( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)
رغم تجرأ الليبراليين و العلمانيين علي مواجهة كثير من الأراء التي تعارض فكرهم و لكنهم يضغطون مكابح جرأتهم عندما يجدون أنهم في مقابلة مع المادة الثانية و لا يجسرون علي نطق حرف حتي في تغيير صياغتها ، و يعلمون أن هذا ما يسمي في السياسة (الانتحار السياسي ). هذا في رأيي ضعف و نفاق و عدم ايمان بالمباديء و لكني ليس لي الحق في الحكم ؛لأني -و الحمد لله- خارج اللعبة السفيهة السياسية التي تجري في مصر الاّن و يحق لي ألا أخاف ، و يحق لي أن أكتب بحرية ضد ما لا أؤمن به و أقف بقوة بجوار ما يقيني فيه ، و لا أخشي التكفير أو خسارة الشارع كالسياسين.ربما تخالفوني في الرأي و لكن من حقي أن تقرأوا وجهة نظري كاملة قبل أن تتخذوا القرار.
تنقسم المادة الثانية في وثيقة السلمي الي ثلاثة أقسام . القسم الأول هو ( الاسلام و العروبة) و القسم الثاني هو (الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) والقسم الثالث( لغير المسلمين الاحتكام لشريعتهم في أحوالهم الشخصية ) .
سأبدأ بالقسم الأول ، في دستور 1971 (مصر دولة اسلامية )و في وثيقة السلمي ( الاسلام دين الدولة) ، ربما يرضي المواطنون البسطاء بكلا الصياغتين فهم سيرون كلمة "اسلام" أو "اسلامية " و هذا يكفيهم و يكفي رغبتهم في الشعور بهيمة الاسلام و لكن كلا الصياغتان مختلفتين . الأولي تصبغ بالقوة الهوية السياسية الدينية علي الدولة ، فمقابلها ان كان الأكثرية مسيحين ( مصر دولة مسيحية ) فهي اذا تفرض هوية النموذج السياسي الديني الاسلامي علي مصر . هذه الصياغة مضادة ل (مصر دولة علمانية ) مثلاً و ربما يبدو هذا مفاجئاً و لكن قد يأتي بجوار مصر دولة علمانية أن الدين الرسمي للدولة هو الاسلام ! لأن هذه الصياغة تتحدث عن الهوية السياسية للدولة ، لا عن الدين المهيمن . و لنتذكر أن السادات و هو يضع هذه الصياغة كان يريد ارضاء التيار الاسلامي ليضرب به الاشتراكيين ؛لذلك وضع صياغة تجعل من مصر سياسياً دولة اسلامية ،لا مدنية أكثرها مسلمين . و لكن الصياغة الثانية التي وضعها السلمي تجعل (مصر دولة مدنية) و لكن تقول أن (الاسلام هو الدين الرسمي للدولة). هذه الصياغة في اعتقادي مقبولة ,و لكن بعد مليونية الجمعة اضطر السلمي علي التراجع الاصغاء قسراً الي (الحرية و العدالة ) التي رفضت صياغة أن (مصر دولة مدنية ديمقراطية ) و ألغت كلمة (مدنية )و أظن أن السبب واضح الاّن.
لماذا لا تكون الصياغة ( الديانات السماوية هي الديانات الرسمية للدولة )؟ في كثير من دول العالم يتم الاعتراف بأكثر من ديانة كديانات رسمية للدولة ، و أيضاً بأكثر من لغة كلغة رسمية لها . و لماذا يصر الكثيرون علي عدم الاعتراف بوجود غير مسلمين بمصر ؟ لماذا يصر الكثيرون علي أن أي غير مسلم بمصر ليس جزءاً ذا وزن من مصر و ليس سوي(أقلية) ليس من اللائق الاعتراف بها في الدستور ؟
الجزء الثاني هو ( الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع )و هو ذاته بنفس الصياغة في دستور 1971 و وثيقة السلمي.هذا القسم لم يجرأ أحد علي مناقشته طبعاً حتي الذين يرفضون علناً تطبيق الحدود الاسلامية . و لو عدنا ثانية الي الوراء لوجدنا أن السادات و هو يضع هذا القسم، كان يريد ايهام القوي الاسلامية التي يريد بها ضرب الاشتراكيين أنه يمهد بها لفرض الحدود الاسلامية و لكنه طبعاً لم يكن مستعداً لذلك و لكن بقي هذا القسم من المادة موجوداً لا تستطيع القوي الغير اسلامية مهاجمته بعد التحولات التي حدثت للمجتمع المصري و تحول المادة الثانية الي قراّن سياسي يعد المناقشة فيه -كما ذكرت سالفاً - انتحار سياسي .باختصار هذا القسم عبارة عن تمهيد لتطبيق الحدود الاسلامية و هنا نعود الي موضوع تطبيق الحدود الاسلامية. هل يجوز تطبيق الحدود الاسلامية علي غير المسلمين ؟ لو لا يجوز هل سنجعل غير المسلمين يحاكمون بقانون مدني و المسلمين بقانون علي أساس اسلامي ؟ هذا يعني وجود قانونين في الدولة و وجود قانونين في الدولة لم يحدث الا في حالتين (اما نظام التفرقة العنصرية ) أو (أقاليم الحكم الذاتي ) أما الخيار الأول فلا تعليق عليه و أما الخيار الثاني فهو غير وارد في مصر أصلاً فغير المسلمين في مصر ليسوا في مكان واحد ككثير من دول العالم و لكنهم موزعين علي أقطار مصر كلها . و لا ننسي أن كلا الخيارين يعنيان تعزيز الايمان -لا الشعور- بأن غير المسلمين أقلية بمصر يعاملون بطريقة خاصة ، و كل الدول التي بها أقاليم ذاتية يكون انفصال الأقاليم الذاتية عنها مسألة وقت لا أكثر .أما ان كان يجوز تطبيق الحدود الاسلامية علي المسلمين فنحن نري بجوارنا السودان و لكن فالنفكر للحظة ، لو كان الوضع معكوسأ و كان المسيحيون الأكثر و الحدود الاسلامية شريعة مسيحية هل كان المسلمون سيوافقون علي تطبيقها قسراً عليهم و ماذا كان شعورهم حينها ؟، هل المساواة؟ هل المواطنة ؟ هل الحرية ؟ أرجوكم أريد اجابة صادقة من القلب .
و من سيقول الكلام الانشائي عن (قيم الشريعة الاسلامية التي توافقها كل الأديان هي المصدر الرئسي للتشريع) كتفسير ل ( الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) فليعلم أن الدستور ليس كتاباً أدبياً تذكر القيم و المباديء فيه ، و كل كلمة فيه لها معناً واضحاً و صريحاً يطبق بقانون ما.
أما القسم الثالث المبتكر ( لغير المسلمين الاحتكام الي شرائعم في الأحوال الشخصية ) فهو موضوع بجوار ( الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ليس بشكل عشوائي و لكن ل(ارضاء الطرف الاّخر ) فمكانها الطبيعي في قانون الأحوال الشخصية لا الدستور.و هذا يعني أن (الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) تطبق علي غير المسلمين الا فيما يخص الأحوال الشخصية ، التي تخضع لشريعتهم الخاصة من قبل وضع دستور 1971 أصلاً. و هنا تتأكد النية علي فرض رؤية الشريعة الاسلامية علي غير المسلمين.
بذلك أكون قد أوضحت جزءاً كبيرأ من وجهة نظري في الصياغات المختلفة للمادة الثانية من الدستور و أعلم أنكم حتماً قد لا تقتنعوا بها كلها بالتأكيد و لكن علي أقل تقدير فقد قرأتموها كاملة و أنا أشكركم علي ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق