الأحد، 29 يناير 2012

احترام قدسية الميدان

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)

يوجعني أن الميدان ضوؤه يخبي. يؤلمني أن شيئاً ما ، بل أشياء تموت تدريجياً داخلنا مع ضعف نوره. أشياء تختفي و تتلاشي داخلي ، و أفتش عنها في ذاكرتي ، فيأتيني طيف من لمعانها سرعنما يختفي وسط ظلام الواقع. الميدان تغير ، الميدان يختفي ، الميدان يفقد روحه و معها يتلاشي بريقه و لمعانه .
قيم الميدان هي جوهره، هي تاجه ، هي ما يجعله متفرداً. قيم الوحدة و الالتفاف حول نبض واحد يسمي الوطن.قيم الهدف المشترك ، و الضمير الواحد ، و الانتماء المشترك للثري المصري ، و نبذ الفروقات الانتماءات الفردية الدينية و العرقية و الأثنية و الفكرية و الأيديولوجية ، كل هذا يشكل قيم الميدان الراقية النبيلة التي ترفع الهوية الوطنية علي كل الهويات و تجعل الأفئدة كلها فؤاداً واحداً مصرياً خالصاً.
للأسف ضاعت قيم الميدان ، و معها ضاع بريق الميدان. يفتقد الميدان الاّن القلب الواحد. متفرقة أفئدة من فيه ، كل فؤاد يفضل عشق شيء مختلف سواء أيديولوجي أو فكري أو ديني علي التيم بالوطن.لا يحتاج المرء أن يكون رومانسياً أو شاعرياً ليستشعر فقدان روح الوحدة في الميدان ، ليدرك أنه لم يعد جزءاً من كيان واحد متحد يحوي كل الاختلافات بدون أي خلافات،ليعلم علم اليقين أن كل حزب بما لديهم فرحون ، و أنهم علي جثة الوحدة لا يبكون.
في الميدان و في ذكري يوم عرسه ، رأيت أعلام الاخوان المسلمون مرسوم عليها السيفين الشهيرين تباع ملاصقة لأعلام مصر . رأيتها تغرق الميدان و رأيت عدداً يرتدي القبعات الخضراء التي تحمل شعار الاخوان المسلمين.كما رأيت دبابيس علم مصر تباع مجاورة لدبابيس حزب النور .رأيت الاخوان و الاخوان فقط يؤمنون المداخل و المخارج و يسيطرون علي الجزء الذي يقع قبل المنصة ، بينما تبدأ حدود المحتجين علي المجلس العسكري من المنصة لبقية الميدان. الميدان مقسم بحدود فاصلة تفصل كل طرف فكري عن الأخر . حدود واضحة و جلية لا ينبغي لأحد أن يتعدي حدوده و يدخل في منطقة الأخر ، و الا وجد نفسه محسوباً علي الأخر.
الميدان مقسم بحدود ، بحدود مادية ، فكرية ، و عاطفية ،و روحية. حدود ليست مرسومة بالتباشير علي الأرض ، و لكنها مرسومة بالانقسام و التحزب داخل الفؤاد.حدود مرئية و مبصرة ،و أخري عاطفية مستشعرة.مبصرة بالعين و الفؤاد و الروح .تذكرت يوم حكت لي صديقتي في احدي المليونيات قبل الانتخابات أن كل منصة يملكها حزب أو مرشح و كل مرشح أو حزب يوزع ملصقاته و أوراق حملته.الانقسام يعلن عن نفسه ، و نحن نرصده و نبصره و يبدو أنه داخلنا نحبذه أو علي الأقل نعتاده و نتقبله، ؛لأننا نراه القاعدة بينما الوحدة هي الاستثناء ، و لأن أشياءاً كثيرة خير عندنا منه. و أشياء كثيرة أحب الي قولبنا من الميدان و من وطن الميدان نفسه ، و لن نضحي بهذه الأشياء لأجل أن نعيد للميدان أو لوطن الميدان شيئاً ضئيلاًَ من روحه ، شيئاً لا يكاد يذكر من وحدتنا.
كم أتمني لو أنني استرجع روح الميدان! كم أود لو أشعر لمرة واحدة أخري بشعور الفؤاد الواحد الذي يأوي الجميع !كم أحلم أن يعود طيف الميدان الي الحياة و لو كشبح يحفنا من بعيد و لكن نشعر به ! كم أحب أن أذوق طعم حب الوطن عندما يكون مشتركاً !كم أريد لو يعود بريق الميدان اليه و أبصره يلمع في السماء السوداء للتحزب و الفرقة و الانقسام ، و يضيء و سط الظلام الحالك! و لكن مادام كل حزب سعيد باتباعه و ميريديه و بما لديه و يأخذ هبرته من كعكة الميدان و كعكة وطن الميدان ، و يفخر بالسيطرة علي جزء من الميدان حتي لو كلفه هذا أن يمزق الميدان و يغتال قيمه ، فهذا اليوم لن يأتي و هذه الأماني لن تتحقق . ان أردنا عودة الميدان ، فعلينا أن نحترم قيمه و يلقي كل منا بكل انتماء كان لغير الوطن و الميدان خلفه بمجرد أن تتطأ قدماه أو تتطأ قدماها أرض الميدان المقدسة ، و لكن ان دخلنا الميدان محملين برموز تمثل انتماءاتنا الأخري ، و بقلب ممتلئ بعشق أشياء أخري غير الميدان و الوطن، فلنعلم أننا نشارك في تقطيع الميدان و اغتياله بسلبه قيمه و روحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق