(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة)
الغيبة من أسوأ الخصال التي تزرع في المجتمع ، التي تنمو مع الصغار ربما منذ كانوا في أرحام أمهاتهم،التي تغرس بذورها بقوة داخلنا و يصير مع مضي الزمن اجتثاثها أشبه بالمستحيل.كل هذا نعرفه جميعاً و ربما جربناه و أكتوينا بناره مغتابين و مغتابين، و لكن هل فكرنا يوماً بأن هذه النار وقودها الايمان أو بالأحري عدم الايمان بالحرية؟
الغيبة سلوك اجتماعي ينتج عن تربية منذ الصغر علي عدم وجود خصوصية للفرد ،فنحن ندع الصغار يستمعون الينا و نحن نتحدث عن غيرنا و عن ثيابهم و زواجهم و طلاقهم و سلوكياتهم و فشلهم و أرائهم. نجعلهم يتعلمون كيف يحشرون أنوفهم في شئون غيرهم و كيف ينظرون الي أدق التفاصيل في حياة أقرانهم منذ الصغر ، ننسف داخلهم مبدأ الخصوصية ، و نرسي داخلهم قواعد التدخل في شئون الغير و عدم الايمان بحرية الاًخر . عندما يكبر الصغار نراهم نسخة مسخة منا و هم ينظرون الي ثياب الاًَخرين ، أفكارهم ، زواجهم ، طلاقهم ،فشلهم و لا يحترمون حرية هؤلاء الاًخرين في الملبس و الزواج ، و الفكر ، و اختيار الطريق.
هل فكرنا من قبل لماذا تقل الغيبة في المجتمعات الأكثر تقدماً ؟، ربما لضعف المجتمع و العائلة ،و لكن أيضاً لأنهم يؤمنون بحرية كل فرد في الاختيار .لا يؤمنون أنه من حقهم سلب الاّخر حقه المشروع في حرية الاختيار.الحرية الشخصية في الملبس و الزواج و التحرر أو التعصب.لو أننا لا نري أن الطلاق ليس خطأ أو أن الملبس الذي لا يعجبنا ليس خطأ و أن الدين المختلف ليس خطأ و أن كل هذا و أكثر حرية الاّخر هل كنا سنغتابه؟ لو كنا نري أن السمين و الذي يرتدي ملابس ممزقة و الذي يصفف شعره بطريقة غريبة أحرار في هذه الاختيارات هل كنا سنغتابهم؟ لو كنا مؤمنين حقاً بحرية الرأي و العقيدة ، هل كنا سنتكلم بنية الغيبة عن المختلف معنا في
الدين و الرأي و نسخر منه خلف ظهره؟لو كنا مؤمنين حقاً بالحرية هل كنا سنتحدث عن الذي يتبني رؤية اًخري في الدين علي أنه كافر أو في أحسن الفروض فاسق؟لو كنا نؤمن بالحرية الشخصية هل كنا سنغتاب من يطلق و من يتزوج عدة مرات و من يفضل أو تفضل العنوسة؟لو كنا نؤمن بحرية العقيدة هل كنا سنغتاب -لدرجة اشعال الفتنة- في من يختار بحريته تغيير دينه؟
الغيبة أغلبها مشكلة ايمان بحرية الاّخر أو كفربها ، ايمان بحق الاّخر في الاختيار أو كفر به. و كما تعد الحرية و قمعها دائرة لا يسلم منها أحد تبدأ بقامع كبير مروراً بقامع أصغر فقامع أصغر ،حتي تشمل المجتمع بأكمله ، فكذلك هي الغيبة لا يسلم منها أحد فعندما نكفر بحرية شخص و نغتابه حتماً سنجد من يكفر بحريتنا و يغتابنا ، فهي دئارة لا تنتهي.و أعتقد أن الخطوة الأولي للاقلاع عن هذه العادة القمعية ( التي تقمعنا قبل الاّخر و تجعلنا عبيد لها يصعب علينا التوبة منها)أن نفكر دائماً في أن الاّخر يملك الحق في اختياره و يملك الحرية ، فعندما نجد أن كلمة سيفلت زمامها من شفاهنا نفكر أليس الاّخر حر؟ قبل أن نتركها تخرج الي غير عودة و تعمق داخلنا أكثر كفرنا بالحرية التي نتشدق ليلاً نهاراً بها ،و توسع أكثر دائرة الغيبة الكبيرة التي تبتلع المجتمع غير المؤمن بالحرية بأكمله... .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق