هلل كثير من أهل السياسة و المثقفين –حتي الليبراليين و العلمانيين منهم- بالدور المتنامي للأزهر في الحلبة السياسية المصرية ،بل و حرصوا علي مباركته و التواجد في كل وثيقة تأخذ ختم الأزهر.في البداية لم يكن الأمر ملفتاً بالنسبة الي،و رأيت تحذير (د. منار الشوربجي) في مقالها من وثيقة سياسية دستورية تحمل ختم الأهر مبالغاً فيه ، و لكن اليوم اتضح أن الأمر ليس هيناً ، و ليس أبداً بالايجابية الذي يبدو عليها.
الأزهر أصدر وثيقة التفت حولها القوي السياسية بكافة أطيافها ، و لم تنبث ببنت شفة اعتراضاً علي أي بند فيها ، بل وحيت الأزهر علي الدور الذي لعبه باصداره هذه الوثيقة .وعندما اعترضت التيارات السياسية الاسلامية علي كلمة (مدنية) في وثيقة السلمي ،استبدلت ب( ديمقراطية ) الموجودة في وثيقة الأزهر. الأمر ليس فقط استبدال كلمة مكان كلمة ، و لكن المرعب حقاً هو أن تستبدل كلمة من وثيقة تصدرها قوي سياسية باشراف نائب رئيس وزراء ، لتوضع مكانها كلمة من وثيقة مصدرة من مؤسسة دينية. و كأن الوثائق المصدرة من مؤسسات دينية يمكنها أن تأخذ شرعية سياسية بقوة شرعية وثائق الحكومات و القوي السياسية. انها خطوة أولي لجعل الأزهر و هو مؤسسة دينية لاعب فعال في الساحة السياسية و هذا يضرب عرض الحائط مبدأ فصل الدين عن السياسة ، بل و يجعل رجال الدين في الأزهر لاعبين سياسين من الدرجة الأولي، و طبعاً يقضي بالضربة القاضية علي مبدأ مدنية الدولة.
الوثيقة الثانية للأزهر و لقاء القوي السياسية الذي دعا له الطيب ، ربما حمل افكار ايجابية ،و ربما تمكن من فعل المحال و الخيالي بأن جمع القوي السياسية لتتفق علي وثيقة واحدة تكاد تكون فارغة سوي من مبدأ تسليم السلطة في موعدها ،الذي لا يختلف عليه أحد أبداً ، و لكنها امتداد واضح و صريح لدور الأزهر و غمس ليده في الحياة السياسية المصرية ، و خطوة في بناء ثقل للأزهر في الميزان السياسي المصري.
لست ضد وثيقة (الحقوق الأساسية) ان كانت ذات معني عالمي؛لأني لا أعتقد أنه من الخطأ أن يكون للأزهر موقف سياسي عالمي مثل القاتيكان. لابد أن يعود الأزهر لمكانته العالمية و يكون له موقف أخلاقي ضد الجرائم الشنعاء في الدول ذات الأغلبية المسلمة و الدول التي بها أقليات مسلمة ، و حتي الدول التي لا يوجد مسلمون بها.أكاد أجزم أنه يجب أن يكون الأزهر بقوة القاتيكان عالمياً و أن يكون له مواقف أخلاقية بالدرجة الأولي لا لدعم المسلمين و قضاياهم و حسب و لكن لدعم كافة قضايا العدالة و المساواة –كقيم اسلامية – في العالم, و لكن هذا الدور –أعتقد –أنه من المفترض أن يكون بدون موقف سياسي واضح مع طرف ضد طرف و لكن موقف عام مع المبادئ السامية.
و لكن الدور العالمي السياسي للأزهر لا يفرض بالضرورة أن يكون له دور محلي قوي.عندما خرج الاخوان لطمأنة المختلفين معهم بالقول أنهم سيعودون للأزهر كمرجعية ،جعلني الأمر استشعر الخطر الزاحف لا أطمئن. عندما يخرج أقوي فصيل سياسي في البرلمان الحالي المؤقت ليقول أن مرجعيته مؤسسة دينية يثير هذا التساؤل حول طبيعة الدور السياسي للأزهر في المرحلة القادمة. كيف نكون دولة غير دينية و نحن نتخذ من الأزهر و رجاله مرجعية سياسية؟ الدولة الدينية هي دولة تجعل رجال الدين يعبثون في السياسة و يرتعون كما يبغون ، و تجعل المؤسسات الدينية لاعب رئيسي قوي و ذا وزن ثقيل في ميزان القوي السياسية.هل نريد أن نكون دولة دينية تعود لرجال الدين و المؤسسات الدينية قبل أخذ أي خطوات سياسية؟هل نقبل أن تلعب الكنيسة المصرية الدور ذاته ؟ هل نقبل أن يكون هناك أحزاب تعود للكنيسة لأخذ الفتاوي السياسية؟ ان كنا لا نقبل فهذا تناقض ، وان كنا نقبل فهذا الطامة الكبري.
نحن نكون ميزان القوي في الدولة المصرية الجديدة. ميزان القوي لم يتحدد بعد ، الانتخابات الأخيرة حملت مؤشرات كثيرة و لكنها ليست نهائية ، فنحن نحتاج لعفد علي الأقل به ثلاث دورات برلمانية لنحدد ميزان القوي الجديد في مصر. سيكون الاخوان- حسب المؤشرات الحالية- قوة ربما الأثقل في الحلبة السياسية و كذلك السلفيين و بعض القوي الليبرالية و قد يكون للشباب مستقبلاً ثقل أيضاً –لا أحد يدري- ، و اذا صار الرئيس شرفياً لن يكون له وزن و ان صرنا نتبع نظام رئاسي أو مختلط فسيكون لاعب ثقيل هو الاّخر ، نحن مازلنا نشكل الميزان السياسي ، فهل نريد أن يكون الأزهر أو الكنيسة لاعب له وزن أيضاً؟هل نريد أن تدخل المؤسسات الدينية كطرف في هذا الميزان مستقل أو يرجح كفة علي اّخري؟ هذه لعبة من الاستخفاف و السفه أن يقال عنها خطرة و حسب بل هي شديدة التدمير. دخول المؤسسات الدينية كثقل في ميزان السياسة يعني أننا قد نتحول لدولة دينية أو قد تستغل القوي الموجودة هذه المؤسسات الدينية لتقوي بها و لنا أن نتخيل حجم كارثية عواقب ذلك.
فالنتخيل لو حدث المرتقب و صار للأزهر ثقل كلاعب سياسي و حدث صراع بين الرئيس و البرلمان و استقطب أحد الطرفين الأزهر في صفه ،أي الأطراف سيكون أقوي ؟ الطرف الذي بحوزته سلطة دينية سياسية كالأزهرأم الطرف الاّخر؟ هل لو عارض الأزهر و هو قوة سياسية قرار سياسي لحكومة أو برلمان أو رئيس منتخب لمن ستكون الغلبة؟ طبعاً هذا يرتبط بحجم الامتداد الذي سيصل اليه دور الأزهر.
في النهاية وثيقة السلمي سقطت بتعديلاتها ، ووثيقة الأزهر مازالت حبر علي ورق ، و تصريحات الاخوان تتبدل مع تبدل الأوضاع و لكن الارتياع الحقيقي هو أن نترك الزمام ينفلت ، ونجعل للأزهر دور بثقل اللاعبين السياسي في الدولة المصرية القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق