الاثنين، 23 يناير 2012

التكفير

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)

لم أكن أريد أن أكتب عن (التكفير) ،لا أحب أن أدخل الصراع الدموي الساخر المضحك المبكي الذي نعيشه هذه الأيام بين من يسمون أنفسهم اسلاميين و من يسمونها علمانيين.و لكني تألمت غضبت أردت الصراخ عندما قرأت عن تكفير (المهدي) في السودان؛لأنه أفتي بمحاذاة النساء للرجال في الصلاة –كما في الحرم المكي- و ؛لأنه أفتي بأن الحجاب ليس بالفريضة.بدلاً من أن يناقش في أفكاره وجد نفسه مكفر و مهدداً بالقتل ان لم يستتب و يعود الي رشده و يلقي باّرائه في القمامة
يصعب أن أصف ما اّلامني بالضبط ، فأنا أري كل يوم العلمانيين و الليبراليين يكفرون، و أعرف دماءاً لم تجف لمفكرين كثيرين مثل (فرج فودة) ، و أعرف معاناة رجل طرد و مات منفياً و شمت بموته و ؛ مثل (نصر حامد أبو زيد).لماذا لا أتعلم ؟ لماذا أصر أن أتألم كل مرة لمعاناة شخص من هتك (التكفير)؟ هل أخاف علي نفسي من مصيرٍ مشابه ذات يوم ؟ هل ارتعب أن يصير وطني (أرض التكفير)؟ هل ارتاع علي المستقبل ؟ هل أشفق علي هؤلاء الذين حيوا مقتولين بالتكفير و من اغتيلوا و لم تجف دماؤهم لتذكرني كل حين برصاصة (التكفير)؟
لا يهم ما مشاعري ، هذا ليس كلاماً منطقياً، المهم هو معني (التكفير). التكفير هو انتهاك لحق الله –عز وجل- في التفرد بالاطلاع علي القلوب و الحكم علي الايمان. من يعرف الله-سبحانه و تعالي- يدرك أنه وحده يملك القدرة علي الشعور بالقلوب. كيف يمكن لمن يدعي أو تدعي التدين و المعرفة بالدين أن يرمي أو ترمي انساناً أخراً بالكفر؟ لا يجوز أن يقال عن شخص أنه كافر ؛لأي رأي ديني أو سياسي أو اجتماعي له ، الا ان قال علناً أنه كافر. رمي المحصنات (و هي كبيرة) هي خطيئة رمي مؤمن أو مؤنة بالزني بدون شهود ، ما بالنا رمي مؤمن أو مؤمنة بالكفر ، كيف يكون حجم خطيئة التكفير اذاً؟
ثانياً ، من يحق له التكفير؟ هل علماء الدين مثلاً أم رجال السياسية أم أي شخص كان؟ المنطقي رجال الدين ، و لكن –حتي هذا- غير منطقي علم رجل الدين بالدين يخوله القول بأن الرأي الديني للأخر خطأ و لكنه لا يعطيه حق الله- عز و جل – في معرفة الايمان أو الكفر. و لو سمحنا بظهور طبقة من علماء الدين تملك سلطة التكفير و سلطة اصدار صكوك الايمان فهذه هي الطريق المختصرة المستقيمة الي الدولة الدينية ، التي بها سلطة رجل دين يكفر من يشاء و يعتبر نفسه نائب الرب في الأرض. و نحن نعلم جيداً ماذا سيحدث لو وضع هذا النائب يده في يد تيار سياسي معين أو حاكم من حكامنا الأفاضل. و لنا في ضحايا التكفير في العصور الاسلامية أسوة و مثل.
ثالثاً و هذا هو الأخطر ، قتل الاجتهاد و تقويض التفكير في أي موضوع ديني ، و اغتيال حرية الرأي ، و فرض قيود علي فكر المفكرين . لن يجرأ مفكر أو مفكرة أو عالم دين أو عالمة دين أن يفكروا حتي في خيالهم الخصب في رأي ديني مخالف لأراء السلف ؛لأن هذا سيترجم علي أنه (انكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة) و هذا يعني التكفير ثم السياف.و يا سلام ! لو تحالفت طبقة مانحي صكوك الايمان مع تيار سياسي أو حاكم ، حينها لن يستطيع المفكر أو المفكرة حتي التفكير في المواضيع السياسية لا الدينية طالما رأيهم قد يصطدم برأي الحاكم أو التيار السياسي.
رابعاً غلق باب الاجتهاد بالضبة و المفتاح و أصم و أجلد الأقفال ؛ و سنستمر في تأليه أئمة الفقه التسعة و كأنهم ليسوا بشراً يخطئون و يصيبون.فالاجتهاد يتطلب حرية و شجاعة و تفكير عميق نقدي في كل الأراء بحرية و هذا طبعاً سيكون هو الطريق الأقصر ل(التكفير) و السياف.
خامساً الفتن الدينية و السياسية. فكل تيار ديني أو سياسي سيكون له رجال لديهم عضوية جماعة (صكوك الايمان) و هؤلاء الرجال سيستخدمون هذه البطاقة لتكفير التيارات الأخري و باقي القصة تعرفونها.
ألم يشعركم ما قلته أننا نعود الي الماضي؟ ألا تعتقدون أن هذه اللعبة القذرة لعبة القرون الوسطي؟ ألا تظنون أن التكفير كلمة من المفترض أن تكون انقرضت ؟ و لكن لا ، مادمنا لا نستشعر أي غرابة في أخذ سلطة الاله في الاطلاع علي بواطن الصدور هل سنتعجب و لو قليلاً لأمر بتفاهة العودة للخلف؟
متي سنفيق و نمضي للأمام ؟ متي سيصير (التكفير) و الفتن و اللعب بالدين جزء من الماضي ؟ متي سنعيش القرن الحادي و العشرين لنمضي الي المستقبل؟ متي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق