الثلاثاء، 3 يناير 2012

الغزو الثقافي لاسرائيل

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة )

هل الصواب هو المقاطعة الثقافية التامة لاسرائيل؟ هل الخيار الصحيح هو رفض استقبال كتب اسرائيلية أو قراءتها و رفض تصدير و ترجمة كتب عربية الي العبرية ؟ هل هذه المقاطعة الثقافية بهذه الصورة هي الخيار الأمثل لصون الأمن القومي و فرض العزلة علي اسرائيل ؟ هل التطبيع الثقافي في جميع اطاراته خطيئة ؟ أعلم أن أغلب الناس سيقولون "أجل" و لكن اجابتي أنا مختلفة.

في اعتقادي الشخصي ، عدم قراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام و الأغاني الاسرائيلية يضعنا في موضع الجهل بالعدو . و الجاهل بعدوه ضعيف قطعاً و غير قادر علي خوض الحرب. الحرب التي أعنيها ليست حرب أسلحة و لكنها حرب علم و ثقافة و تقدم. نحن لا نكاد نفقه شيئاً عن الداخل الاسرائيلي ، و نكتفي بالقول بأن الشعب الاسرائيلي متطرف و عنصري و الدولة الاسرائيلية دينية ، مع أن القراءة الحقيقية القصيرة عن اسرائيل من الداخل ستؤكد أنها دولة علمانية و حتي ثلث من غير المتدنين وثلث لا يؤمن بوجود رب أصلاً.ما أعنيه أن التحجج بالمقاطعة للجهل باسرائيل و عدم القراءة عن الداخل الاسرائيلي خطيئة ؛لأنه يجعلنا في مكمن ضعف و عجز و جهل.

أما مقصد كلامي عن الغزو الثقافي لاسرائيل ؛فهو أن نترجم أعمالنا الأدبية المثيرة و المشوقة و التراثية و نصدرها لاسرائيل ،و كذلك أفلامنا الراقية و أغانينا و حتي رسومنا المتحركة.قد يقول الكثيرون أن هذا تطبيع ثقافي و ازالة للعزلة المفروضة علي اسرائيل. و قد يكون هذا صحيح الي حد ما ، و لكن ما سيعود علينا من وراء ذلك أثمن بكثير. اسرائيل بها خمسة ملايين يهودي و ثلاثة ملايين عربي. بها مستوطنون متطرفون ، بها علمانيون ، لا دينيون ، يهود متطرفون ضد الصهيونية ، و يهود متطرفون مع الصهيونية ، و حركات لدعم العرب و السلام مثل (ناطوري كارتا)-السلام الاّن-،و بها حركات متناهية التطرف ضد العرب ،و بها جنسيات متعددة جداًَ لا يربط شيء بين ثقافتها ، و بها أزمة عنصرية بين اليهود الشرقيين (سفرديم ) و اليهود الغربيين (اشيكناز). بايجاز هي مجتمع مختلط ليس متوحد علي شيء و يلعب سياسيوه علي كراهية العرب كعامل اتحاد للطوائف و الأطراف المتضادة المتناحرة.التعليم الاسرائيلي يزرع بذور الكراهية و الازدراء تجاه العرب. الأطفال الصغار يرضعون من مجتمعهم الكراهية لكل ما هو عربي و احتقاره .وطن كامل يغذي مشاعر التطرف لدي أفراده.

كتبت من قبل عن نشر الثقافة المصرية بالخارج كخيار أوحد لازالة الصورة الذهنية المتخلفة عنا .و أكتب الاّن لنشر الثقافة العربية باسرائيل ، لتقليل ميول التطرف ضد العرب فيها. عندما سعت أمريكا لنشر أفلامها و كتبها و مطاعمها وملابسها في العالم ، لم تكن تستهدف فقط الكسب المادي ، بل كانت ترمي الي هدف أبعد وأعمق تأثيراً هو محبة النموذج الأمريكي و عدم كراهية أمريكا، و أوباما ذكر أن سعيه لاستغلال القوة الناعمة هو وسيلة لمقاومة التطرف. أنا أريد أن نقاوم التطرف الاسرائيلي بالقوة الناعمة العربية، من الصعب أن يقرأ فرد كتب دولة ما و يشاهد أفلامها و يسمع أغانيها و يطلع علي ثقافتها منذ صغره و يبغضها، بل في أغلب الأحوال سيحبها و سيتخذها نموذجاً . اذا تمكنا من جعل الشباب الاسرائيلي و الأطفال يطلعون علي ثقافتنا العربية ،سيكون ميلهم للتطرف ضددنا حتماً أقل من الاّن و هم لا يفقهون شيئاً عن ثقافتنا.

و اذا توغلت ثقافتنا داخل اسرائيل التوغل المستهدف ، كما توغلت الثقافة الأمريكية داخلنا ،سيكون المجتمع الاسرائيلي أقل ميلاً لاختيار أحزاب متطرفة و ستقل درجة التطرف الاسرائيلي ناحية العرب . فعلي مدي السنوات العشر الأخيرة زاد التطرف الاسرائيلي بطريقة غير مسبوقة فحتي الأحزاب المحسوبة علي اليسار المائل الي الاعتدال صارت مواقفها أشد تطرفاً من ذي قبل ، نتيجة لزيادة تطرف المجتمع الاسرائيلي.أعتقد أنه اذا اقتحمنا بالقوة الناعمة الداخل الاسرائيلي و جعلنا الأجيال الصغيرة تتخذ منا نموذجاً و تحب الحضارة العربية سيكون لهذا أثر بالغ في اعادة توجيه الدفة في اتجاه أكثر اعتدالاً داخل اسرائيل ، و سيقوي هذا من نفوذ الحركات التي تدعم العرب مثل (السلام الاّن)و سيجعل الأحزاب المتطرفة تتبني حلولاً أكثر اعتدالاً.

أنا أدرك تماماً مخاطر نشر الثقافة العربية داخل اسرائيل عن طريق ترجمة الكتب و الأفلام و الرسوم المتحركة و مختلف وسائل الثقافة ،و لكني مدركة أيضاً لحجم التغيير الذي قد يحدثه هذا الاختراق داخل المجتمع الاسرائيلي و داخل حلبته السياسية و لكن يبقي الأمر بحاجة لدراسة حقيقية منطقية لحجم المخاطرو المنافع الناتجة عن هذه الخطوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق