كلنا نقرأ أو نسمع عن ديكتاتورية الحكام ،ديكاتوتورية السلطات الأبوية ، ديكتاتورية الأقليات أو الأغلبيات الحاكمة، كلها أنماط متعددة للديكتاتورية السياسية ، و لكن هناك نوع اّخر من الديكتاتورية أشد قسوة ،و تنكيلاً، و تأثيراً ،و قوة ، و استمرارية ،وخطورة ،انه " ديكتاتورية المجتمع".
من أبشع صور الديكاتورية رفض الاّخر و الحكم عليه بأنه سيء لمجرد أنه اّخر ،و تكوين فكرة نمطية سلبية مجحفة عنه بدون حتي الاستماع اليه.و هذا أساس الديكتاتورية الاجتماعية. كل مجتمع لديه قيمه و أفكاره و معتقداته و عاداته و تقاليده.قوة أي المجتمع و تشكله معتمدان جزرياً علي هذه العوامل، و لكنها تشكل ديكتاتوريته أيضاً. لأكون أوضح سأطرح سؤالاً :"ماذا سيحدث لو طرح أحد الأشخاص فكرة تصطدم مع أفكار المجتمع ؟أو كتب ضد عادة أو تقليد اجتماعي متوارث ؟أو حاول فعل شيء يؤمن به و يحتقره المجتمع ؟"ماذا سيكون رد فعل المجتمع عليه؟
أعتقد أننا بامكاننا تخيل الاجابة و تصور حميع أركانها اذا عدنا بالذاكرة الانسانية الي الوراء و رأينا كيف كان مصير سقراط و جاليليو و ابن رشد وو محريري المرأة و غيرهم الكثيرين.فالنفكر حتي علي المستوي الأدني و الأكثر تسطيحاً ،ماذا لو رفض شخص ما الأخذ بالثأر في الصعيد ؟ماذا لو لم تقتنع فتاة نوبية بالأحكام الطاغية و ذهبت بحثاً عن زوج خارج الحصن النوبي؟ ماذا لو رفضت امرأة الحشمة بوجه نظر خاصة بها أو رأت أن من حقها أن يكون لها أصدقاء رجال أو أن تخرج ليلاً وحدها؟ كيف سينظر المجتمع لها و كم من المصائب التي قد تتعرض لها و يعتبرها المجتمع تستحقها ؟كيف سينظر مجتمع الأثرياء المتأمرك في مصر لامرأة ترتدي النقاب ؟و كيف سينظر المجتمع المتأسلم في مصر للمرأة التي ترتدي ثياباً تعلو الركبة بكثير ؟ و لنلاحظ أن أغلب المواقف و النظرات سلباً أو ايجاباً ستكون تجاه المرأة لأن الديكتاتورية الاجتماعية من أهم الأفكار القائمة عليها النظر بطريقة أدني للمرأة .
باختصار المجتمع ينظر بطريقة منحازة ضد كل من هو مختلف ، و يرفضه و يحتقره و الخطورة الحقيقية في ديكتاتورية المجتمع أنها تجلد الفرد معنوياً أكثر من جسدياً .لو رفض شخص نظام ديكتاتوري سياسي و ناضل ضده و نكل به سيكون بجواره الشارع بطريقة أو بأخري ،سيتلقي دعماً معنوياً و حباً من الأغلب ، و سيؤمن أنه في الطريق الصائبة ،و لكن في حالة أن يجاهد شخص ما ضد فكرة اجتماعية يراها خاطئة أو عادة أو معتقد يؤمن بفساده و عفنه يجد نفسه ضد الأغلب و ضد مجتمع كامل ،و قد يجد نفسه مجرد من حنو يد أقرب الناس اليه عليه،و الأسوأ أنه قد يبدأ بالتخبط و يدنو رويداً ،رويداً ايمانه الداخلي بما يكافح لأجله.
مما يعني أن ديكتاتورية المجتمع أقوي و أكثر قدرة علي الاستمرار ؛لأنها أفكار و عادات كلما مر الزمن تعتقت أكثر . و ان كان الأفراد و النظم و الممالك الديكتاتورية و حتي الديمقراطية الي زوال مهما طال الزمن ، فان العادات و التقاليد التي تشكل الديكتاتورية الاجتماعية يزيدها الزمن بقاءاً و جلداً .و ان كان كفاح المناضلين يفني الديكتاتورية السياسية بعد فترة مهما طالت قصيرة من الزمن ، فان كفاح الثائرين علي الديكاتوتورية الاجتماعية حتماً سيتطلب عقوداً و ربما قروناً من الزمن لمحو عادات ترسبت ربما عبر مئات بل اّلاف السنوات.
النمطية و العنصرية و اضطهاد الأضعف و رفض الاّخر و حتي الديكتاتورية السياسية قد تكون سرطانات ناتجة عن الاشعاع الديكتاتوري الاجتماعي.النظرة النمطية للاّخر ، ربما استسهال و لكنها أيضاً نابعة من فكرة عنه رسبتها الديكتاتورية الاجتماعية داخل عقولنا.مثلأً:"لماذا يظنوننا الغرب و حتي الشرق الأقصي نركب جمالاً و نعيش في الصحاري؟"أعتقد أن أحد الأسباب يكمن في أن واحدة من الأفكار التي بنيت عليها ديكتاتورية المجتمع الغربي أننا متخلفون،و مازلنا لا نجاري المجتمع الغربي في التقدم ،و طبعاً الاعلام كما هو سلاح للديكتاتورية السياسية هو سلاح فعال للاجتماعية ، حيث مازال يدعم فكرة أننا متخلفون و يظهرنا نعتلي الجمال و نقبع وسط الصحاري.
العنصرية قائمة علي فكرة أن عنصر ما أفضل من الباقين .و المجتمع حتماً هو عنصر واحد يضم عناصر اّخري.و هذا العنصر(المجتمع) قد يبدي كل من غيره أدني منه ،و بذلك كل اّخر هو أقل ، و هنا جذور العنصرية كفكرة تغرسها الديكتاتورية الاجتماعية داخلنا.و اضطهاد المرأة و الطفل و الحيوانات هي وباء اجتماعي .المجتمع و-للاسف- قائم علي أفكار همجية و بربرية منها أن الأضعف حتماً أدني ،و بما أن المرأة و الطفل و الحيوان ضعافاً نسبياً جسدياً ما لم يتعلموا و يؤمنو ابعكس ذلك،فان المجتمع يغرس بديكتاتوريته داخل النشء تحقير هذه الكائنات ، و حتي و ان أعطاها حقوقاً يظل داخل اللا وعي الجمعي تحقيرها. و هنا يبدأ القمع ، رجل يقمع امرأة ، امرأة تضطهد طفلاً ، طفل يقهر حيوانا،ً و تنشأ الديكتاتورية السياسية عندما يستبد القائد بالمقودين ؛لأنه يري نفسه الأقوي.
اذاً ما الحل؟ كيف نواجه و نتصدي لأبشع صور الديكتاتورية المتمثلة في ديكتاتورية المجتمع ؟ كيف نتحرر من القمع الذي تمارسه علينا؟ في تقديري الشخصي؛فان الخطوة الأولي هي أن نتمرد. أن نفكر بحرية من جديد في كل ما ربينا أنه صواب أو خطأ.هل هو حقاً كذلك؟و كلما أمتلكلنا الجرأة و الجسور لنسأل أنفسنا أسئلة محسومة كلما كنا أقرب للتمرد ، و رفض الأفكار التي يفرضها المجتمع علينا.ليس المطلوب هو الانقلاب علي منظومة المجتمع ؛لأنها بكل مساؤيها لا غني عنها الا ان أردنا الانحدار الي الهاوية و ضياع الهوية و الثقافة اللذان يحميهما المجتمع.و لكن غرضنا هو أن نختار بحرية جمة و بدون فرض أحكام فكرية مسبقة من أي طرف حتي و ان كان المجتمع.و أن نتقبل حتي من يعطينا أفكاراً تربينا علي أنها خطأ بين. و التقبل لا يعني الايمان و لكنه يعني اعطاء مهلة لأنفسنا للتفكير فيما هو مطروح علينا و دراسته بموضوعية و بدون انحياز.و الخطوة لأخيرة هي أن نطبق ما توصلنا اليه من صواب و لا نفعل ما توصلنا الي خطأه بحرية جمة و بشجاعة المؤمنين.
أعتذر لكل من قرأ أو قرأت هذا المقال لتعقد أسلوبه و لكني حاولت اظهار وجهة نظري فوجدت أني لم استطع اخراجها في قالب أبسط ،و لكني أتمني أن تكون قد بلغتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق