السبت، 7 يناير 2012

لو كان الموت هو النهاية

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)

لم أكن أبداً أؤمن بأن الايمان هو تسليم بدون اقتناع. الايمان الحقيقي كان دائماً بالنسبة الي تفكير عميق في مبدأ أو فكرة بكل ما يضحضها و يؤيدها حتي الاقتناع التام بها و تطبيقها أو تطبيق منطقها و الدفاع عنها.أرفض فكرة جعل الفرد يؤمن بكل المبادئ و الصواب و الخطأ بدون تفكير و اقتناع و أرفض التسليم بحتي الأفكار التي تقوم عليها الأديان كالوحدانية و وجود ملائكة و حساب بعد الموت بدون تفكير مفصل فيما ضد هذه الأسس و فيما يؤكدها.لأن من يؤمن بفكرة أياً كانت بدون اقتناع سيكون خاسراً في أي مناظرة فكرية من أي طرف لا يؤمن بهذه الفكرة و قد يزعزع هذا ايمانه الزائف بها .

الايمان بوجود حياة بعد الموت فكرة شديدة الصعوبة اذا ما فكر بها بتجرد من المنظور الديني . يصعب علي الانسان الايمان بشيء لا يراه ،و لا يشعر به. لم يرَ حي الموت ليدرك أن بعد الحياة حياة أو حساب ، و كم يسهل انكار الأفكار اذا ما لم يعشها المرء . عندما فكرت طويلا ً و اطلعت علي ثقافات لا تؤمن بوجود حياة بعد الموت فكرت من جديد من منظور اّخر و من زوايا مختلفة في فكرة الحياة و الحساب بعد الموت.

أول الأفكار الشهيرة التي تدعم وجود حياة اّخري و حساب هي (غياب العدالة المطلقة في الحياة) . ربما يحلو للبعض القول بأن الحياة ظالمة ،و لكن الحياة ليست ظالمة ، انها عادلة ،عدالة نسبية .هناك أبطال يموتون و هم في نظر المجتمع و التاريخ مجرمون . و هناك مجرمون و مفسدون يتحولون بزيف الي أبطال مخلدين و يبكيهم شعبهم بالدماء بدل الدموع. و لكن دائماً يأتي وقت يظهر الحق جلياً و يعود المجرم منكساً و البطل مزهواً و ان ماتت الحضارة و مضت الألفيات. هذه عدالة و لكن هؤلاء الذين ماتوا بدون حقوقهم و استعادوها بعد موتهم لم يحيوا حياة يستحقونها ،و العدالة التي حصلوا عليها لم يعيشوها. هناك فقراء شرفاء يموتون مغذبين و مرضي؛لأنهم لم يقبلوا بيع أنفسهم ، و هناك أثرياء يموتون في عز و هناء و هم اّكلوا جلود المحتاجين و قد تحصل ثورة و لا يحيا هذا الفقير أو ذاك الغني ليرانها و لكنها ستأخذ حق الجميع بأثر رجعي لم يحيوا ليروه. و أعتقد أن كل البشر سواسية في الهناء و الشقاء و لكن الفرق هو توزيع وجوه الهناء و الشقاء ، فهناك من يملك المال و يفتقد الأسرة و التمتع بماله ، و هناك من يملك الأسرة و يفتقد المال و الصحة ،و هناك من يملك الأمن و يفتقد السعادة و الأسرة و المال ،و هناك من يحيا وسط الحروب و بدون مال أو صحة و لكن قد يمتلك القدرة علي الابتسام و السعادة رغم كل ما حوله. انها عدالة و لكنها نسبية لا مطلقة.

باختصار عدالة الحياة مؤجلة أو نسبية ، و الايمان برب عادل يقتضي الايمان بوجود عدالة مطلقة في مكانِ ما.و أعتقد أن الايمان بهذه العدالة المطلقة ، حيث يحصل المحسن علي جزاء احسانه ، و المسيء علي جزاء اسائته ، و يعرف الشريف و القذر بدون تزييف ،يكمن في الايمان بيوم الحساب حيث تتحقق العدالة المطلقة للجميع. حيث يري المظلوم حقه يعاد اليه رؤي العين و يري الظالم نفسه يحاسب أمام الجميع.و يعيش المحسن حياة حسنة و يحيا المسيء حياة يستحقها .
ثاني فكرة هي فكرة الفراق . لو كان الموت هو النهاية لكان فراق الجميع بالموت هو لحظة الوداع ، لحظة اللقاء الأخير.اذا اّمن المرء بوجود حياة اّخري بعد الموت سيؤمن بأن من يودعهم عندما يرحلوا سيلقاهم مجدداً .عندما نفارق شخص نحبه و نحن نؤمن بأننا سنلقاه لن يكون الأمر مدمراً كما الايمان بفراق شخص لن تجمعنا به الأيام مرة اّخري. الايمان بحياة اّخري مرتبط بالايمان باللقاء الجديد. أعتقد أن حرمانية الندب و الانهيار بعد رحيل المحبوبين مرتبط بأن المؤمن بالاّخرة مؤمن بلقاء اخر.

ثالث فكرة هي التشبث بالحياة و متعها.لو كان الموت هو النهاية ، فمن المنطقي أن يسعي المرء بكل السبل ليحيا حياة ممتعة يستشعر فيها كل لذاتها قدر استطاعته ؛لأنه لا يوجد لها كرة اّخري و بمجرد نهايتها لا يستطيع أن يشعر بأي من لذاتها.كنت أسخر دائماً من الفكرة الشهيرة التي تتكرر في الأعمال الدرامية الغربية و الاّسيوية عن الأشخاص الذين يبحثون عن الحياة الأبدية بأي ثمن، لم أفهم حقيقة هذه الفكرة الا قريباً. عندما يؤمن الانسان بأنه لن يحيا بعد الموت يحاول أن يؤخر موته بأي طريقة ؛لأنه لا يريد أن يحرم من لذات الحياة.الانسان يتحول الي كيان جامد بدون روح يبحث عن لذاته الحسية فقط التي يراها ستنتهي بمجرد موته.

حتي فكرة التضحية بالحياة تصبح أكثر أسطورية،و تتوهج حولها هالات القدسية ألمع و أبرق. فالانسان الذي يعيش حياة مرفهة و ان ملأتها المصائب ، و يؤمن بأنه لن يحياها مرتين و يضحي بها بكل ما فيها ،هو بالتأكيد بطل عظيم ؛فهو في منظوره و منظور مجتمعه قدم أغلي تضحية يمكن أن تقدم. ضحي بحياة لا تعاش مرتين و بمتع حياته كلها ،لأجل قيمة نبيلة أو وطن أو أشخاص.بايجاز عدم وجود حياة اّخري يجعل الحياة أثمن شيء في الوجود ، يجعلها أغلي من اللؤلؤ الأسود و الياقوت و الضرر الثمينة و يجعل غريزة( حب البقاء) غريزة أقوي مما سواها ، و يحتاج المرء أن يكون قديساً حتي لا تجعله يدوس من حوله لأجلها.

حاولت أن أضع أفكاراً مبدئية حول فكرة الحياة الاّخري بعيداً –الي حد ما – من المنظور الديني في هذا المقال ، و سأحاول في مقالات اّخري أن أوضح أفكاراً اّخري . و لكن المهم أن يحاول كل شخص أن يؤمن باقتناع بالأفكار المسلمة حتي و ان وجد صعوبة في ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق