الجمعة، 2 ديسمبر 2011

لنحيا حياة مصرية 3

لغتنا هي هويتنا ،وجودنا ، شخصيتنا ، تفردنا ، انتماؤنا ، فكرنا ، حضارتنا ، تربيتنا. كل كلمة تخرج من فاهينا و لا تعود تعبر عن شيء فينا ،مستوانا الاجتماعي و الثقافي و التعليمي ، انتماؤنا الفكري ، قدر نضوجنا ، هويتنا الوطنية ، مبادؤنا ، شخصيتنا ،أشياء لا حصر لها . ان كان شكلنا الخارجي خداع و سهل التزييف فكلامنا أصعب في التلويين و الخداع .كلامنا تعبير عنا ، و أي ناضج يعرف أن الحكم علي الانسان من طريقة كلامه أفضل كثيراً من الحكم عليه من هيئته.
لذلك فاللغة هي أصدق معني للهوية و الشخصية الوطنية ، و لذلك فالاستعمار يسعي بكل جبروته عن طريق الاحتلال الثقافي محو جذور اللغة و فرض لغته علي الشعوب ؛ليتمكن من محو هويتها و شخصيتها الوطنية .و للاّسف الاستعمار الأمريكي الانجليزي الفرنسي و الخليجي نجحوا نجاحاً باهراً في مهمتهم و انزوت العامية المصرية و العربية الفصحي مصرية النطق من لغتنا تماماً من أول حديثنا مروراً باعلامنا ، و ليس انتهاءاً باّدابنا.
اللغة العامية الاّن خليط من عبارات انجليزية يفخر به متفنها ! وعبارات منحطة لغوياً لا معني لها تمثل علامة مميزة للشباب !(بالمناسبة أنا لست عجوزاً شمطاء تهين الشباب و تتكبر عليهم ؛فأنا مازلت مراهقة لم أصل الي مرحلة الشباب حتي بعد)و عبارات منحطة أخلاقية و سوقية لا أدري من أين أقتحمت القاموس الاجتماعي المصري !و أخيراً القيل من الكلمات العامية المصرية الراقية يبدو أنها تجيء خطأ في الحديث!
باختصار لغتنا في حديثنا مزيج من هوية غربية نشعر تجاهها بالدنو ، و لغة سوقية منحطة أخلاقياً ، و لغة بلا معني تدعي أنها لغة الشباب . ليس المهم أن نندب المستوي الذي وصلت اليه لغة حديثنا ، المهم أن نبدأ في تغييرها لتعود مصرية. الخطوة الأولي و –ربما الأصعب – هي محاولة طرد أي مرادفات غربية في حديثنا حتي "شكراً" الانجليزية أو الفرنسية ،و استبدالها بنظيراتها العامية .سيأخذ هذا وقتاً طويلاً لتعوييد اللاوعي علي العامية المصرية بدلاً من الكلمات الغربية و لكن ليس المهم هو الوقت ( فأنا لم استطع حتي الاّن طرد كل المرادفات الغربية ، بل ربما تزداد لدراستي للغة الانجليزية مستو رفيع) و لكن المهم ألا نيأس أو نتوقف حتي تكون كافة كلماتنا مصرية خالصة. ثانياً طرد كل الكلمات التي لا معني لها من حديثنا و امساك ألسنتنا عن نطق كلمات لا أخلاقية ، و أهم مرادفات بلا معني يجب طردها هي مرادفات اللامبالاة.ثالثاً الحرص علي عدم الوقوع في خطأ التحدث بالفصحي الذي وقعت فيه ؛لأن الفصحي لغة كتابة أما تحويلها للغة حديث فهو في حد ذاته تخليج .
أما عن اللغة في كتابتنا فمؤكد يجب أن نمحي تماماً كتابتنا بالعربي المتغرب الذي يحوي أرقام و عبارات انجليزية بالنطق العربي ، فهذه خيانة للهوية العربية ؛فان كان يفترض أن نكتب علي مناقشات الشبكة باللغة العامية فمستحيل أن يكون الصواب هو أن نكتبها بالأحرف الانجليزية و الارقام . أعلم أنه في البداية تكون الكتابة بالأحرف العربية صعبة علي الحاسوب و الهاتف النقال و لكن مع الوقت نعتادها كما اعتدنا الكتابة بالأحرف الانجليزية ، التعب قليلاًً أفضل من أن يأتي يوماً لا نجد واحداً مصرياً يعرف كيف يكتب بالأحرف العربية و لا يعرف شكلها حتي !
أما عن لغة الكتابة الأكاديمية أو الأدبية أو القصصية فيجب أن تكون فصحي الا في الحوارات و الأشعار ؛ لأن الفصحي تحمل القواعد الأصلية للغة و لا توجد دولة محترمة يكتب فيه الكتاب بالعامية الا حوارات الأبطال ؛لأنها تعبر عن شخصيتهم و يجب أن تكتب بلغتهم الحياتية . و ما يرتكبه الكتاب الاّن من كتابة بالانجايزية أو العامية المنحطة لغوياً هو جريمة في حق الهوية ، فمهمة الكاتب أن ينشر الثقافة ،و الناس تقرأ ليرتفع مستواها اللغوي ، لا لينحط . و السبب في ضعف لغة هذا الجيل مقارنة بالجيل السابق له بجوار تخلف التعليم و استبدال المدارس الحكومية بالخاصة اللغات ثم الأجنبية ،هو انخفاض معدلات القراءة بجوار انحطاط المستوي اللغوي للكتب المقروءة .و ربما أسئل لماذا نكتب بالفصحي و نتحدث بالعامية ؟ و الاجابة بسيطة فالحديث نبض الشارع و الشعب و لكن الكتابة أصل اللغة ، فرغم أن رجل الشارع الأمريكي أو الانجليزي أو الايرلندي يتحدث عاميته التي تعبر عنه ، لكن الكتاب المحترمين في أي من هذه الدول يكتبون بالانجليزية الصحيحة.
لغة الفن عموماً سواء سينما أو مسرح أو أغاني مرتبطة بلغتنا لذلك دنت مع دنو لغتنا و لا احتاج للتعليق علي هذا.و هناك نقطة صحيح أن اللغة العربية لغتنا الحية نتيجة للفتح أو الاستعمار العربي لمصر و لكن هناك لغات لنا ماتت مع الزمن كالهيرغليفية و القبطية ، فان كانت العربية تمثل هويتنا العربية الاسلامية فالهيرغليفية تمثل الهوية الفرعونية و القبطية الهوية القبطية ، و قد تتفاجئوا عندما تعرفوا أن العامية المصرية العامية الأقرب للغة العربية و مع ذلك ممئلئة بمئات الكلمات و العبارات الهيرغليفية أو القبطية .و لو كان هناك وقت لدي ذات يوم سأدرس الهيرغليفية و القبطية ، لازداد معرفة بلغتي المصرية .و كنت أتمني أن تصير الهيرغليفية و القبطية مادتين اختياريتان في التعليم المصري .
اللغة هي الهوية ، دائماً تذكروا هذا . فلنحاول أكثر ما نستطيع أن نحافظ علي هويتنا بحفاظنا علي لغتنا و أن نجرد حديثنا و كتابتنا بالكامل من كل ما يتناقض مع هويتنا ، حتي لا يأتي اليوم الذي نفقدها فيه و لا نجد اجابة علي سؤال قوي بسيط :" من نحن؟"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق