القدماء ) التي تعد لغزاً محيراً حتي الاّن.
لا نعتز بأجدادنا و لكننا نتفاخر بهم حتي نخادع أنفسنا أمام المراّة المشروخة ، و نقول أننا لسنا أقل من العالم الذي نعيش عالة عليه و نستورد منه كل شيء حتي الممحاة ، بل و الأكثر بجاحة أننا احتفلنا عندما توصلنا الي انتاج أول ممحاة مصرية 100% منذ قرابة العام!
و المتشددون منا الذي استفحل بهم الداء صاروا يريدون أن يحيوا حياة الماضي بحجة التدين و بدلاً من أن يطوعوا الماضي لبناء الحاضر و لصياغة المستقبل ، يبغون أن يجذبون جذباً لنعيش في الماضي الفاني ،نعود أدراجنا قروناً بعيدة كان فيها سلفنا الصالح. و ان لم نكن نملك ألة الزمن -التي هي حتي ان اخترعت ستكون جزء من المستقبل لا من الماضي- فعلينا أن نحول الحاضر لصورة طبق الأصل من الماضي قدر قدرتنا!
كفي. كفي ، هراءاً لن يعود الماضي و لن نعبر الي المستقبل و لن نعيش الحاضر بهذه الطريقة. الماضي انتهي ، و رحل و ما ذهب لا يعود ، لذلك يجب أن نتعامل معه كمعلم عزيز مات ، تعلمنا منه الكثير ، و حزنا علي رحيله و لكننا سنفيد بتعاليمه لنعيش حاضرنا و نشكل مستقبلنا.لنحترم الماضي و نمنحه البهاء المستحق ، و لكن في ذات الوقت نصنع شيئاً في الحاضر يجعلنا في المستقبل ماضٍ مبجل .
مثلاً الأغاني الشرقية ، طبيعي أن نغني الكلاسيكيات العربية و لكن لابد أن يكون لدينا ملحنون شباب دارسون للألحان اشرقية يبتكرون طرباً جديداً بأغانٍ جديدة و كلمات معاصرة و أصوات طرب راقية شابة.طبيعي أن نقدس المصريين القدماء و علماء العصور الاسلامية و رغم ذلك لا مفر من أن نكون حضارة بعظمة الحضارتين الفرعونية و الاسلامية.
خيارنا الأصوب هو أن نحترم الماضي ، نتعلم منه و نقتبس بعض سماته و أعماله ، و في ذات الوقت ننتج حاضرنا برؤيتنا المناسبة لعصرنا و المتميزة بتوليفة تراثنا الحي ،, و أن نرسم معالم مستقبلنا بروح ماضينا و نبض و عمل حاضرنا، لنصير في ذاك الغد حضارة أبهي من حضاراتنا بالأمس و تكفيراً عن عجزنا أمام حضارات الأخر اليوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق