( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)
كانت خمس ساعات صعبة جداً علي ، واجهت ما كنت أقرأه ، أكتبه و أشاهده علي التلفاز. دائماً يمنعني حاجز منيع عن الواقع أكتب من عالم و أحيا في اّخر ، أقرأ عن عالم و يهيأ الي أني أحيا فيه و أصدم أني من كوكب اّخر ، أظن نفسي حية وسط بلادي و أنا أحيا داخل قوقعة كبيرة محتجزة داخلها أنظر الي الخارج من ثقب فيها. و لكن اليوم تحطم حصن منيع و خرجت من قوقعتي لخمس ساعات ، خمس ساعات أرتني الكثير.
مرضت أمي و صرخت، تألمت و خافت أن يزيد عليها الألم فذهبت نحو القصر العيني ، لم أتخيل أن نبقَ هناك أكثر من ساعتين علي الأكثر ، فقد شعرت أمي بمغس الكلي مرات عدة قبل ذلك و لم يكن الأمر ليزيد عن هذا الوقت ، ارتديت ثيابي بسرعة و كان لدي مزاج أن أرتدي ملابس (محتشمة) عكس طبيعتي ، لم أدري ألأني خائفة عكس العادة أم لرغبة لدي في التغيير و لكني أرتديت ثيابي بسرعة و نزلت مع أمي و جدي و سائق الشرطة الذي يعمل معنا و مع خالي مقابل أجر من أمي.
دخلت الي المستشفي و لم يكن في بالي أن شيئاً أكثر من المعتاد سيجري و كالعادة دخلنا الي الطوارئ التي كانت مزدحمة جداً و كانت في استقبالنا ممرضة تعرف أمي و تعتني بها و نعطيها دوماً بقشيش مجزي ، ساعدت أمي و ذهبت لتبحث عن طبيب كالعادة ، حتي ذلك الوقت كنت أظن أن كل شيء سيمضي كما مضي دائماً ، و لم تخطر ببالي ما ستحمله الساعات القليلة المقبلة من أحداث قد تبدو لقرائها عادية و لكنها لكاتبتها تحمل الكثير جداً.
تأخر الطبيب قليلاً و لما جاء كتب لأمي مسكن يحمل جرعة مخدرة و بقينا ننتظر و أمي تصرخ كما لم أسمعها تصرخ من قبل مدة لا أعرفها و لكنها طويلة و لما سألت الطبيب عن المخدر قال أنه قادم (و كان يتحدث في جوالهو يجلس في الاستراحة و otvعلي التلفاز) و السبب هو أن الدواء غير متوفر و اضطروا لاحضاره من الخارج .مع كل صرخة كان شيء داخلي يتغير ، أنا باردة و قد تعودت علي صراخ أمي و لكن هذه المرة الأمر كان أشد ، لقد خرجت و سمعت صراخها من بعيد و عندما عدت الي سرير أمي و اغلقت الستارة فتحتها سيدة و قالت لي أنها جاءت لتري ان كانت أمي وحيدة لتبعث اليها أحدهم . كل هذا عادي ، شعور ابنة بالألم تجاه أمها التي تقبض علي يدها و كأنها تتشبث بطوق النجاة ،و لكن ما جاء بعد ذلك لم يكن ألماً لأمي التي تصرخ و لكني لبلادي التي تصيح. عندما جاء المحلول لأمي جاءت الممرضة و معها ممرضة أصغر لتضعا المحلول و لكن كان الأمر عسيراً لضعف ضخ الدم و استعانتا بثالثة كانت ماهرة جداً و وضعت لأمي المحلول بسرعة ، فرحت بمهارتها التي أسعدتني لأن بلادي بها ممرضات ماهرات و لكني تسرعت ، أجل تسرعت.
يا تري هل كانت الممرضات الثلاث ستعتنين بأمي هكذا ان لم تكن دكتورة جامعية و تعطي بقشيشاً مرتفعاً ؟ سؤال صعب علي ؛فأنا دائماً أضعف و لا أملك الشجاعة لعدم اعطاء ممرضة أو خادمة أو نادل بقشيش لأري ما سيفعلونه حينها ، أخشي ، و أتمني أن أملك الجرأة ذات يوم لفعل ذلك و مجابهة الحقيقة .
تركت الممرضات أمي حتي يعمل المخدر و مضين ، و جلست الي جوارها في عنبر الطوارئ ، و اغلقت الستارة ، و لكن حاسة السمع التي تعد الأقوي لدي لم تغلق نو دفعتني دفعاً نحو الحقيقة . سمعت صوت الممرضة (الماهرة) تحدث اثين يبدو من صوتهما أنهما ليسا مصريين أو علي الأقل ليسا من القاهرة . كانت نبرتها نبرة تعالِ و جفاف ، قالت لهم بكل تعالٍِ أن مصاريف كشف الباطنة 6 اّلاف جنيه و صدمهما الرقم فكرراه ، فقالت لهما أن هذا الرقم غير العمليات التي ستحتاجها الحالة و الغالية جداً فسخر أحدهما و كرر( غالية جداً) فأعادتها ثانية و قالت أنهما يجب أن ينزلا معها الاّن ليكتبان أنهما سيخرجان لأنه" ليس معهم نقود" قالت العبارة الأخيرة بتعالٍ شديد غاظني .وددت لو ساعدتهما لو دفعت النقود لهما و لكني تذكرت أني لا استطيع أن أفعل الشيء ذاته كل مرة أري فيها هذا الموقف هنا ، شعرت بالذنب ، شعرت أني عندما امنحها البقشيش فأنا اشترك في هذه الجريمة و لكني منحتها أياه . وقلت لنفسي أن هذا لمهارتها ( و التي اثبتتها أكثر بعد ذلك) و لكني مازلت أتسأل ألست جزءاً من هذه الجريمة؟
سمعتها ثانية و لكن هذه المرة تتحدث في الجوال مع أحدهم و تسأله عن حالة طفل و تقول له أنه مريض منذ الصباح و هي بالعمل لا تستطيع تركه و أعصابها محطمة و مضت تصيح فيه و بعد أن أغلقت الخط مضت تسب و تلعن.ربما اخطأت و لم يكن الصوتين لها و لكن في كل الأحوال فلا يهم لمن الصوتين و لكن المهم أنهما موجودين.
بصراحة لم استطع التحمل أكثر، هشة ، أليس كذلك؟ مضيت أبكي ، أجل بكيت . لم أبكِ بسبب صراخ أمي أو القشعريرة التي انتابتني في كل مرة غرزوا فيها الابر ، و لكني بكيت لأني رأيت ، أبصرت ، سمعت . صحت بأمي و قلت لها أنها سبب معاناتي ، أنها أرتني الحقيقة ، كنت ابنة سيئة ، أليس كذلك؟ قالت لي أمي أن أعود للمنزل و لكني صحت أن علي الصمود ، أني لا ينبغي أن أضعف و يجب أن أواجه الحقيقة. للحظة كرهت مبارك جداً ، كيف تذكرته ؟ لا يهم و لكني كرهته ، كرهت من جعل أناساً يعجزون عن علاج أهلهم و يشعرون بالذلة من تعالي ممرضة عليهم لعجزهم حتي عن دفع ثمن الكشف ، تسألت ماذا لو لم تكن أمي دكتورة جامعية؟ ماذا لو كنا فقراء و جاءها هذا الألم ، كيف كنت سأتحمل طردنا رغم ألم أمي ؟أما كنت سأكفر بالوطن ؟ تذكرت واحد حكي عن رفض مستشفي علاج ابنه و قبول مستشفي القوات المسلحة ، لقد كره المستشفي و لكن لو تركته القوات المسلحة لكان كره الوطن.
خرجت و سرت بأمي نحو الأشعة المقطعية لنري في سبب تكرار المغس الكلوي و أنا ذاهبة رأيت شجاراً كبيراً في الاستقبال بين ممرض أو طبيب طوارئ ( لا أدري ) و بين رجل و حولهم مجموعة قال الممرض أنه كان يقصد المساعدة فرد عليه الرجل ( بالأم و بالأب) و لم أسمع الباقي و لكني فقط شعرت أني وسط سوق و تسألت كيف حال المرضي و حولهم شجارات هكذا و لم استطع الوقوف أكثر عندما جاءت عيني في عيني الممرض فمضيت نحو غرفة الأشعة . هناك حكيت لأمي و قالت أن سبب الشجار غالباً مادي لأن المستشفي شديدة الغلاء ، و لكني شككت بالأمر . انتظرنا قليلاً لأن فنيي الأشعة كانوا يصلون ثم دخلت أمي الأشعة و بقيت أنا في استراحة الأشعة مع جدي و ممرض و اتصلت بجدتي التي مضت تثرثر معي و كانت في حالة قلق بشع ، ثم جعلت جدي يكلمها ، فاذا بي أفاجأ بالممرض مركز تماماً مع جدي و ينظر اليه بامعان و هو يحدث جدتي ، فلم أتمالك نفسي من الضحك!
و عدنا نحو الاستقبال و جلسنا هناك و جاء ممرض يتسأل ممرضة عن ممرضة اًخري فقالت أنها تصلي فقال " أي صلاة في الثامنة و النصف" و مضي يتشاجر معها. ثم سمعت شجاراً هائلاً يأتي من ناحية باب الطوارئ و لكني لم أعرف عنه شيئاً . بعد الأشعة تبين وجود ضمور في الأنشجة بالكلي و طلب الطبيب ابقاء أمي بالمستشفي لعمل منظار ( و كان يراقب جواله و هو يحدث أمي) و سمعت حواراً في استراحة الأطباء كان فيه اثنين يتحدثان عن قرب سقوط الأسد و أن تجميد عضوية سوريا يعطي الطريق لأمريكا لتفعل ما تشاء من حظر جوي.
حجز خالي غرفة لأمي مشتركة لعدم وجود غرفة مزدوجة فارغة ،و حجزها بأنف أذن و حنجرة لامتلاء المسالك البولية، و مع ذلك عندما وصلنا الغرفة رفضت الشريكة ادخالنا في البداية و كان معها ثلاث نساء و طفل و رجل و رفضت غلق الستارة عليها ، و جائت احدي النساء لتتشاجر و تسأل عن ثمن المرافق ، و هنا لم أمتالك نفسي فمضيت أضحك و أبكي في اّن واحد أمام الممرضات ،و بكيت بشدة و ضحكت بشدة أيضاً. في النهاية دخلنا الغرفة و طلبنا الأمن ليري من سيبقي معها و من سينزل و كانت مريضة سكر بترت ساقها و ستبقي معها ابنتها لمساعدتها و هنا تركنا الغرفة لها باذن خروج حتي الصباح و أجري خالي حوار لم أسمعه مع الرجل الذي كان معها في الغرفة حول الثورة حيث قال عنها أنها فاشلة ، أما الرجل فقد شارك فيها ، و كان يدافع عنها. و بعد هذا الحوار انتهت الساعات الخمس.
كانت خمس ساعات صعبة غيرت نظرتي و حملت في طياتها الكثير، ربما ترون ما رأيت كل يوم و لكني متأكدة أنكم حتي ان أعتدتم عليه فهو ليس بالعادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق