الخميس، 25 ديسمبر 2014

عندما يؤلم الحضن

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

  أحيانًا تكون المباديء أنانية و كبرياء شريرين. أحيانًا تكون البطولة أكبر خطيئة. أحيانًا يكون العجز عن الصمت قمة الجحود.
  فيما مضي أخطأت و جرحت، و أنا أظن أنني الحق، و أنا أظن أنني الأعلي و من بجواري الدنيؤون. فيما مضي تمسكت بكريائي بمبادئي، و دفعت الثمن أني أجرمت في حق من أحبني.

  عندما فقدت من أحببت علمت أني أسير علي طريق ليست هي الحق. علمت أن المباديء أحيانًا محض كبرياء و أن التمسك بها قد يوصل لإجرام مقنع بظننا أننا الحق. أدركت أني لست مختلفة كثيرًا عن الإرهابي/ة الذي/ التي يظن/تظن أنه/ا علي حق، الفرق فقط في المبدأ و في طريقة الإجرام.

  مؤخرًا وصلتني رسالة شفهية من الأمن أمام أمي بأن أتوقف عن الكتابة التي تمثل خوضًا في مفاهيم و أفعال سياسية و اجتماعية مختلفة عن إرادة النظام و المجتمع المصري. حينها إنهرت عصبيًا بكيت و صرخت كثيرًا. لم أصرخ من قبل، لكنني حينها لم استطع أن أكتم صرخاتي. صرخت؛ لأنني لأول مرة أعرف معني أن أعجز عن كتمان ألم الذنب. صرخت؛ لأنني كرهت نفسي كما لم أكرهها قط.

  كرهتها؛ لأنها تؤذي. كرهتها؛ لأنها عاجزة عن ألا تصرخ. صرخاتها قلمي.  لا استطيع أن أخرس قلمي و لا أصرخ. كرهتها؛ لأنها تجرح أمي و ستجرحها أكثر و أكثر كل مدي. كرهتها؛ لأن أمي لا تستحق فتاة مثلي، لا تستحق فتاة لا تستطيع أن تؤثرها عن نفسها، عن ألمها، لا تستطيع أن تكتم صرختها، لا تستطيع أن تخرس قلمها، لأجل أن تحميها من الألم.

 تمنيت لو كانت ابنتها فتاة منافقة تستطيع أن تعيش حياتين و لا تواجه المجتمع. تمنيت أن تكون ابنتها فتاة بسيطة لا تهتم بالسياسة و لا بالمجتمع. تمنيت لو كانت ابنتها فتاة مستسلمة تقبل بالقمع، و لا تجد فيه ألمًا. تمنيت لو كانت ابنتها حتي مفتقرة للإنسانية تستطيع أن تري من حولها يتألمون و تصمت. تمنيت لو كانت ابنتها مريحة لا مؤلمة. تمنيت أن تكون أي فتاة ابنتها ما دامت لن تتسبب لها في الجرح مثلي.

و داخلي تمنيت أن تموت لترحم مني. إن مت أنا لن تستطيع أن تعيش دوني، بلا مبالغة قد تجن أو تنتحر. و إن ألقي القبض علي، لن تستطيع أن تعيش مع الفضيحة، و خاصة عندما يجرحها والدي و يقول لها أنها دللتني و فشلت في تربيتي؛ لأنني لم أعرف معني القمع الأبوي. و لن تستطيع أبدًا العيش و هي تعلم أنني في السجن. هي لا تتحمل بعدي. لا تتحمل أن أبقي خارج المنزل يومًا كاملاً من الصباح للمساء بسبب ظروف دراستي الجامعي و بعد جامعتي الجغرافي. لا تتحمل أن تبيت ليلتها بعيدة عن حضني حتي في غرفة مجاورة في ذات المنزل. لن تتحمل بعدي، و قد تموت بغيبوبة سكر. أنا فعلاً لا أبالغ.

لذلك أنا مجرمة، و قد أصير قاتلة في أي لحظة.  قد تموت أمي بسببي و بسبب عجزي عن الصمت. قد تموت؛ لأنني إنسانة. لذلك كرهت نفسي و كرهت كوني إنسانة. لذلك تمنيت لو لم أكن إنسانة، لو كنت مجرمة، أو حجر، أي شيء إلا إنسانة. تمنيت لو كنت أي شيء لا يجرحها.

لكنني عاجزة  عن ترك قلمي، أو الصمت عن الإجرام في حق من حولي. لا استطيع ألا أصرخ عندما يجرحني الظلم حولي، و يغوص الجرح عميقًا داخلي. أقسم أني عاجزة.

حضنها حتي يؤلمني. عندما بكيت و صرخت، لم أجد سوي حضنها أرتمي فيه.  داخلي كان صراع بين إحتياجي لحضنها، و إيلامه. حضنها اّلامني أكثر و أكثر؛ لأنها تعلم كم أؤذيها و أعذبها معي و مع ذلك تحبني، و لا تستطيع أن تراني أتعذب و لا تعطيني حنانها. حضنها زاد عذاب الذنب، زاد كراهيتي لنفسي. 

سأجرم، بل أجرم الاّن في حق من أحببت، و أحبتني بجنون، أجرم؛ لأنني إنسانة، و لأنني لا استطيع الصمت. لن تفيد حتي كلمة "سامحيني". لن يفيد أن أسألها الغفران لأني لست بوجهين أو  لأني إنسانة.
 

كيف يصير الدم يسيراً؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

 يسهل علي اساتذة العلوم السياسية أن يبنوا نظريات تبدو عميقة و معقدة عن سيادة الدولة و احتكارها لاستعمال القوة، و ردعها للإرهاب. يسهل عليهم أن يبرروا قمع الأقليات و اضطهادها، و الترويج لأفكار فاشية مادامت تبدو ضامنة لحماية مفاهيم مثل "الدولة" و "الأمن العام" و "النظام العام" و "الكرامة الوطنية" و "السيادة". يسهل عليهم حتي الدفاع عن أعتي الجرائم بينما يتم التصفيق لهم و تبجيلهم و اعتبارهم المصدر الوحيد المعترف به للحقيقة في مجال السياسة "المصدر الأكاديمي".

و يسهل أكثر علي من يسمون "رجال الدولة" و "رجال السياسة" و "رجال الأمن" استخدام تبريرات اساتذة العلوم السياسية كغطاء فكري سياسي لجرائمهم. و يسهل عليهم الإيمان بأن المختلفين عنهم، و الذين يهددون سلطتهم "خونة" و يجوز التعامل معهم بكل صور الإجرام ضد إنسانيتهم لأجل حماية المفاهيم البراقة مثل "الوطن" و "الدولة" و "الأمن العام" و "النظام العام" و "السيادة".

يسهل عليهم جميعًا ذلك؛ لأنهم لا يتعاملون مع السياسة كحياة بشر. اساتذة السياسة كثير منهم لم يجربوا قط الحياة مع بشر ممن يصفون ب"مهددين لأمن الدولة" و "متحدين لسيادتها" و "إرهابيين". و "رجال الدولة" و "رجال السياسة" و "رجال الأمن" لم يعيشوا مع من يعتبرونهم "خونة" و "عملاء" و "إرهابيين". إن رأووهم بشرًا لا مجرد أفكار دنسة لن يستطيعوا أن يرتكبوا ذات الجرائم اللإنسانية ضدهم بدم بارد. 

المعتقلون بشر، لهم علاقاتهم بأهلهم، بأصدقائهم، بناس عاديين أخرين. الشهداء بشر لهم من يتألمون عليهم، و لا يستطيعوا أن يتخطوا صدمة فقدهم. إنهم ليسوا مفاهيم و عبارات جافة، و لا الكياينات -التي يدعي علماء السياسة من مكاتبهم المكيفة أنهم يهددونها - هي الأخري مفاهيم و عبارات جافة كذلك. "الوطن" هو مجموع أفراده بكل اختلافاتهم، و أفراده هم كل قاطنيه بلا استثناء. "الأمن" هو أمن هؤلاء البشر و لا أمن أي مؤسسة. بل حتي المؤسسة عبارة عن بشر من لحم و دم لا مجرد مفهوم.

من مصلحة كل نظام فاشي و قمعي أن يتحول البشر و الكيانات لمفاهيم، هكذا يصير أسهل عليه الإجرام بحقهم بدم بارد. "باومن" له تفسير جيد لتلك الفكرة في كتابه "الهولوكوست و الحداثة"، و يرصد فيه كيف يمكن التغاضي عن الإجرام ضد الإنسانية إن حولنا البشر لمفاهيم، و لكن ما قد ينقص "باومن" أن حماية النظم الديكتاتورية تحتاج تحويل الكيانات كذلك لمجرد مفاهيم، لا كبشر متحدين. حينها يصير اللامنطقي منطقيًا، حينها تصير عبارة "مصر فوق الجميع" منطقية، و لا يخطر لأحد أن ينقدها و يهتف "مصر هي الجميع".


الجمعة، 19 ديسمبر 2014

أيديولوجيا النظام الحالي

 ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

  هناك كثيرون يصعب عليهم تفسير سياسات النظام الحالي التي تبدو لهم متناقضة و لا تنتمي لأيدولوجيا واضحة. يحاولون أن يضعوا تعريفًا يصف هذا النظام فيفشلون؛ لأنهم لا يجدون له نمطًا محددًا، و مواقف ثابتة يمكن من خلالها قراءة توجهه الفكري. الخطأ الذي يرتكب هو تحليل هذا النظام من خلال نظرة علوم سياسية تحلل أنظمة الحكم المختلفة. تحليل هذا النظام  يتطلب ما هو أكثر تعقيدًا و بساطة. تحليل الأفكار الاجتماعية خلفه.
     وصف هذا النظام بالمتناقض ينبع من حرصه علي التضييق علي الحريات الدينية مثل منعه لكثير من الدروس الدينية، و في ذات الوقت التربص بكل من يمثلون خروجًا علي أفكار الدين و العرف مثل المثليين و الملحدين بل و التعامل معهم بأقصي درجات العنف و اللاإنسانية. في البداية وقف بجواره كثير من من يدعون الليبرالية و اليسارية ثم فوجئوا بأنه لا يستهدف القضاء علي الإخوان و محاربة الفكر الإسلامي، و لكنه يستهدف كل ما يمثل خروجًا عن فكره، أو حتي تبني أيديولوجيا واضحة.
        نظام عبد الناصر عرف عنه قمعه للفكر الإسلامي و اليساري و تضييقه الخناق علي كل ما هو "إسلامي". لكن عرف عنه كذلك كونه مدنيًا، و مرونته في التعامل مع الاختلافات العقائدية و الاجتماعية. لم يعرف عنه مثلاً قمع الملحدين كملحدين (و إن عرف عنه الفتك بالشيوعيين) و عرف عنه تقبل بعض الأوضاع المنبوذة اجتماعيًا مثل وجود نوادٍ للمثليين.
          نظام مبارك ربما يعد الأقرب لنظام السيسي؛ لأنه تبني ذات الاّلية في مهاجمة "الكل". و يعني بذلك مهاجمة كل ما يمثل خروجًا عن قواعد المجتمع أو السلطة السياسية مثل الإلحاد أو المثلية أو تغيير العقيدة أو الإشتراك في النشاط السياسي الطلابي أو حضور الدروس الدينية أو الذهاب للمساجد بانتظام.
           أزمة هذه الاّلية أنها تعجز الكثيرين عن فهم العقيدة التي تقبع خلف القمع. هي ليست عقيدة دينية؛ لأنه يهاجم الحريات الدينية. و ليست عقيدة مدنية؛ لأنه يعتدي علي حريات الأشخاص، لكنها عقيدة فكرية أكثر تعقيدًا. إنها عقيدة اجتماعية بالدرجة الأولي. بمعني اّخر القمع مصدره فكر اجتماعي لا سياسي، و العقيدة التي تحدد ما يقبله النظام هي أفكار المجتمع و العادات و التقاليد المقبولة لغالبية أعضائه.
           النظام السياسي الديكتاتوري في مصر الاّن هو أقرب لصورة مكبرة للمجتمع. القبول بالحكم المطلق للحاكم و تقديسه و حتي خطابه العاطفي يرتبط بصورة الأب الاجتماعية ببعدها العنيف و العاطفي في اّن واحد. صورة الدولة البوليسية تشبه عصا الأب عندما يتعامل مع أبنائه الخارجين عن قواعده في الأسرة المصرية التقليدية. الأب في الأسرة المصرية التقليدية لا يخطأ و لا يسمح لأحد بأن يعصاه أو أن يناقشه حتي و إلا يدفع الثمن بالعصا.
             السلوكيات التي يرفضها المجتمع مثل الخروج عن الدين بتغيير العقيدة أو بالإلحاد تتعامل معها الأسرة إما بمحاولة إعادة الطفل الضال –الذي تؤمن الأسرة بأنه تم التلاعب بعقله أو أنه يعاني من حالة نفسية- للتقوي بعرضه علي شيخ أو طبيب نفسي أو تضربه أو تطرده أو تحبسه. و هذه استراتيجية مشابهة لما فعلته الدولة عندما بدأت حربها علي الملحدين بتنظيم مجموعة لمحاربة الإلحاد بين أعضائها طبيب نفسي ثم أخذت خطوة أكثر عدائية عندما بدأت تتربص بأماكن تجمعهم و تغلقها.
             المثلية مشاعر و ميول يرفضها المجتمع بقسوة و يؤمن بضرورة إفناء أصحابها، و هذا هو موقف الدولة تمامًا، فهي تعمل علي الترصد بالمثليين و مطاردتهم و حتي البحث عنهم بوضع مخبرين علي مواقع تجمعهم الالكترونية. ثم عند القبض عليهم تعطيهم أسرع أحكام قضائية و تعرضهم لأبشع أنواع التعذيب البدني و الاعتداء الجنسي الذي قد يصل للاغتصاب.
               مجتمعنا ليس مدعيًا للتعصب، بل يدعي تمسكه بالدين المعتدل و رفضه لكل صور التشدد. و الدولة ترفض كل صور التشدد كذلك (بتعريفها هي للتشدد) و لا تخنق علي أي مظهر ديني مقبول اجتماعيًا مثل الحجاب، لكن تخنق علي المنتقبات مثلاً.  بمعني اّخر تقبل من التدين الدرجة التي تتبعها الأغلبية، و تعتبر كل تجاوز لذلك الحد تعصبًا و علامة علي السير في طريق التطرف.
                باختصار هي دولة أقرب في أيديولوجيتها للأسرة المصرية التقليدية، و يمكن قياس ما تقبله و ترفضه و طريقة تعاملها معه بالنظر للأسرة المصرية التقليدية و هيكلها الديكتاتوري القمعي. و أقرب نموذج للأسرة المصرية التقليدية التي ينبع منها النظام السياسي القمعي الحالي هي أسر ضباط الشرطة. أسر ضباط الشرطة تتراوح حرية الملبس فيها بين النصف كم و تناورات أسفل الركبة إلي الحجاب "المعتدل". و أفرادها يحرصون علي الصلاة أحيانًا، لكن صلاة الجمعة فرض أساسي أسري بالدرجة الأولي. أغلب الأسر الشرطية مسلمة لكن توجد أقلية مسيحية. و الأب غالبًا له سلطة مطلقة علي الأسرة، و يتمتع بقدر كبير من العنف، و يحرص كثيرًا علي الإيذاء البدني للأطفال (الذكور بالذات) لتعليمهم الإلتزام بكل القواعد التي يضعها هو.  و لا يمكن في هذه الأسرة خروج فرد ليعلن رأيًا سياسيًا أو دينيًا أو اجتماعيًا معارضًا للأسرة. و بالنسبة للحرية الجنسية فهي أصلاً كلمة لا تسمع أبدًا في تاريخ الأسرة، رغم التكرار اليومي للألفاظ الجنسية الخارجة من جانب الأب (الذي يبرر له ذلك بتعامله مع مجرمين طوال الوقت).
                    بنيان هذه الأسرة و فكرها فيه شيء من شفرة بنيان النظام الديكتاتوري المصري و أيديولوجيته، و تحليله يحمل معه تحليل هذا النظام. و لكن أكبر خطأ قد يرتكب أن ينظر لهذا النظام كأي نظام ديكتاتوري اّخر؛ لأن هذا النظام يكتسب هويته من النظام الاجتماعي المصري، و سر وجوده و مفتاح فنائه في هذا المجتمع.

               

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

و علي أن أسامح

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

    لم يكن أبدًا سهلاً علي أن أسامح كل من تتلطخ أيديهم بالدماء. لم يكن سهلأ علي أن أغفر دماء من أحب التي أراها قد تسيل في أي لحظة و علي أيدي اّخرين أيضًا أحب. لم يكن سهلاً علي أن أعفو عن من حولي و أنا أراهم يصفقون و يطبلون بل و يسيلون بأيديهم الدماء.
      أجل، ممن حولي و ممن أحب يوجد من تلطخت أيديهم و ستتلطخ مجددًا بالدماء. ممن أحب عبيد للسلطة يصفقون للدماء أو يخضعون لأمرها بإسالة دماء الأبرياء، بل حتي الأطفال لحماية مكانتها و سلطتها و قبضتها الطاغية الحديدية المطلقة.
       كثيرًا ما لا يعني كثيرًا أن أكتب. ما معني أن أكتب و  أشجب و أدين و انتقد ما تفعله سلطة فاشية مجرمة لا تختلف كثيرًا في نهجها عن نهج هتلر القومي الفاشي اللاإنساني. بل لا تختلف عنه حتي في بجاحتهما و إعلانهما للجرائم قبل ارتكابها.
         ما معني أن أكتب لانتقد من يجهرون بإطلاقهم النار علي المدنيين لمجرد رفعهم صوتهم برأي ضد السلطة و انتقادهم لها أو رغبتهم في إسقاط جبروتها ؟
         ما معني أن أكتب وسط شعب فاشٍ لا يبالي بل يفرح بإسالة السلطة للدماء، و جهرها بالمجازر؟
          كيف لي أن أسامح عبيدًا ينفذون أمر السلطة بقتل الأبرياء؟
           كيف لي أن أغفر لمن يقتلون من أحب؟
           و ما معني الكتابة ضد الفاشية الفاجرة؟
           لا أدري.
           لا أريد أن أصمت بينما تسيل الدماء.
           لا أريد أن أسأل عن دم أحد.
            لا أريد أن أحمل دم أحد.
             لكني لا أملك روحًا للكتابة. الروح ضاعت. و ما عدت أريد أن أكتب لمن لا يملكون قلبًا. ما عدت أريد أن أكتب لمن تغرق أيديهم في الدماء. ما عدت أريد أن أكتب لمن يصعب علي أن أسامح. ما عدت أريد أن أكتب لمن يرون الجريمة أمامهم جلية يجهر بها المجرم و يطبلون لها، بل و يشاركون فرحين فيها.
            ما عدت أريد أن أكتب بينما تسيل الدماء و كلامتي تبدو بلا جدوي، لا توقف نزيفًا.
             أعلم أن من أحب قتلة، و أعلم أن اّخرين أحب قتلي.
              و علي أن أري القتلي و أصمت،
               و علي أن أري القتلة و أسامح.
            و إن سئلت لماذا علي أن أسامح؟
               سأرد أن الكراهية تحيا علي الثأر و الفاشية تحيا علي الكراهية. و علي أن أكون مثالية حتي لا أحمل مستقبلاً دم أحد بالثأر، بالكراهية، بالفاشية.
                 مأساتي:
               علي أن أري من أحب قتلة و قتلي،  و أسامح !








     

الجمعة، 7 نوفمبر 2014

مجتمعات إنسانية مصرية

   (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة). 
  
    أزمة قبول الاّخر/ الأخري ترتبط بعدم وجود تعامل إنساني معه/ا. نحن نعيش في مجتمع تفضل كل مجموعة فيه الحياة بعزلة عن من حولها في صورة مجتمع مغلق خاص بها و هذا ما يزيد من سهولة تجسيدها في صورة فكرة مرفوضة لا بشر من لحم و دم ، ما يؤذيهم يؤذي بشرًا لا أفكارًا و حسب.
       أنا لم أعش هذه الحياة. اخترت أن أتعرف علي ناس مختلفين من مجتمعات مختلفة مغلقة علي نفسها و أدخلها جميعًا باختلافها، و أعرفها جميعًا كمجتمعات بشرية لا كأفكار. تعرفت علي مجتمع الإخوان و الإسلاميين و مجتمع اليبسار و الحركات الثورية و المجتمع المسيحي، و مجتمع ذوي الميول الجنسية الغير غيرية و مجتمع الطبقة الأكثر ثراًء و مجتمع عائلات ضباط الشرطة و مجتمع الجامعة الأمريكية (مجتمع الجامعات الأجنبية) و المجتمع الملون لجامعة القاهرة و حاولت أن أدخل مجتمع أولاد الشوارع و لكني أجلت التعمق في هذه التجربة قليلاً للمستقبل.
       كل مجتمع دخلت (سواء كنت جزء منه أو زائرة) كنت أبدأ باستغرابه أو رؤية مدي احتلافه عني (حتي و أنا جزء منه) ثم أعرفه و أعرف كم هو قريب مني رغم اختلافه. كل مجتمع كنت أحبه تدريجيًا و أعرف كم جميلون من هم جزء منه. كنت أعرف كيف أحبهم كبشر، و ينتهي بي الأمر و قد ارتبطت بهم من داخلي. و الدرس الذي أود أن أعلمه لكل فرد أن الأفكار النمطية عن كل مجتمع مختلفة جزريًا عن حقيقته و تصديقها ظلم.
       مجتمع الإخوان محافظ، لكنه ليس متعصبًا كله كما يروج عنه، و هو مجتمع مصري بسيط و دافيء، و طيب، و مائل للمصرية أكثر من الخليجية. مجتمع اليسار و الحركات الثورية مجتمع فيه بعض العيوب مثل الإقصاء و النزاع علي الثورية و الفخر بالمقاومة، لكنه كذلك مجتمع شجاع، و أفراده يواجهون أحيانًا ضغطًا اجتماعيًا قبل الضغط السياسي، خاصة بناته. مجتمع طابعه يشبه أسماء أفراده "رفاق"؛ و علاقاتهم تشبه هذه الصفة.  و يوصف بالانفتاح؛ لأن مرجعيات أفراده المختلفة تجعلهم يختلطون بمختلفين عنهم، و يتعلمون أن يقاتلوا بجوار مختلفين عنهم الظلم، و مع القتال سويًا يعرفون بعضهم و يقبلون اختلاف بعضهم.
        المجتمع المسيحي مجتمع يتصف بالمحافظة، و لكنه (خاصة البروتستنتي) بدأ في كثير من الجوانب ينفتح أكثر و يتقبل الحوار في التابوهات. هو ليس مجتمعًا مختلفًا جدًا عن المجتمع الإسلامي، و المتشددون فيه ليسوا مختلفين كثيرًا عن المتشددين الإسلاميين. مجتمع ذوي الميول الجنسية المختلفة، مجتمع مختلف كثيرًا عن الصورة الذهنية له. المجتمع يراه فاسقًا و فاجرًا و منحلاً و يري ذكوره "خولات" لكن حقيقة هذا المجتمع مختلفة. أفراده جزء من المجتمع الكبير بكل اختلافاتهم، و منهم متدينون. و ذكوره ليسوا "خولات" كما يقول عنهم المجتمع بل منهم من هم أكبر من مجرد "رجال"، من هم بشر، يشعرون و لديهم مشاعر إنسانية راقية، و منهم من يتمتعون بقوة و صلابة أمام المجتمع لا يملكها أغلب الذكور الذين قابلتهم في حياتي.
          مجتمع الطبقة الأكثر ثراًء و مجتمع الجامعة الأمريكية (الجامعات الخاصة) مجتمع مصري يظهر بمظهر منفتح و لكن لمن يعرفونه بعمق، يعرفون أنه مجتمع مصري محافظ، و لكن يظهر بمظهر غربي من الخارج، و لكن اختلاط أفراده بالفكر الغربي يجعل بعضهم (لا الغالبية) ينفتحون علي قبول قدر من الاختلاف، لا الاختلاف الكامل عنهم.
        المجتمع الملون لجامعة القاهرة يستحيل وصفه؛ لأنه ملون جدًا، و ليس بالضرورة أقل انفتاحًا من مجتمع الجامعات الأجنبية –كما يظن الكثيرون-. مجتمع عائلات ضباط الشرطة هو أيضًا مجتمع محافظ، و مجتمع بشري مختلف تمامًا عن الصورة الذهنية لجبروت و قوة ضابط الشرطة.

       المشترك بين علاقتي بكل تلك المجتمعات أنه يستحيل علي بعد معرفتي بها ألا أحب أفرادها كبشر أو أن أري أيًا منهم مستحقًًا لأي اضطهاد يمارسه المجتمع ضده. علاقتي البشرية بهم علمتني أن أحبهم كبشر و أن أري الجمال فيهم باختلافهم. أود لو يأتي يوم تنفتح فيه هذه المجتمعات علي بعضها، و تعرف و تحب بعضها، و لا تري أن أيًا منها يستحق القتل أو الرجم أو السجن لمجرد كونه جزء من مجتمع مختلف. حينها لن نكون بلدًا فاشيًا. 

إعرفونا كبشر

    (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

    أثر علي خبر الاعتقال ثم الحكم السريع بالسجن ثلاث سنوات علي الرجلين اللذين وضع لهم فيديو الزواج المثلي. لم يؤثر في الظلم الذي وقع عليهم، و شبه اغتصابهم في كشف لا يفرق كثيرًا عن كشف العذرية فقط، بل أثر في أكثر ردود الأفعال  اللاإنسانية علي الخبر. اللا إنسانية التي تحاصرنا في هذا المجتمع سببها أن أغلبه، لا يعرف الاّخر. صورة الاّخر/ الأخري دائمًا صورة هلامية نظرية شريرة لا صورة بشرية من لحم و دم.
       لذلك قررت أن أكتب و أعبر عن طبيعة حياة ذوي الميول المثلية. ميلي الجنسي مزدوج لكلا الرجال و النساء يجعلني أفهم جيدًا هذه الحياة؛ لأنني حييت حياة مثلها إن لم تكن تمامًا مشابهة. سأحاول أن أعبر قليلاً عن طبيعة هذه الحياة و أشرح كم المعاناة التي يعانيها المثليون و المثليات في هذا المجتمع داخليًا و خارجيًا، نفسيًا و اجتماعيًا.
      المثلي/ة لا يملك/ تملك الشعور بالحب و لا الرغبة تجاه شخص من جنس مختلف.  لا يستطيع أن ينجذب عاطفيًا أو جنسيًا لشخص من جنس مختلف. المثلي/ة يملك مشاعر عاطفية و جنسية دائمًا تجاه شخص من جنسه/ا ، حتي احتلامه/ا يكون بشخص من ذات الجنس. المثلي/ة لا يملك كأي إنسان/ة التحكم باختيار بمن يحتلم /تحتلم أو من يحب/ تحب أو من يرغب/ترغب. لكنه ككل فرد في هذا المجتمع مربوط بأحكام اجتماعية و دينية و مجبر/ة علي رؤية مشاعره/ا و رغباته/ا كخطأ و حرام. و أحيانًا يجد/تجد نفسه/ا في مواجهة مع الدين و صراعات لا تنتهي عن عدالة الدين و الإله. المثلي/ة غالبًا يحاول /تحاول في مرحلة ما إنكار و مقاومة مشاعره/ا و إيهام نفسه/ا بكونه/ا غيري/ة، لكنه/ا طبعًا يفشل/تفشل ؛لأنه/ا لن يستطيع/ تستطيع أن يحب/تحب أو يرغب/ترغب شخصًا من جنس مختلف بالعافية.
      الزواج  هو الإطار الاجتماعي و الديني المقبول للجنس، و لكن للمثلي/ة ليس سوي اغتصابًا؛ لأنه علاقة جنسية بلا حب و لا رغبة و أحيانًا حتي باشمئزاز.  المجتمع و الدين لا يقرون أي إطار مقبول لحب و رغبة المثلي/ة. المثلي/ة بالدين و المجتمع مجبر/ة علي كبت مشاعره/ا العاطفية و الجنسية و لكن الأبشع أنه مجبر/ة علي الحياة في الظل. مجتمع المثليين و المثليات مجتمع مغلق جدًا، و أغلبهم عاجزون حتي عن البوح بحقيقة مشاعرهم لأحد؛ لأن المجتمع لا يرفضهم و حسب و لكن يدينهم و يخاف منهم. كثير من المثليات يخفن معرفة الفتيات بميلهن الجنسي؛ لأن كثيرًا من الفتيات تخفن المثليات و و تظنين أنهن سيتحرشن بهن.
        أسوأ ما في حياة المثلي/ة في مجتمعنا هو الحياة في الظلام. المثلي/ة يعيش/تعيش في الظلام . المجتمع يجبره/ا علي فعل كل ما يرغب/ ترغب في الظلام. المجتمع مزدوج و لا يرفض أي فعل و لكن يرفضه و يدينه فقط في العلن. كثير من المثليين يعيشون حياة مزدوجة و حياة بها الكثير من الصراعات بسبب ذلك. كثير من المثليين يضطرون لتمثيل دور ليس دورهم لأجل إرضاء المجتمع. المثليون و المثليات –عدا القليليين جدًا منهم- لا يواجهون المجتمع و يبقون حياتهم كلها في الظلام. و كثير منهم يقع في يد من يستغلونهم؛ لأنهم عاجزون عن مواجهة المجتمع. ليست علاقاتهم وحدها التي تكون في السر، بل مشاعرهم و رغباتهم، و جزء من هويتهم. مجرد الشعور بأن جزء من الهوية مخفي إن علم سيرفضون عليه، يجعلهم يعيشون بخوف و ازدواج، وسط الظلام.
      لا استطيع أن أشرح أكثر. كثير من التجارب البشرية يصعب فهمها لمن لم يعشها/تعشها. أنا نشرت تجربتي من قبل في مقال "تجربتي"، و أظن أن من يقرأها/ تقرأها قد يشعر/تشعر قليلاً بحياتي و مدي معاناتي، مع أنها مازالت مختلف عن حياة المثلي/ة. فأنا –علي الأقل-  أحب من هم من جنس مختلف.
       فقط أطلب منكم ألا تحكموا علينا وأنتم لم تحيوا حياتنا و لم تجربوا العذاب و الصراعات التي نعيشها. فقط أطلب منكم أن تحاولوا أن تقرأوا و تعرفوا عنا و إن كان حولكم أحد من القليليين الذين يبوحون منا أن تحاولوا أن تسألوهم و تعرفوهم كبشر، لا كمجرد ممثلين لكلمة "مثلي/ة".

       إعرفونا كبشر ثم إحكموا –إن كان يحق لكم الحكم أصلاً- إن كنا نستحق العذاب الذي يفرض علينا من المجتمع أم لا.

الأحد، 2 نوفمبر 2014

الدولة الجبانة و نموذج د.هبة رؤوف عزت

        (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
    
       مهما وصفت كيف وصلنا لمستنقع الدولة الجبانة، لن يعبر وصفي عن جزء صغير من ارتعادها.
      الدولة التي تخاف كل صوت، ليست دولة قوية بل إنها دولة هشة تحاول مواراة ارتعاشها بالقمع. لو لم تخف كل صوت، لما حاولت إخراسه. إنها لا تخاف من يشكلون قدرًا من الخطر عليها أو حتي التهديد لقبضتها الحديدية، بل يرعبها كل بادرة صغيرة تجهلها. تريد أن تملك البلد كما يملك الطفل بيت دماه، و تعتقد أن البشر دمي تستطيع أن تثبتها بالمكان الذي تشاؤه.
          بغبائها تفضح جبنها. ما معني أن تلقي القبض علي شباب في نشاط طلابي، لا علاقة له بالصراع السياسي الدائر بالدولة ؟ ما معني أن تلقي القبض علي مجموعة شباب في نموذج للمجلس القومي للطفولة و الأمومة ؟ هل وصلت إلي هذه الفوبيا من الشباب و السياسة ؟ أي دولة جبانة تلك ؟ تتنافس مع أشد الدول قمعًا في الجبن.
           الدولة ترتعب من كلمة "شباب"؛ لأنها تعلم أنهم هزوا عرشها من قبل و لم ينفع إهمالهم بمبدأ مبارك الشهير "خليهم يتسلوا". الدولة ترتعد من كلمة "سياسة"؛ لأنها لا تعرف السياسة و لا تعرف الحل السياسي و لا تفهم إلا لغة السلاح، كأي دولة عسكرية.
            تلك الدولة الجبانة تلاحق من لا يخافوا. الجبان دائمًا رعبه الأكبر من لا يخافه.
            د.هبة رؤوف عزت (استاذة الفلسفة السياسية بالجامعة الأمريكية و جامعة القاهرة) رافقت الشباب المقبوض عليه أمس من ممثلي جبن و حهل الدولة الرعديدة. لمن لا يعرفون هبة رؤوف هي ليست استاذة عادية؛ لا تعيش في برجها العاجي، و لا تنفصل عن الواقع و تنظر كأغلب اساتذة السياسة بمصر. هبة رؤوف تعيش مع الشباب، تعيش علي أرض الواقع بناء التجربة السياسية الحقيقية وسطهم. شخصية متواضعة و بسيطة جدًا.
             أول مرة ألتقيها كانت في الحفل الختامي لنموذج منظمة التعاون الإسلامي. حينها ذهبت –رغم أني لم أكن جزًء من النموذج- بشكل رئيسي لأجلها، قرأت عنها من قبل و وددت أن أراها. لم أكن أتوقع الحضور الذي بلغ بضعة اّلاف. تحدثت بنضوج و هدوء و جمهور متحمس لفكرة "الخلافة الإسلامية" عن حقيقة اختلاف العالم  و أن الاختلاف سنة الله –عز و جل- في خلقه و عن و ضرورة تقبل هذا الاختلاف.  
              عندما غادرت صالة النهر بساقية الصاوي (التي يصعب وصف ازدحامها حينها)، وجدتها أمام باب الساقية و يستأذنها البعض في التقاط الصور بجوارها. لم تعرفني من قبل، و لكن عندما طلبت منها أن أحدثها عن مجال تخصصي بالجامعة الأمريكية و عدم استقراري علي قرار حول التخصص بين خياري قسم سياسة و قسم فلسفة، أخبرتني أنها لن تدرس هذا الفصل الدراسي بالجامعة الأمريكية و مع ذلك هي مستعدة لمساعدتي.
               أعطتني بريدها الالكتروني و أرسلت إليها أطلب منها التحدث حول تخصصي، و لم أتوقع منها إجابة (خاصة و هي لا تعرفني)، لكني وجدتها ترسل إلي رقم هاتفها الشخصي، إتصلت بها (و لم أتوقع أن ترد علي رقمي) و وجدتها ترد ! تحدثت معي حول تخصصي و أخبرتني رأيها ، و لم تحاول أن تقصر المكالمة و لا أن تنبهني إلي مشغوليتها الكثيرة !
                  هذه هي د. هبة رؤوف عزت.
                  و مقابلتها بعقول هذا النظام الجبان الفوقي تصف ببساطة لماذا يخشاها، و لماذا هو أضعف منها، و من كل تلامذتها في كل النماذج الطلابية. هؤلاء يمثلون جزًء من فكر د. هبة رؤوف عزت، و إن افتقدوا رزانتها، و نضجها.
                    السؤال الملح البسيط هو : "هل ينتصر الجبناء بأليتهم الأمنية أم الذين لا يخافون بفكرهم و قيمهم و كلمتهم ؟"

                   الضعيف له السلاح، و القوي حقًا له الكلمة. 

الجمعة، 31 أكتوبر 2014

الطريق الأقصر إلي الدماء

     ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

    كلما زاد سطر الطغيان كلمة تكون الكلمة واجبي. لا أكذب، لا أريد أن أكتب. ليس خوفًا من السلطان الجائر، ولا من المطبلين أو المصفقين، إنما هو سأم، وبرودة.  أجل، سئمت، و بردت، لكن أحيانًا أعود أهتز، أود البكاء و الصراخ، وسط الصم.
         لماذا أدافع ضد شيء جلي إجرامه؟
        عندما كتبت في الماضي ضد أفكار و سياسات أراها خاطئة كنت أكتب؛ لأن هناك وجهة نظر أخري أظهر عورها. لكني الاّن لا أجد مجالاً حقيقيًا للنقاش. فيما أجادل ؟ أأحاول أن أبين إجرام الفصل التعسفي و السجن و التعذيب و القتل و التهجير القسري؟ كيف أجادل ؟
        لا أجد الكثير أقوله. الجريمة جلية.
         أساس نقاشي القيم الإنسانية، و القبول بأقصي درجات هتكها يعني ببساطة أنه لا أساس للنقاش.
         لا أجد ما أكتبه؛ لأن الجريمة تجهر بنفسها، و المصفقون قابلون.
         شيء واحد سأقوله، كتبته فيما مضي، و أكتبه ثانية، و لا أدري إلي متي سأظل أكتبه:
          أنتم تحفرون الطريق لرعبكم الأكبر "الحرب الأهلية"

         لكل ظلم ثمن، و الساكت/ة علي الظلم يأتي دوره/ا، و عندما نظلم لا يجب أن نتوقع أن نحقق الأمن علي الظلم؛ لأنه أساس هش. الطريق الأقصر للعنف هو العنف، و للدماء هو الدماء.

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

الشرطة المجتمعية و دولة الزيني بركات

 ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

      الدولة القمعية تظن أنها تملك السيطرة بالأسوار، تسور كل ميليمتر حول الأفراد و تظن أنها بذلك تكفل امتلاك القبضة الحديدية عليهم. تسلبهم الحرية و تجعل الوطن زنزانة كبيرة، كلما خافت زادت أسوارها.  الدولة القمعية تجعل كل سجين/ة سورًا للسجين/ة الأخري.  الدولة القمعية تخلق شبكة أسوار معقدة، لا ينجو منها أحد حتي صناعها (و إن خدعوا و ظنوا أنهم الأحرار).
       الدولة القمعية لدينا تحت إمرة وجهها الجديد، توطد دعائمها الصلبة الهشة بزيادة الأسوار في كل ميلمتر منها.  الأمن و الطلاب البصاصون بالجامعة خطوة من خطوات غرس الأسوار في المؤسسة المدنة العلمية، و تحويل الأفراد في صفتهم العلمية (كطلاب) إلي سور من أسوارها. و الاّن تتوسع للأخطر و تزرع السور في كل شارع، و بين علاقات البشر، تحول المجتمع بأكمله إلي سورها الكبير، لتركع كل أفراده بوهم القوة بإعطاء أسوارها الصغيرة لقب "الشرطة المجتمعية".
        الشرطة المجتمعية مهمتها أن يتحول الرد في إطاره الاجتماعي إلي سور من أسوار الزنزانة. دور الشرطة المجتمعية أن تشعر الأفراد في المجتمع أنهم أقوياء و تمنحهم الشعور بكونهم جزًء من الدولة المعية بينما هم مجرد سور من أسوار الزنزانة التي تبنيها بعرض الوطن. الشرطة الجتمعية تخلق من الأفراد بصاصين علي بعضهم حتي في مجتمعاتهم الصغيرة، تقتل وحدة المجتمع و روحه تجعله مجرد جعله سورًا من أسوار الزنزانة يسجن الكل لأجل الدولة القمعية.
          الشرطة المجتمعية تخدم علي كل أنواع القمع الاجتماعي و الديني و السياسي. تلعب الدور في سجن الأفراد، تكفل "الانضباط الأخلاقي" الذي يعد القناع التجميلي لمفهوم "القمع الاجتماعي" و تحفظ "الأمن العام" و الذي يعد درع "القمع السياسي".  سيكون للفرد داخل مجتمعه الصغير الدور في جعل مؤسسة القمع تتخلل اجتماعيًا و تصل يدها إلي كل مجتمع مهما صغر.  كل مجتمع صغير يملك بصاصيه.
            الشرطة المجتمعية تحقق أحلام كبير بصاصي دولة الزيني بركات. تحقق حلمه في أن يصير كل فرد بصاص علي من حوله، الزوجة علي زوجها، و الابن/ة علي والده/ا و الصديق/ة علي صديقه/ا. الشرطة المجتمعية هي جعل القمع يتغلغل حتي يصير جزًء من نسيج المجتمع، و كل ما يدخل نسيج المجتمع يصير انتزاعه أليمًا و عسيرًا جدًا.
            مرحبًا بهيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، مرحبًا بالحرس الثوري الإيراني في  نسختهم المصرية.
       
                                               مرحبًا بكم في بصاصين ستان
                                               مرحبًا بكم في دولة الزيني بركات.
      

السبت، 11 أكتوبر 2014

بطلتي تعلو و تعلو و تعلو

    بطلتي تعلو و تعلو و تعلو، بطلتي تزدهر أكثر و أكثر و أكثر، بطلتي تثبت أنها الأقوي بأحلامها.
    بطلتي لم يوقفها خوفها، لم تستسلم، قاتلت بشجاعة.
    بطلتي مازالت تحلم، و مازالت تقاتل لأجل حلمها، و لن تتراجع.   
    الجميع الاّن يصفق لبطلتي، و هي لم تصل لحلمها بعد، لكني أعلم أنها ستسير وراء حلمها و لن تتراجع، حتي و إن حاول الأشرار أن يخيفوها و يجعلونها تترك حلمها. إنها بطلتي، لديها حلم و ستتبعه حتي النهاية.
      أنا فخورة ببطلتي جدًا و أنا أري الجميع حولها يروونها مثلي بطلة كل يوم، و أود أن أتبع حلمي، و أقاتل مثلها من أجله. بطلتي ستحقق حلمها و ستتعلم مهما حدث، أعلم أنها ستفعل.
      أظن لوفي يحب بطلتي أيضًا و ربما هو سعيد بها الاّن، لكن لوفي لا يهتم برأي الناس في بطلتي، كما لا يهتم برأي الناس فيه. لوفي يهتم فقط بإتباع طريق الأحلام. و بطلتي تتبع حلمها و تقاتل الأشرار لأجله مثله.
     بطلتي ستحقق حلمها ذات يوم و ستنتصر، ربما لن تهزم كل الأشرار، و تجعل كل صديقاتها في زرعتها تتعلمن، لكنني أعلم أنها ستسير في طريق الحلم و ستحقق كثيرًا جدًا، و ستنتصر علي الأشرار، الانتصار الحقيقي؛ أن تحقق حلمها، الذي يبذلون قساري جهدهم ليمنعوها تحقيقه، كما يفعل الأشرار بلوفي.
       أسير وراء حلمي كبطلتي، و سنصل إلي حلمنا معًا، و معنا لوفي،
       سنصل إلي أحلامنا،
       سنغير زروعنا،
         و أرضنا.

             


الجمعة، 26 سبتمبر 2014

تجربتي

   ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

             مجتمعنا يجبرنا أن نعيش في الظلام. يختار لنا أن نأثم (كما يعرف هو الإثم) كما نشاء و لكن سرًا. مجتمعنا يسلبنا الحق في أن نحيا، في أن نشم نسيم الحرية.
             عندما نعيش وسط الظلام نتعذب، نعيش وسط وساوسنا و أوهامنا، لا نعرف أنفسنا حقًا، نضخم مخاوفنا، و قد يتملكنا ضعفنا.
            عشت باّلامي وسط الظلام. عشت بوجوهين كأغلب أفراد هذا المجتمع، وجه يراه المجتمع، و وجه أواريه، و أقاومه. حتي أمي –أقرب إنسانة لي- لم تعرفه إلا بعد ست سنوات من معاناتي وحيدة، ثم عرفه خمسة من أقرب أصدقائي بعدها بعام. عشت صراعي وحدي؛ لذلك عرفت معني عذاب العيشة في الظلام.
، ميلي الجنسي لكلا الذكور و الإناث. تعذبت طويلاً بسبب ذلك. لم أقاوم الإقرار طويلاً، و لكني قاومت طويلاً   Bisexualأنا      نفسي و لم أقبل بها أو أتسامح معها، بل ربما شعرتها عقابًا لي. بكيت طويلاً بسبب احتلامي بالنساء. بكيت طويلاً بسبب عذابي من الحواجز التي فرضتها بيني و بين النساء؛ لأنني ظننتني خطرًا عليهن. المجتمع يفرض علي النساء درجة انفتاح مبالغ فيها بين بعضهن مقابلة لدرجة إنغلاق مبالغ فيها مع الرجال. لم أشعر أنني أستحق درجة القرب التي يسمح بها المجتمع لي مع النساء. شعرت انني لا يحق لي أن أقبلهن أو أحضنهن، لا يحق لي أن أسبح معهن في أوقات النساء، لا يحق لي أن أجعل امرأة تزيل شعر حاجبي أو تغسل لي شعري، لا يحق لي أن أبقي في غرفة واحدة مع امرأة وحدنا. شعرت أن الامتيازات التي يعطيها المجتمع للمرأة مع المرأة ليست حقًا لي؛ و لذلك حاولت أن أضع حواجز بيني و بين النساء. حاولت أن أقاوم و أتفادي أن حضنهن أو قبلتهن، لم أسبح في وقت النساء سوي مرة واحدة، لم أذهب لمحل تصفيف الشعر سوي قبل الأفراح، أغلب الوقت هربت من مكان أجد فيه نفسي برفقة امرأة وحدنا.
               نظرة المجتمع لي علي أنني خطر جعلتني أخاف علي النساء بالذات مني، حتي أختي الصغيرة، لم أسمح لنفسي أن أبقي بجوارها في غرفة وحدنا. داخلي خفت نفسي، و بكيت، بكيت بألم، و حاولت أن أغلق الأبواب علي نفسي أكثر و أكثر، و أقيد نفسي أكثر و أكثر حتي أحمي من حولي من "خطري". أخفيت و عشت وسط الظلام أتعذب وحيدة، لا استطيع حتي أن أصرخ، و حتي عندما بكيت، بكيت وحدي في الحمامات حتي لا أسأل عن سبب دموعي.
               كبتي لرغبتي زاد عذابي. كلما أثارني جسد امرأة أو شعرت بلمسة من امرأة أو رجل لا تصل حتي للإثارة، ضربت جسدي بعنف حتي يغلب الألم الإثارة. أحيانًا إحتجت أن استعمل أكثر ألم ممكن (دون أن أجرح نفسي) حتي يهزم تركيزي بالألم تركيزي بالرغبة. و مهما قاومت و مهما تمكنت من إيقاف رغبتي، هاجمتني منتقمة مني في احتلامي؛ لأنني قمعتها وبعنف.
               لا أحد بإمكانه/ا تخيل كيف كانت عيشتي. تخيل كم مرة خفت  كلما حضنتني أو قبلني فتاة (بعدد مرات الحضن المصرية)، كم مرة أغض بصري كلما رأيت امرأة تخلع حجابها في الحمام، كم مرة ارتجفت كما وجدت أنني سأتواجد في موقف ما مع امرأة في مكان مغلق وحدنا، كم مرة أرفض نزول حمام السباحة لمعرفتي كونه ميعاد سيدات، بإضافة حقيقة أنني في مجتمع يفرض تلك المواقف. لا أحد بإمكانه/ا تخيل معني أن يكون وجوده/ا ضد البنيان الاجتماعي للتفاعل بين الأفراد اعتمادًا علي جنسهم.
                وعانيت لعذاب شعوري أن كل من حولي بمجرد معرفة الجزء المخفي مني (ميولي الجنسية) سيتركونني، تعذبت لشعوري أنهم يريدون لأمثالي الرجم، و شعرت أن علاقتي بهم بها كذبة. أردت أن أتحرر، أن أخبرهم بمن أكون و أخسر من أخسر و فقط أصير حرة بأي ثمن. أردت بجوار الحرية أن يبقي بجواري من يقبلونني كما أنا، لا يقبلون الصورة المرسومة في خيالهم عني.
                 بمساعدة اثنين أعرفهم، فهمت ما أحتاجه لأتحرر و إتخذت قراري.
                  كتبت علي حسابي الشخصي علي الفيسبوك حالة بها ميولي الجنسية و عذابي لصراعي لشعوري أن كل من حولي سيتركونني لو عرفوا حقيقتي، و أنني مستعدة للخسران. توقعت أن أخسر أغلب أصدقائي، و لا يبقي معي إلا الستة الذين عرفوا من قبل، لكن هذا لم يحدث. مخاوفنا تجعلنا نعيش في وهم مضخم، تجعلنا نتخيل الواقع وحشًا أسطوريًا.
                    كثيرون وقفوا بجواري في تلك الفترة و أثبتوا أنهم أصدقاء حقيقيون. و قليلون جرحوني، و هناك من تمكنت أن أعود إلي صداقتهم، و هناك من خسرتهم تمامًا (شخصان فقط!). و لكنني علي الأقل أدركت أن من حولي لن يتخلوا عني بسهولة، و يقبلونني كما أنا، لا كالصورة المرسومة في خيالهم عني. 
                     لكن الأهم هو أنا، الأهم هو ما تغير داخلي بسرعة خارقة بعد تحرري. 
                    تدريجيًا لم أعد اخاف علي النساء مني؛ لأنني وجدت –صديقاتي منهن- لا يبتعدن عني و لا يخشينني.  لم أعد أضع ذات الحواجز، صرت أحضن صديقاتي بإرادتي، صرت لا أجد ألمًا في جعل امرأة تصفف شعري أو تزيل شعر حواجبي، صرت لا أخاف بقائي مع امرأة في مكان مغلق وحدنا. لم أعد أراني خطرًا عليهن، و لا أظن أنني قد أتحرش بهن كما يظن المجتمع.
                     لم أعد أقمع رغبتي، صرت لا أتقبلها كقدر ابتليت به، بل أحبها. و عندما قبلتها، و لم أقاومها رحمت من العذاب، و قل صراعي معها، و قل ضغطها علي، حتي مرات احتلامي لفترة طويلة قلت. رغبتي لم تعد تعذبني عندما تسامحت معها، و تسامح معها أغلب من حولي، و أحببتها.
                    و بعيدًا عن رغبتي أشياء كثيرة داخلي تغيرت. صرت أري نفسي و أعرفني أكثر. عرفت قوتي و ضعفي. عرفت كم أنا هشة تطعنني الكلمات، و كم أنا عنيدة استفز لأقاوم بأي ثمن، و كم أنا قوية استطيع أن أوقف ضعفي عن التحكم بي. عرفت يسرا و أحببتها أكثر، و استطعت أن أبصر فيها ما كان جليًا و لا أراه. و شعرت بأنني شفافة و صادقة، لا كاذبة و مزدوجة و أرتدي قناعًا كهذا المجتمع. صدقي جعلني أحب نفسي، و أشعر أن من حولي يحبونني بصدق، يحبونني و هم يعرفون كل شيء عني. و لم أعد أخاف أن يأتي يوم يعرفون فيه شيء عني فيتركونني. هم الاّن يعرفون كل شيء و أي شيء  قد أفعله سيتوقعونه، و لن يكون مفاجأة لهم.
                       و الاّن أكتب مقالاتي و قصصي و رواياتي و أذكر فيها مشاعري و موقفي من الميول الجنسية بحرية، و "  Bisexual و لا أخاف أن يوجه لي "تهمة" كوني مثلية؛ لأني أعلنت حقيقتي ك "
                        أنا لم أشفي تمامًا بعد، فمازلت أشعر ببعض المشاعر غير المنطقية من رواسب الأفكار الاجتماعية و الدينية مثل شعوري بالذنب لدفاعي عن قضية الميول الجنسية أو كتابتي لقصة عن حب مثلي. و لم أتحرر تمامًا كذلك، فأنا مازلت أخاف معرفة والدي.
                      لكني الاّن  أكثر حرية، و حياة و حبًا لنفسي، و هذا وحده يستحق ثمنًا باهظًا.
                       لي رسالة واحدة، كل منا لديه/ا سر يجبره/ا المجتمع علي إخفائه و العيشة في الظلام، و الأفضل لنتحرر جميعًا أن نتصارح بحقيقتنا، و أن نقبل بعضنا باختلافنا و بما نراه في بعضنا خطأ أو خطيئة. الأفضل لنا و لمن حولنا أن نتحرر و ألا نكون مجتمعًا نستعبد فيه بعضنا.

الجمعة، 19 سبتمبر 2014

رحيل عمو منيب

  ماما كان تحدث بابا عن عمو منيب، ذهبت لأسألها عنه، فقالت لي أنه متعب قليلاً. بدا علي ماما أنها مختلفة، رأيتها حزينة من قبل و لكن تلك المرة شيء في ملامحها الحزينة كان مختلفًا، لكني حينها لم أفهم.
    وجدت ماما ليلاً تغير ملابسها للأسود، استغربت ؛لأن ماما لا ترتدي الأسود عادة، سألت ماما : "هل مات عمو منيب؟"
     ماما لم ترد في البداية، فقلقت، و سألتها مجددًا: " هل مات عمو؟"
      ماما قالت بهدوء: "مات."
       صدمت للحظة، ثم لم أصدق، ظننت ماما تمزح.  لم استطع التصديق، تذكرت وجه عمو، و لم أصدق أنه مات.
       بكيت في أول لحظة، لكني بعد البكاء قليلاً صمت. لم أصدق بعد.
       ذهبت إلي المدرسة حزينة، أخبرت مرنا أن عمو مات. مرنا لم تتركني، ظلت بجواري و كتبت لي رسائل كثيرة. قالت لي أنها لن تتركني و أن عمو ربما ليس حزينًا كما أظن، ربما يراني الاّن و سعيد، بل ربما قريب حتي و إن لم استطع أن أراه. خرجت من الفصل و ذهبت لأبكي في الحمام و عندما عدت وجدت أية و كريستين تتجهان نحوي. أية قالت لي أنه حتمًا في مكان أفضل الاّن، و أنني لا يجب أن أحزن. أخبرتني  أن والدتها قالت لها أننا سنري من نحب في الاّخرة؛ فربما ليست اّخر مرة أراه.
      أمير و بطيخة و سامي حاولوا أن يمثلوا أدوارًا كوميدية ا و يجعلونني أضحك، شعرت أنني ممتنة لهم، لا يتركوني. تذكرت عندما فقد لوفي أخاه إس، لوفي حزن، و لكنه استطاع أن يقاتل و يسير خلف أحلامه من جديد عندما تذكر أنه مازال لديه أصدقاؤه. أنا أيضًا لدي أصدقائي الذين لا يتخلوا عني أبدًا و يقفون إلي جواري ، يقاتلون معي.
        لا أعلم إن كانت أية علي حق أم لا. لا أدري إن كنت سأقابل عمو ثانية أم لا، أود أن يكون ذلك صحيحًا؛ لا استطيع تخيل انني لن ألقاه ثانية أبدًا، أنها النهاية. لا أظن أن ربي الذي أحبه سيفرقني أبدًا عن عمو، هو الذي منحني ماما و بابا و عمو و أصدقائي و دائرتي؛ لأجد من أحبهم و يحبونني. 
      عمو منيب وعدني أن يأخذني معه إلي المتحف المصري؛ لأنه درس اّثار و سيستطيع أن يشرح لي كل شيء عن رواة زرعتي القدماء. إتفقنا أن نذهب الشهر القادم، لكنه الاّن مات و لم  أسمعه يشرح لي قبل رحيله. ماما قالت لي أن الحياة قصيرة جدًا و لا يجب أن نضمن فيها أي شيء، فكلنا قد نرحل في أي لحظة، لم أفهم ماما حينها لكنني أفهمها الاّن جيدًا.
      بكيت طويلاً، ومازلت لا أصدق تمامًا أنني لن أري عمو ثانية، و لن أسمع منه مجددًا كلامه عن رواة زرعتي القدماء الذين يحبهم، لكنني مازلت أملك أصدقائي، و أظن أن ربي سيجعلني أراه، أظنها  ليست النهاية بيني و بين عمو .
       

       

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

من تقنين القمع إلي دسترة الديكتاتورية

          ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).   

          تم الترويج في الخطوات الأولي لإحياء دولة الفرد الديكتاتورية بمصر لدستور 2014 و الزعم بأنه دستور الحريات و الأكثر ليبرالية في تاريخ مصر. و لم يفاجأ إلا القليلون بأن الدستور ليس سوي حبر علي ورق، و أنه كما توقع الكثيرون سيحدد بقوانين سالبة للحريات، تحول القانون و القضاء المجبر علي الامتثال له، لمجرد  سور من أسوار الزنزانة.  و الاّن لا يشبع النظام النهم الجشع أنه قيد الحريات كما يحلو له في ظل وجود دستور ورقي بل يريد أن يرتفع من مرحلة تقنين القمع إلي دسترة الديكتاتورية.
           النظام الأّن يرمي فقاعته كما يفعل دائمًا قبل كل مصيبة كبيرة، يجس نبض الشارع و يمهد لها. النظام يسرب جزًء من مخططته لتعديل الدستور الورقي ليجعل ديكتاتورية الفرد دستورية. هو طبعًا قادر علي دهس الدستور متي شاء، لا مجرد التحايل عليه. لكنه يريد أن يجعل طغيانه و قمعه أقوي قانون، يريد أن يجعل تملكه للدولة و من فيها دستورًا. يريد بطريقة رسمية فجة فاجرة أن يجهر بأن البلد و من فيها حتي حياتهم ملك لفرد واحد لا يشاركه أحد.
          معني أن يصير لفرد يلقب ب"رئيس الجمهورية" الحق في إعلان الحروب دون الرجوع لمجلس الشعب أن يصير هذا الفرد مالكًا لحياة الشعب، مالكًا وحده لحق تعريض حياة كل المواطنيين للخطر حتي لمجرد رغبة منه. التجنيد إجباري، يعني أن الرئيس يملك الحق في إجبار الشعب علي وضع حياته علي المحك حتي شبابه الصغير.
         لا يمكن التفكير بحجة منطقية واحدة لجعل حياة شعب بأكمله معلقة بيد فرد أيًا كان حجم التأييد الشعبي له، و أيًا كان الظرف التاريخي.  لكن لماذا البحث ؟ المنطق ضد حياة الدولة الديكتاتورية، المنطق قاتل لها. لو فكرنا بالمنطق للحظة دون مشاعر مخادعة يزرعونها داخلنا مثل الخوف، و عشق العبودية، و تأليه القائد، لوجدنا أن كل قانون قامع و كل جريمة ارتكبت ضد المنطق، خطأ بل أقذر خطيئة، لوجدنا أن الفرد لا يملك ذرة من الحق الذي نمنحه إياه في امتلاكنا، في استرقاقنا.
        أعلم أن الأمر سيمضي، و سنخطو خطوة واسعة نحو الهاوية. أعلم أنهم سيحققون مرادهم  -ربما أيسر مما خططوا بمراحل-. أعلم أنه سيملكنا رسميًا وحده، كما امتلك مالك العبيد العبيد بقوة القانون، بل بحصانة الدستور لقرون في الغرب.
         أعلم و أعيش العذاب و نحن نسير بسرعة نحو العبودية الكاملة، و لكني أكتب كي أؤدي واجبي، و انتظر. انتظر و أتفرج.
         انتظر متي يؤلم العبيد العبودية، متي لا تمتعهم أكثر.
         و ربما يتساؤل كثيرون:
         هل سيأتي أصلاً يوم يؤلم العبيد العبودية؟
             

الجمعة، 29 أغسطس 2014

رحيل ميرهام

    أشعر أن كثيرين يرحلون و يتركون زرعتي وحيدة. وحيد مازال يقول أنه يكره زرعتي و يريد أن يرحل عندما يكبر، و لكن زاد علي كلامه الذي يضايقني، شعوري ان من حولي يريدون الرحيل و أن كثيرين يرحلون بالفعل.
    أحلم لزرعتي أن تصير أعلي زروع العالم، و لكنها لن تنمو وحدها، تحتاج رينا لها. أنا أرويها و سأظل أقاتل لأجلها، و أعلم أن دائرتي التي تقاتل لأجلها و ترويها، ستظل تقاتل معي، و ترويها معي. لكنني أري من حولي يتراجعون و ييأسون، و يريدون الرحيل، و يرحلون.
     عمتو نازك أم ميرهام ليست قريبة جدًا مني. هي قريبة ماما من بعيد، و لم أرها سوي مرتين قبل الأمس.لكنها كانت صديقتي و كنت ألعب معها عندما كنت أصغر. عمتو نازك قررت أن تترك زرعتي و ترحل، وستأخذ معها ميرهام. طلبت أن ترانا جميعًا قبل أن ترحل، و رأيت ميرهام، و بكيت، عندما قالت لي أننا قد لا نلتقي ثانية، و لكننا حتمًا سنتصل ببعضنا البعض.
       صحيح أن ميرهام ليست قريبة جدًا مني، لكنها صديقتي، و جزء من دائرتي و الاّن تبتعد عني، و تترك زرعتي، و لن تروويها ثانية معي.  عندما أدركت ذلك تألمت.تألم لأجل بعدي عن ميرهام و أيضًا لأجل زرعتي.
        كيف شعورها و هي تري الجميع يرحلون و يتركونها خلفهم؟ بماذا تشعر و رواتها يرحلون ويذهبون ليرووا زرعة أخري، لا يرونها هي؟ أعلم أنها تتألم، تتألم؛لأنهم لا يحبونها، و حتي و إن أحبوها، لا يريدون أن يبقوا فيها، لا يريدون أن يقاتلوا لأجلها أو يروونها.
         حتمًا تتألم.
          أدرك أنها تعلم أنني لن أرحل و أتركها، أنني سأظل أقاتل لأجلها و أروويها، لكنها حتمًا ستحزن إن كنت وحدي أقاتل و أروي.
          لا أريد لها أن تحزن، لا أريد لدائرتي أن تضيق، و لا أريد أن يرحل رواة زرعتي.
          و لكنهم حتي إن رحلوا، و حتي و إن ضاقت دائرتي، سأظل أنا و دائرتي نقاتل لأجلها و نروويها. 

الخميس، 14 أغسطس 2014

ثمن الخيانة

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

    عام علي الخيانة.
   عام مضي و أيدينا ملطخة بالدماء، عام مضي و نحن نحمل دم الشهداء.
    عام مضي دفعنا فيه ثمن شيء من دمائهم، و سندفع المزيد.
 
     منذ عام بدأنا طريق الوحشية.
   
      خنا مبادئنا و قبلنا بالقمع، و القتل و التمثيل و السجن و التعذيب لمن نراهم علي خطيئة سياسية.  لم يعنينا دماء من لا ننتمي لهم، من نراهم مختلفين يستحقون السحق.  قبلنا بازدواج المعايير و قبول الوحشية تجاه المختلف/ة؛ لكونه/ا مختلف/ة.  رأينا المئات يقتلون أمام أعيننا و وقفنا نعين القاتل، نصفق للدماء. طبلنا للقمع، و القتل.  صرنا وحوشًا متجردة من الإنسانية، حينها حفرنا بأيدينا مجري الدماء، بنينا أسوار الزنازين، و صنعنا أكبال الصوت.
       
     
       و ندفع الثمن.
       
        الأحد و أربعون ألف معتقل، و مئات القتلي ، و الطلاب المفصلون، و سياسات التضييق علي حرية الإعلام و الممارسة السياسية الطلابية و التجمع و التظاهر، و كافة صور التعبير عن الرأي، و الحريات الدينية بل حتي التضييق علي حقوق الأقليات الدينية و الجنسية هو ثمن مبدأي للخيانة و الأسوأ قادم.

          ثمن الدماء و الخيانة ليس ضئيلاً. لا يمكن أن نعيش بحرية أو بعدالة و نحن نحمل دماء بررناها و صفقنا لسفحها. لا يمكن أن نترك دون أن ندفع ثمن صمتنا علي الظلم و القمع بل تطبيلنا له. يجب أن يأتي الدور علينا. كل من صفق/ت، صمت/ت يدفع/تدفع الثمن بالدور. سندفعه جميعًا.
         
          ربما يملك/تملك كل من طبل/ت فرصة للتوبة، لكن حتي التوبة لن تعيد من فقد لمن تعذب.

           ربما نملك فرصة التوبة قبل أن يصير الثمن أبهظ، و  لكننا حتمًا سندفقع الثمن. صعب أن ينجوأحد، فأغلبنا ملطخ/ة بالدماء. أغلبنا لحظة صفق أو صمت.

           ليس السفاحون من قتلوا و حسب. السفاحون من صفقوا للدماء، و القتلة بالتواطؤ الصامتون.
   
           و كل قاتل/ة مصيره/ا دفع الثمن،
             ثمن الخيانة
             ثمن الدماء.
     

تسنيم تبكي

   رأيت تسنيم تبكي.  إتفقت معها أن نلتقي و نخرج،  لكننا عندما خرجنا، لم تكن تسنيم سعيدة. تسنيم تبتسم و لم أرها تبكي من قبل و لكنها لم تكن سعيدة اليوم، و عندما سألتها وجدتها تبكي.

    تسنيم أخبرتني أنها تذكرت صديقتها أسماء. تقول تسنيم أن أسماء ماتت اليوم و لذلك هي حزينة.  تشعر أنها تركتها وحيدة ورحلت. أخبرتني أنها أحبت أسماء جدًا و تربتا معًا منذ صغرهما، و تشعر بالذنب أنها لم تستطع أن تحمي أسماء، لم تستطع أن تنقذها.
تسنيم ظلت تبكي طويلاً وتذكرت مشاعر لوفي عندما عجزعن إنقاذ أخيه، عندما شعر أنه ضعيف لذلك فقده. أردت ألا أري تسنيم تبكي وددت لو كان معي أمير أو فيكتور أو سامي، كان يمكن أن يساعدونني و يجعلونها تضحك، شعرت لأول مرة أنني أحتاجهم.

      تسنيم ظلت تبكي طويلاً، لم أعرف ماذا أفعل ولكني حاولت أن أساعدها، أخبرها أنني معها و لن أتركها.  أخبرتها أن ربي يحبنا و يحبها و حتمًا سيجعلنا نلقاها في الاّخرة. قلت لها أنني سأظل بقربها و سأدافع عنها، و سنقاتل معًا و سنحمي أصدقاءنا و لن نتركهم. تسنيم ظلت تبكي و أخبرتني أنها رأت أسماء تموت و اّخرون و لكنها لم تستطع أن تفعل شيئًا لأجلهم. تسنيم تشعر بالذنب، و أنا أيضًا أشعر بالذنب؛ لأنني لم أكن مع تسنيم و لم أعرف أسماء و لم أحميها أو أحمي أصدقاء تسنيم الأخرين.لم استطع ألا أجعل تسنيم تبكي الاّن.

      لكني لن أترك تسنيم مجددًا، لن أجعلها تفقد أصدقاءها و تبكي. سأعرفها و أعرف أصدقاءها و أدافع عنهم.  أود لو تسامحني تسنيم، أود لو استطيع أن أعرف أسماء و لكنها رحلت. و أود لو دافعت عنها و أنقذتها.

      أود لو تصدقني تسنيم عندما أخبرها أنني لن أتركها وحيدة لتفقد من تحب و تبكي مجددًا أبدًا.
     
      

الجمعة، 8 أغسطس 2014

أسطورة المستبد العادل

     (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

    النظام الديكتاتوري أقوي من مجرد كونه نظامًا سياسيًا لديه اّليات أمنية و اقتصادية و قاعدة شعبية. النظام الديكتاتوري هو فكر، إيمان منغرس داخل الوعي الجمعي بفكرة الديكتاتور. إسقاط الديكتاتور لا يكفل إسقاط النظام الديكتاتوري ما لم يوازي إسقاط الفكرة في الوعي الجمعي. لذلك يحرص كل نظام ديكتاتوري علي التوريج لأفكار قمعية عبر الإعلام و غرسها داخل وعي الشعب، بتكرار الكذبة حتي تصدق.
      الفكرة التي تربينا عليها في المجتمعات العربية منذ عصر عبد الناصر لتحصين كرسي الديكتاتور هي "المستبد العادل"، ربيت أجيال علي التصديق في هذه الأسطورة. الأسطورة تقول أن هناك زعيم بطل يستطيع إنقاذ العرب من كل نكباتهم، و يستطيع تحقيق العدالة الغائبة، و لكن كل ما يحتاجه هو تسليم الشعب له، المعادلة الشهيرة العيش مقابل الحرية. "المستبد العادل" أسطورة القامع الذي يحقق العدل للشعب.
        صدقت أجيال تلك الأسطورة و انتظرت البطل "المستبد العادل" المنتظر، و لم تحاول أن تنقد تلك الفكرة أو تحللها للحظات قبل التصديق الأعمي بها. و ككل الأفكار الاجتماعية و السياسية و الدينية في مجتمع ضد الفكر الحر، ضد النقد، ضد الحرية قبلت دون نقاش أو تفكير حتي. و لو حللت تلك الفكرة لفترة قصيرة جدًا لثبت كذبها بل سخفها.
       كلمة "استبداد" أصلاً صورة من صور الظلم ؛ هي فرض رأي واحد علي الأغلبية حتي و إن لم تؤمن به. الاستبداد استئثار بحق السلطة و سلب للاّخرين حقهم فيها. الاستبداد يناقض تمامًا فكرة المساواة. كيف يمكن للاستبداد ألا يكون ظلمًا؟ إنه صورة من أبشع صور الظلم؛ حيث يمتلك فرد كل السلطة و لا يسمح لأحد أن يأخذ جزًء منها، و الأزمة في السلطة أنها امتلاك لحرية، فكأن المستبد يسلب الحرية من الجميع و يضعها في خزائنه هو. لماذا لا نعامل السلطة كالمال؟ الاثنان ملكيتان و من يأخذ/تأخذ الملكية العامة نعتبره/ا مغتصبًا/ةً، مختلسًا/ةً و لا نصفه/ا أبدًا بالعدل. لماذا نصف من يأخذ/تأخذ حرية الجميع غصبًا أو نصبًا بالعدل؟
      و حتي إن قبلنا الفكرة نظريًا، و قلنا أن الاستبداد ظلم مقبول و أنه لا خطأ في "المستبد العادل" أو ما يجب أن يسمي "الظالم العادل". فلننظر إلي الواقع، هل يحقق/تحقق المستبد/ة العدل؟ كيف؟ ليضمن المستبد/ة الاستبداد، ليضمن/تضمن سلب حرية الجميع يجب أن يظلم/تظلم، ليس أمامه /اخيار اّخر، حتي و إلم يشأ/تشأ ذلك. هل هناك نظام ديكتاتوري في العالم لديه نظام قضائي لا يتدخل في القضايا السياسية؟ لا يوجد. القضايا السياسية يجب أن يحلها القضاء و بما أن مقاومة الاستبداد و استرجاع الحق في الحرية يجب أن يواجهه الحاكم/ة المستبد/ة بالقمع لتحصين كرسيه/ا، فيلجأ/تلجأ المستبد/ة إلي القضاء لمعاقبة أولئك الذين طلبوا استعادة حريتهم المغتصبة. يعاقبهم القضاء علي سؤال حقهم في حريتهم التي يضعها المستبد/ة في خزائنه/ا. أين العدالة في محاكمة المسروق/ة عندما يسأل/تسأل استعادة ما أخذ منه/ا ؟
         القضاء يتحول تحت الحكم المستبد لسلاح في يد المستبد/ة ضد من يسألون حقهم في الحرية. القضاء يحمي الحق، و لكنه يغدو تحت الحكم الديكتاتوري درعًا لمغتصب/ة الحق، و بمقدار الاستبداد و الشر يتحدد مدي الظلم الذي سيقع علي السائل/ة لحقه/ا في الحرية عقوبة علي دفاعه/ا عن حقه/ا. هناك مستبد/ة يعاقب/تعاقب بالسجن، بالفصل، بالإقصاء، بالتعذيب، و هناك من يصل في طغيانه للإعدام. لكن مهما بلغت طيبة المستبد/ة يظل ظالمًا/ةً يعاقب/ تعاقب من يدافع/تدافع عن حقه/ا؛ لأنه/ا جسر/ت سؤاله.
         كيف يمكن بعد ذلك للمستبد/ة تحقيق العدل؟
      لا أظن والدان فقدا ابنتهما تحت حكم مستبد سيشعران بأن ذلك النظام عادل. لا أظن طفلاً مسجونًا؛ لأنه جرأ الاحتجاج سيدعي أن النظام عادل. لا أظن طالبة مجدة فصلت من دراستها بسبب معارضتها للنظام السياسي ستري النظام عادل. لا أظن أي مدافع/ة عن حريته/ا دفع/ت ثمنًا باهظًا للدفاع عن حقه/ا سيري/ستري العدل المدعي للنظام المستبد.
      المؤمنون ب"المستبد العادل" لم يحيوا أبدًا الإدراك لظلمه، لم يفرق معهم أن يسلبهم حقهم في الحرية، و لم يجربوا بطشه؛ لأنهم دافعواعن الحق. المؤمنون بالأسطورة لم يعرفوا كيف يشعرون بصدق بعذاب المظلوم الذي خضع لطغيان المغتصب؛لأنه دافع عن حقه. المؤمنون بالأكذوبة لم يحيوا الوجه الاّخر لها، يرون جانبًًا وحيدًا أسطوريًا.

      و يحيا النظام المستبد و يمارس طغيانه بحرية و خلفه يصفق هؤلاء المؤمنين بالأسطورة. يعلم أنه لولا الأساطير ما استطاع يومًا أن يغتصب الحق في الحرية و يملأ بها خزائن سلطته. لولاها ما استطاع أن يملأ سجونه بالمظلومين الذين بجحوا و سألوا جزًء من الحرية المسجونة داخل الخزائن أسفل الكرسي.

الجمعة، 1 أغسطس 2014

ميداني أريد أن أهتف لأجلهم

          عندما أرتنا استاذة بسمة قليل من الصور من فلسطين، صدمت جدًا. استاذة بسمة قالت أنها لن ترينا إلا صورًا قليلة، هي التي ستختارها، و سألتنا أن نكتب عنها مقالاً اليوم. تذكرت حينها عندما طلبت مني كتابة المقال عن زرعتي،عندما بحثت عن زرعتي، وحاولت أن أعرف هل هي غالية و مهمة حقًا أم لا. حينها احترت بسبب من ماتوا لأجلها، و من ماتوا لأجل زرعتهم في فلسطين.
          الصور التي أرتها لنا صدمتني، حتي الأشرار الذين واجهوا أبطالي ليسوا بهذا الشر. ربما فقط حكومة العالم التي يتصدي لها لوفي ارتكبت جريمة كتلك التي يرتكبها هؤلاء الأشرار. لوفي لو كان هنا لذهب ليدافع عن الأطفال الأصغر مني الذين تقتلهم إسرائيل الشريرة. لوفي لو كان هنا لأنقذهم. لكن حتي لو أنقذهم لوفي، ستعود إسرائيل الشريرة لتقتلهم من جديد لاحقًا كما فعلت من قبل.
          أنا فرحت عندما رأيت صور دائرة الكبيرة التي تسع العالم كله و هي تقاتل و تدافع عن فلسطين. فرحت عندما شعرت أنها مازالت معي، مازالت تتصدي للأشرار، حتي و إن لم تستطع أن تنتصر، لكنها علي الأقل لم تتركهم و توليهم ظهرها بل قاتلت، قاتلت مثل لوفي. لم تقل إنهم غريبون عنها، لم تقل أنهم لا يعنونها بل قالت أنهم جزء من دائرتها و يجب أن تدافع عنهم، و تقاتل لأجلهم.
         أريد أن أقاتل. أريد أن أعود إلي دائرتي و ميداني و أقاتل، أقاتل لأجل زرعتي، لأجل أصدقائي، لأجل دائرتي الكبيرة الواسعة، و لأجل فلسطين. أريد أن أقاتل الشر، كل شر، لوفي لم يكن ليترك أصدقاءه يموتون أمام عينيه، لم يكن ليصمت. أريد أن أنقذ دائرتي، أريد أن أدافع عنهم كما دافعت عن دائرتي، من ميداني أريد أن أهتف لأجلهم. زرعتي ستفرح بي هكذا.
       أعلم أنها تحبهم.