(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
أطفالنا يتسولون ، موظفونا يتسولون ، عمالنا يتسولون ،فلاحونا يتسولون ،مرضانا يتسولون، و حكومتنا تتسول.كلنا نتسول ، تحولنا جميعاً الي شحاذين ينتظرون ما يلقي عليهم أياً كان ، و ما عدنا ندرك معني الكرامة.
أين هي كرامتنا؟ أين هي كرامة المواطنة؟ أين هي كرامة الوطن؟ فيما مضي كانت تعتبر مذلة أن تمد اليد لأي انسان كان. كان من المخجل أن نضطر أن نمد أيدينا لغيرنا. كانت لدينا كرامة ، أين ذهبت؟ كيف تحولنا تدريجياً الي متسولين؟ كيف صرنا نتسول كل شيء حتي أبسط حقوقنا؟ كيف تحول التسول الي فعل عام خلق عام ،ليس بالمخجل و لا بالمشين بل حرفة تزيد الدخل الصوري أو مهنة عامة بأجر ؟ كيف تسلل التسول حتي بلغ كل فرد ، و ترك الأفراد ليقفذ الي الحكومات ثم الي الوطن بأكمله؟
استغرب كيف صار الموظف يمد يده ؟ كيف صار ساعي البريد ينتظر حسنة تعطي له مع كل خطاب يوصله؟ كيف صار المواطنة أو المواطن يشحذون حقوقهم الأصيلة عند الدولة و يقفون كالمتسولين للصدقة أمام طوابير كل شيء يباع؟ كيف وصلنا لدرجة الانحطاط التي تجعل كل مواطن من طبقة وسطي يتسول ؟حتي الاضرابات في مصر التي تغرق كل منشأة أو مصنع أو مؤسسة هي تجسد صارخ لظاهرة التسول و لكن بطريقة أكثر أناقة. رأينا أطباء ، بكل ما تحمله كلمة أطباء من وقار ، و معلمين ،بكل ما تحمل كلمة معلمين من تبجيل ، و أساتذة جامعات بكل ما يحمله لقبهم من عظمة و علم ، رأينا كل هؤلاء و أكثر يتسولون . يتسولون داخل النقابات و الجامعات و المستشفيات و الشوارع و الميادين و علي أرصفة مجالس أولي الأمر .يتسولون حفنة جنيهات أو عشرات الجنيهات أو حتي مئات.
ألا يشعرنا هذا بذرة خجل؟ علماء و أطباء و أعضاء في جبهة العدالة ، و أساتذة جامعات ،و ممرضات ،و معلمون، و موظفون ،و عمال و كل درجات العاملين في الدولة و القطاع الخاص، الكل يتسول، كيف لا نشعر بالخجل ؟ هل ماتت الكرامة لدينا الي هذا الحد؟ هل اعتادت جلودنا جلد المذبلة الي هذه الدرجة ؟ الفرق بين اضراباتنا و اضرابات العالم المتقدم ، ليس الشعب الذي يتهم بالهمجية و وقف عجلة الانتاج ، الفرق أن المضربين لدينا وصولوا الي حافة الفتات و لا يطلبون سوي الحد الأدني للحياة الكريمة و لم يعد لديهم شيء يخسرونه أو يخافون عليه. و ان كان يابانيون مثلاً يضربون بدون تعطيل عجلة الانتاج ، ذلك ؛لأنهم يستجاب لهم في يوم لا يتسولون بالشهور نوماً في الشوارع مع أبنائهم ، وذلك أنهم يملكون الكثير و يريدون الأكثر الذي يستحقوه ، و لكن عندنا المضربون لا يملكون شيئاً أصلاً و كل دخلهم من مصادر اّخري غير عملهم نعرفها جميعاً جيداً.
و لماذا يخجل الشعب من التسول ان كانت حكومته تتسول؟ عندما يعرض علينا ترميم المجمع العلمي علي حساب شخص غير مصري نقبل و نقبل الأيدي. و يعتبر الجميع هذا عادياً ، و لكن هل لو انهار متحف العلوم الطبيعية في انجلترا و عرضت أمريكي المساعدة ،هل ستقبل الحكومة الانجليزية؟ لا طبعاً ؛لأن هذا واجب الحكومة الانجليزية لا واجب المواطنين ، أو الأجانب. سيقال أن انجلترا تملك المال و نحن فقراء، هراء، هذا كلام الشحاذين، المتسول فقط يبرر لنفسه مساعدة الاّخرين له بأنه فقير.ثم ذهبت حكومتنا من جديد لتتسول ، و تقول لحكومات الغرب :" أنتم كذابون و سيئون ، وعدتونا اّخر مرة أنكم ستعطوننا نقوداً ، ثم يا كذابون لم تعطونا غير مليار فقط ."
كفانا تسولاً ، يجب أن نملك ألا نتسول. الحكومة ملزمة أن تتصرف لا أن تتسول. لماذا نغضب عندما يجري المصريون و المصريات علي السفارات ليتسولوا كرم الخارج ؟ ليتسولوا تأشيرة لأي مكان كان في الشرق أو الغرب ؟ ألم يروا حكوماتهم المتعاقبة تتسول من الجميع ؟ من المنظمات العربية و من المنظمات الاسلامية و من الدول الغربية و من كل من يعطي شيئاً لوجه الله؟(- ان كنت أشك فعلاً أنه لوجه الله فقط-!)
حتي عندما يمن الخارج و يعطي التأشيرة للمصريين بعد تسول طويل ، و يذهب المصريون للخارج يتسولون هناك أمام الجميع و من الجميع ، حتي أمام السفارة المصرية يتسولون كما كان يفعلون أمام كل منشأة تمت للحكومة بصلة من قبل.
انه مسلسل اهانة كرامة لا ينتهي لكل ما أو من هو مصري أو هي مصرية ، كل ما يلتصق به اسم (مصر) يذل بارادتنا بشحاذتنا.
أتمني أن تتوقف حكوماتنا عن التسول للخارج و تعلن أنها لاتريد المعونات اطلاقاً ، لأنها صدقة يتبعها من و أذي ؛ و لأننا لانريد الصدقات؛ فنحن و ان كنا فقراء الاّن سنغتني بكبريائنا و كرامتنا، لا بمذلتنا و مهانتنا.أريد من حكومتنا أن تعلن أنها لا تريد هدايا من أي كريم أو خبيث، من أي صديق أو عدو . أريدها أن تعلن أننا لا نحتاج شيئاً من أحد. أريدها أن تعيد للخطاب السياسي مصطلح ( الكرامة الوطنية) . فترفض أي معونة أو هدية ،و تحمي أي مصري خارج مصر و يخشي الجميع الاضرار بحامل الباسبور المصري من أثر رد فعل الحكومة المصرية . و لا تمد يدها لأي كان و ان مدت يدها لقرض كان من بنوك المنظمات العربية و الدولية لا للدول و بدون شروط تمثل انتهاكاً لسيادة المصرية و فرضاً لسياسات اقتصادية مرفوضة. ان كنا سنعاني فالنعاني بشرف و كرامة ،فالنوقظ شعور الكرامة لدي المصرية و المصري . فلنجعل المصري و المصرية يرفضون –من جديد- خسران الكرامة حتي لو علي حساب الفقر. عندما نزرع (الكرامة الوطنية) سنحصد حتماً (الكرامة الفردية) و حينها لن نعود أبداً لل(تسول).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق