الخميس، 27 أكتوبر 2011

البلطجية

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)
     أغلبنا يعتبر البلطجية مجرمين لا جزء من المجتمع ، يستحقون أقصي عقاب وضرب مبرح أينما ثقفناهم ، و البعض يتمني تعذيبهم و لا يبالي بحقوقهم كبشر حتي ، بل ربما ينكر بشريتهم.و لكن لم نفكر أبداً أن  نضع أنفسنا مكانهم  أو أن نسأل عن ظروفهم و كيف تحولوا من بشر الي مجرمين و قتلة  لا يشعرون بأي خطأ فيما يفعلونه حتي و ان كان بيع الوطن للخونة ، الأعداء و الفاسدين؟ كيف  صاروا الجذوة التي  تبدأ نيران الفتنة و تحرق كل أخضر علي الأرض السمراء؟ كيف صاروا بلامبادئ تحكمهم ؟ كيف صاروا دولة داخل الدولة ؟ ألف كيف تطاردنا ان فكرنا و الاجابة الوحيدة التي أعرفها اليوم هي أنهم نبت خرج بلا ماء و لم يجد له هواء و لا شعاع شمس يميل نحوه، و لكنه صار خطراً يصعب انتزاعه .
      انهم مثلنا بشر و لكن الفرق بيننا هو البيئة التي نشأنا فيها ، لا أتصور أن من ينشأ في مجتمع المهمشين العشوائي يمكن أن يكون سوياً. كل شي حوله مشوه ،بلا منزل ، عشة يسمونها منزل يقنها مع ستة من أشقائه ، ينامون معاً بنات و صبيان مع والديهما . بيئة مناسبة لزني المحارم و تدفع الفتيات للبغاء  و الفتية  للعمل في السرقة و البلطجة . بيئة تدفع الأطفال نحو الادمان في السابعة من العمر ، بيئة فيها كل شيء مباح مادام مستطاع ، حتي الاغتصاب و التحرش و القتل .بيئة لا تخضع للقانون ، دولة داخل الدولة لا تدخلها الشرطة الا ان ظهر فيها ما يهدد النظام.
      أزمة اللا قانون  مناطق لعقود لا يطبق فيها القانون ، هل سيعرفه حتي من فيها؟ بلطجيستان بقوانينها ، و أعرافها ، و تقاليد الغاب . نحن جميعاً نعلم كم استفاد النظام السابق من سكان البلطجيستان  و كم كان من مصلحته أن يبقوا له جنود مرتزقة يستعملهم وقت اللزوم .و كما صاغ ذاك النظام الظروف النموذجية لبناء البلطجيستان حرص علي امدادها بالمال من وقت لاّخر لتظل تحت و لائه ، و عندما رحل وجد اّخرون مصالحهم في هؤلاء المرتزقة في ماسبيرو و السفارة و معارك اّخري.
     كل هذا نعرفه و لا ما لا أظن  الجميع يدركه أنه ربما كان من الممكن أن يصير هؤلاء المرتزقة جنود جيش ، شرطة ،أطباء ، لو كانت حياتهم و محيطهم أفضل. لو كان وجوا ماءاً بلا صرف ، مدارس حقيقية تربيهم و تعلمهم ، طعام يملؤ بطونهم بدلاً من اشهار السلاح لنيل رغيف خبز، عمل يعرفه ما هو الشرف، بيت فيه فء يعلمهم ما هو الأمان . عائلة و قيم ، مجتمع  يقبلهم لا يلفهم لفقرهم و عجزهم ، ثم يعذبهم و يقتلهم لجرمهم.
          أعلم جرائمهم ، و أعلم أن الكل يكره أن يقتل أبوه علي أيدهم ، أو يخسر ما بناه في عمره بسببهم ، أو يري بناته يغتصبن أمامه  تحت وطأة مطواتهم. و لكني أعلم أننا أجرمنا أيضاً في حقهم  عندما لم نسأل عنهم ، أولينا ظهورنا و قلنا و ما علاقتنا بهم ، تركناهم لعقود يزرعون بأيدي مستعمري  النظام السابق و يسمنون بأيي جزاريه .نسيناهم و تركناهم يواجهون مصيرهم و نحن نعمي أبصارنا عن القنبلة التي تضغط و تضغط شيئاً فشيئاً ثم تفاجأنا عندما انفجرت!
      الاّن و قبل فوات الأوان انها فرصتنا الأخيرة، يجب أن ننقذهم لننقذ أنفسنا . أمامنا خياران الاّن اما أن نمد يد العون لهم و نغير البيئة التي تلد كل يوم مئات منهم ، و اما أن نظل نهمشهم و  نولي -كما نفعل دوماُ -ظهورنا لهم ونتركهم يزدادون كل يوم  و ندفع الثمن و لا نلوم الا أنفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق