الاثنين، 26 ديسمبر 2011

ثقافة تبرير الخطأ

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة )

ثقافة تبرير الخطأ ثقافة عامة عند كثير من المجتمعات و خاصة النامية .ثقافة وضع تبريرات وهمية و لا منطقية لأخطاء و ذنوب و كبائر يرتكبها كل فرد داخل المجتمع .يبدأ التبرير من اغفال و اهمال و تمرير أخطاء تافهة و عفوية حتي تعمد حفر أي منفذ يمكن أن تخرج منه الكبائر العظمي في حق الوطن و المجتمع.

للأسف توجد داخل مجتمعنا المصري هذه الثقافة ، ليس لأننا شعب متسامح بطابعه أو يغفر للتائبين كالشعوب الاّسيوية مثلاً ، و لكن لأننا تعلمنا أن نبرر أخطاءاً بعيننا نراها جلية كالشمس .فمثلاً عندما يخطئ طفل صغير و يسب أهله -ان لم يكن الأب و الأم يريدان اخراج كبت و غضب -فغالباً سيضحكون من السبة و يعتبرون أن التبرير أنه طفل و سرعانما سيضربونه عليها عندما يكبر لأن حجة طفولته انتهت.و عندما يضرب أب و أم أبناءهما سيجد المجتمع تبريراً منطقياً سفيهاً يسمي (التربية) . و عندما يخطيء الوالدان و يرتكبان خطأ يمنعان أبناءهما عنه يبراران للطفل الخطأ بأنهما من فصيلة (كبار )و يحق لأهل هذه الفصيلة الخطأ الممنوع عن فصيلة (الصغار).

و هناك تبرير المجتمع الرشوة بالفقر ، و كأن بيع الشرف مبرر تماماً عندما يكون البائع محتاجاً للنقود.و يبرر المجتمع الغش الجماعي في لجان الامتحانات "لماذا؟" ؛لأن التعليم سيء و هناك دروس ؛ و لأن الجميع يغشون ،و كأن غش الأكثرية يبيح غش الأقلية و كأن سوء التعليم يبرر الغش .و علي نفس المنوال يبرر شراء الامتحانات اذا ما تسربت ، فالجميع يشتري و يبيع ،لماذا لا نبيع نحن و نشتري ؟

و عندما يكسر السائقين الاشارات أو يركنون صفاً ثالثاً أو يسيرون عكس الاتجاه يكون المبرر جاهزاً بالازدحام الشديد للقاهرة .وحتي عند ارتكاب خطيئة لا اّدمية بتعذيب اللصوص و ضربهم ، يجد المجتمع المبرر البسيط المنطقي الوحشي بأنهم سارقون و مجرمون و لصوص .

و هناك تبرير التحرش و الاغتصاب رغم بشاعة الجريمتين ، و بما أنهما جريمتان أكثر الوقت ضحياتهما نساء -الطرف المضطهد الضعيف في هذا المجتمع- فيتفنن المجتمع في تبرير الجريمتين تفنن بلا نظير.حجج واهية تبدأ من البطالة لتمر بالاثارة الجنسية للاعلام لتكمل طريقها مروراً بارتفاع المهور و العذوبية لتحط في النهاية علي رأس الضحية باتهامها باثارة المجرم عن طريق الملبس أو المشية أو توقيت أو مكان حدوث الجريمة أو الازدحام أو الفراغ .باختصار لا يوجد أي منفذ للضحية يبرر لها أن تكون ضحية بينما هناك اّلاف الحجج و المنافذ و الطرقات و البوابات التي يمكن للمجرم الخروج منها مرتفع الرأس !

و بينما يبرر المجتمع للشاب حماقاته و علاقاته المشينة قبل الزواج بل و اثنائه ،بحجج من نوعية الطيش ،و الاثارة الجنسية ،و قلة الخبرة ،و البعد عن الدين و عدم توفر مورد للزواج و الرغبات الجنسية للشباب الساخن ،و برودة الزوجة ،و عدم اهتماها بشكلها و زوجها و اهتمامها بالبيت و العمل و الأبناء -بالنسبة للرجل المتزوج- يرفض هذا المجتمع تبرير علاقات النساء بنفس الحجج ، بل و يمضي المجتمع الي درجة تقبل قتل المرأة اذا أقامت علاقة واحدة مع رجل مما يدل علي أن المجتمع مزدوج المعايير حتي في (ثقافة تبرير الخطأ).

و تبرير الاعتداء علي هيبة الدولة عن طريق سرقة الأراضي و وضع اليد أو عن طريق احتلال الشوارع من الباعة الجائلين هو ببساطة عدم توفير أراضي للخريجين أو مهن للعاطلين . و نبرر التأخير عن العمل أو اهماله أو التهرب و التغيب أو الكسل أو قلة الانتاجية أو تزوير شهادات طبية بأن الأجور متدنية .

و تمتد الثقافة التبريرية لتدخل السياسة .فنجد من يبرر الدعاية الدينية باسم الدين ، و من يبرر الدعاية أمام اللجان بضيق الوقت ،و من يبرر شراء بيعها الأصوات بحاجة الفقراء و جهلهم ،و من يبرر السحل و القتل بالفوضي ، و من يبرر جهل القيادات السياسية بوجود أجندات و ماقيا و أفلام سينمائية حركية ( و كأن القيادات السياسية لا تملك أبطال أفلام حركية أيضاً يمكنهم مقاومة المافيا و الأجندات).

و نجد من يبرر لحكامنا العرب أفعالهم بحجة أننا شعوب جاهلة لا تستحق الديقراطية ، و يبرر عجز الحكام عن توفير التعليم و الصحة و مكافحة الفقر للشعوب بفقر مواردنا ، و يبرر لهم فشلهم في ادارة السياسة الخارجية بوجود أعداء متربصين بنا ، و يبرر فشلهم في حماية الأمن الداخلي بوجود أطراف خارجية و منظمات ارهابية و بلطجية . و يبرر اخفاقهم في رعاية البحث العلمي و حتي أن نصل الي مكانة (اسرائيل )بفقر الموارد مجدداً . و يبرر لهم خنوعهم المشين مع الغرب الذي مسح كرامتنا و مسخ شخصيتنا ،بأننا لسنا أقوياء كالغرب و أننا لا نملك موارد و لذلك يجب أن نسير ملاصقين للحائط -ان لم يكن داخله - و نشحت قوت يومنا .باختصار أي شيء مبرر لهم ؛كفانا أنهم قبولوا أن يحكموا متخلفين فقراء مثلنا !

انه امتداد سياسي لثقافة التبرير الاجتماعية التي تفتعل حجة لأي خطأأياً كان و تجد مخارج جهنمية لكل مخطيء (و لكن في الاطار الذي تريده شريطة أن لا يتخطي كبائر معينة لدي المجتمع حساسية منها).الحل باختصار أن نوقف مولد التبريرات و أن نحاسب كل مخطيء بدون ابتكار حجج لتخفيف عقوبته أياً كانت ، و أن يكون هذا منهجنا مع أطفالنا و أنفسنا قبل أطفالنا .فان كنا صادقين مع أنفسنا نحاسبها بموضوعية و نواجه أخطاءنا أمام المراّة بجرأة حينها -حتماً- سنفكر بانصاف في أفعال الاّخرين و لن نفتعل لهم الحجج من الوهم. هناك فرق بين أن نكون متسامحين و أن نبرر أخطاء النفس أو الاّخر ، فالتسامح هو الاعتراف بالخطأ و اختيار الغفران بينما التبرير هو انكار لحجم الخطأ من الأصل.

فلذلك أنا أدعو للتسامح و لكني أدعو للصدق و الانصاف ،أدعو لأن يواجه كل منا نفسه قبل غيره بأخطائه من دون بذل المجهودات المضنية لايجاد تبريرات لها ،و توجيه هذه الطاقة في طريق اصلاح الذات بدلاً من الطبطبة عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق