الخميس، 19 يناير 2012

حقيرة أكتب

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)

أخطر ما يهدد وطن ، هي الكراهية ، الكراهية الحية التي تغذي شعبه ، انها مفتاح نهايته و الطريق الي اغتياله. الحب هو طاقة الوطن، هو روحه الحية داخل كل فرد فيه، هو نبضه الصادق ، هو مفتاح مستقبله.الوطن ليس كياناً صلباً بل انني أظنه روح كروح البشر تحب تحيا ، تكره تموت.
الطائفية و الحروب الأهلية و انهيار البنيان الاجتماعي ، و ثورات الجياع الانتقامية ،و المؤمرات ،و الاغتيالات، و العنصرية ،و العنف الخلاق ،غيرها الكثير أمراض بل أوبئة قيروسها الكراهية الذي يدمر جسد الوطن خلية خلية. كراهية الاّخر بكل صوره و تحويل أخوة الوطن الي اّخرين مكروهين بأسباب عدة مختلفة كل كل هذه الأسباب و الصور تجسدات لمعني واحد اسمه الكراهية. الكراهية عندما تبتلع قلب الوطن و تغتال روحه ، تسطر بداية النهاية ، و مهما كانت طريق النهاية طويلة ، فان لم يعد الحب الي روح الوطن ، فان النهاية ستأتي و سيموت .
كنت في السيارة و بجواري أمي و توفنا في اشارة في (وسط البلد) ،وجدت طفلاً من أولاد الشوارع ينظف سيارتنا بخرقة وسخة ، قلت له ألا يفعل ، و قالت له أمي نفس الشيء و لكنه لم يأبه بنا و مضي يمسح السيارة و عندما لف السيارة كلها لم نقل شيئاً و لم نعطه نقوداً ، فمضي يضرب سيارتنا بقوة شديدة علي الأبواب و علي حقيبتها.شعرت بضربه يكاد يكسر السيارة خفت علي السيارة لبرهة من شدة ضربه ، صدمني فعله و قوته . كان ضربه قوياً جداً بالنسبة لطفل.لم يكن ضرباً عادياً و لكن كان ضرب بقوة الكراهية.
غريب جداً كيف نشعر بالحب و الكراهية. كيف يخترقان قلوبنا بهذه الطريقة. شعرت بطعنات تخترق صدري و تنفذ الي قلبي ،طعنات قوية جداً بقوة ضربات كراهيته ، ربما لن تصدقوني و لكنني فعلاً شعرت بهذه الطعنات بقوة حقيقية و كأنه كان يمسك بسكين و يطعنني بها.
انفتحت الاشارة و مضت أمي بالسيارة ، كنت أريد أن أصرخ و أقول لها أن تسرع و تجري ؛ و مضت الثانية التي تحركت فبها كدقائق علي. و بقت الطعنات تؤلمني ، و تكرر شعوري بألم الطعن أكثر و أكثر حتي بعد أن وصلنا الي المنزل. الغريب أنني –و بمهارة أحسد نفسي عليها- أخفيت ألمي و أخفيت قلبي و عقلي و مثلت بمهارة دور اّخر ، و لم يظهر علي البتة شيء من هذا كله .
دفعتني طعناته للخوف ،خفت جداً منه ، خوف حقيقي من كراهيته ، و ليلاً عندما كنت في فراشي بقيت أشعر بهذا الخوف. دفعتني طعناته للتفكير ، فكرت أن قيمي بلا قيمة.مبادئ لا تسمح لي أن أعطي شحاذاً و ا متسولاً نقوداً . احتقرت قيمي ، أنا في برجي العاجي-كما يسميه معشر المثقفين- ، أعيش حياة شبه مثالية ،لدي كل شيء و كنت ذاهبة لشراء ملابس لا أحتاجها من (وسط البلد) أملك كل شيء و كل ما أتمناه أجده ، و أتكبر بمبادئي و يمنعني كبريائي من مخالفتها، و من برجي العاجي أرفض أن أعطي هذا الطفل النقود ؛لأن هذا ضد مبادئي .
هذا الطفل لا يمتلك شيئاً ، ربما يكون مسكنه عشش ،ربما يكون من سكان العشوائيات الخطرة التي سينقذها الجنزوري، ربما يكون من سكان عشوائيات اّخري ، ربما لا يجد طعاماً البتة و لا سقف في هذا البرد القارس الذي يعذبني فس بيتي في الدقي أمام (حديقة الأورمان) .طبعاً لم يتعلم ، لم يجد حباً من أحد أو عطاءاً يزرع فيه ،لم يجد من هذا العالم سوي الكراهية و الاستغلال و الاهمال. و أنا بكل الفرق بيننا ،أرفض بكبرياء لأجل مثلي أن أعطيه المال ، و أقول لنفسي بتبريرات منطقية أنني لو منحته المال سيشجع هذا من يستغلونه ليستغلوا غيره ، مع أنني أدري أن الجنيه الذي قد أعطيه له أو لا أعطيه لن يفرق شيئاً مع مساغلوه و مسرحوه.
احتقرت نفسي و مبادئي و مثلي ، و كل شيء في . فكرت لو حاورته ، لو سألته لمَ يكرهني ، مع أني أعرف الاجابة ، لو هاجمني هو و قرناؤه و هدموا بيتي ماذا سأقول لهم ،كيف ستصل لهم كلمة "لا تكرهوني". لن ينفع أي دفاع سأسرده عن نفسي، فأنا مدانة لديهم في كل الأحوال. و قد قتلت عقولهم، قلوبهم ، أرواحهم مع روح الوطن بيد الكراهية و الاهمال و الاستغلال الذي ساهم فيه الجميع حتي أنا.
عدت أتذكر ماذا سأفعل ، أول ما خطر ببالي كان منظر الجنزوري و المثقفين و الجرائد و نشرة الأخبار ، منظر المجمع العلمي و هو يطعن بالكراهية مثلي تماماً. احتقر نفسي أكثر و أنا أتذكر حزني علي التراث المغتال.حزنت علي التؤاث ، علي الكتب ، علي التاريخ الذي دمره أطفال مثله قتلتهم الكراهية. اني فعلاً حقيرة،أبكي تراثاً و كتباً و أدين بشراً أطفالاً من لحم و دم قتلوا التراث ،اغتالوا الماضي ، كما نهش جثثهم الحاضر و قتل الغد الذي كان يمكن أن يكون بأيديهم.احتقرت كل الكتابة ، احتقرت كل الكتاب ، الذين –و أنا منهم- سيعودون ليكتبوا عن أولاد الشوارع و عما يشكلونه من ألغام ، و مما يجب أن نفعله لأنقاذهم.تذكرت كلمات مقال (د.خالد منتصر) عن أطفال الشوارع و تذكرت كيف وصف برودنا و اهمالنا لهم ، و للغرابة أدنته –أدنت استاذي- كما أدنت نفسي ،؛لأننا كلنا نكتب من فوق ، من برجنا البعيد المرتفع ،من قلاعنا العالية التي نخشي بكل وقاحة أن يصل اليها هؤلاء الذين نكتب عنهم و يحطموها.
عندما عدت وجدت في انتظاري طفل من أطفال الشوارع –مراهق- صديق لي هو و مجموعة اّخري من رفاقه .طلب مني نقوداً كما يطلبها دائماً و أرفض غالباً –لقيمي الحقيرة- أن أعطيها له.ترددت ، خفت منه ، لم يكن معي –لحسن الحظ- فكة و لا أمي و تركنا و هو يضحك.قارنت بينه و بين الطفل الذي طعنني ، ووجدت شيئاً داخلهم مختلف ، لم يكن هو و رفاقه يكرهونني ، بينما من طعنني كان يكرهني بصدق ،و كانت كراهيه تلمع بصفاء نادر خالِ من أي رحمة.و تذكرت حوار (أحمد السقا) مع (مفيد فوزي) عندما قال (أحمد القا) أنه مثل دور (تيتو) عندما رأي طفلاً يقول ل(مفيد فوزي) أنه يكرهه.
بغباء يميزني عقدت مقارنة بين الطفل الذي طعنني و أبطال رسوم متحركة يابانية طلاب في مدرسة شكلوا نادِ لعلاج الحيوانات و ارسالها للبراري بعد شفائها. مقارنة غبية و غريبة ، قارنت بين عملهم بعد المدرسة للانفاق علي الحيوانات الذي يعكس حبهم الحقيقي الصافي البرئ. الأبطال كانوا يضحون بصحتهم و مالهم من أجل الرحمة بالكائنات الضعيفة ؛لأنهم يملكون الحب ، بينما الطفل مستعد أن يضحي بالكثير ؛لأجل أن يطعنني و ينتقم من كل من يكره و أنا علي رأسهم.الفرق في الحب الصافي و الكراهية الصافية ، هو الفرق بين البيئة التي نمت فيها شخصيات الرسوم المتحركة في اليابان و البيئة التي نمي فيها الطفل في مصر. الفرق بين ما أخذه هؤلاء الأبطال و ما أخذه هذا الطفل.و لا أحتاج لأصف ما أخذه كل من الطرفين.
و ها أنا حقيرة أكتب. فخورة داخلي ؛لأني تمكنت من وصف مشاعري باتقان و كتبت مقالي يرضني مستواها و يرضي غروري . فخورة لأني كتبت شيئاً مميزاً و صادقاً من قلبي و عقلي . و عدت لحياتي و اشتريت الملابس( التي لا أحتاجها) و تمتعت بها و بمنظري بها في المراّة و تناسيت حتي كتابة هذا المقال ما حدث. و ركنت –بمهارة- الطفل في مكان مجهول في ذاكرتي و قد يختفي بعد أيام و ربما اليوم بعد أن أعود من فسحتي مع زميلة دراستي في نادي من أرقي نوادي مصر للشرطة مقابل للنيل.
أنا مثل الجميع حقيرة استغل و أهمل هذا الطفل و أستحق كراهيته. استغللته موضوعاً لمقالي الماهر ،و بعد أن استغللته علي أفضل ما يكون في مقالي عدت لأرميه بعيداً و أنساه لأعود لحياتي الطبيعية . فعلاً أنا أستحق كراهيته و المزيد ، حقاً اني حقيرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق