الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

لنحيا حياة مصرية 2

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة )

الطعام و الشراب و الملابس هم ما سأتحدث عنه في هذا الجزء ،فان كنا نريد حقاً أن نحيا حياة مصرية ، فعلي الأقل يجب أن يكون طعامنا و شرابنا و ملابسنا مصرية خالصة ، ليس المهم فقط أن يحملوا ختم (صنع في مصر ) و لكن يجب أيضاً أن يحملوا روح مصريتنا و هويتنا.
أعلم أن كثير منا يأكل كشري و فول و طعمية و أطعمة اّخري مصرية و بخاصة الطبقات الفقيرة التي لا تملك شراء أطعمة أجنبية كالهامبورجر و البانيه و البطاطس المحمرة ،و لكن هل نأكل كل ما هو مصري ؟ ألم تندثر أو علي الأقل قل طهي بعض الوجبات المصرية و خاصة في مواسمها ؟هل مازالت العشوراء تقدم في كل البيوت المصرية يومها ؟ هل مازالت الأسر المصرية تطهو الفتة و تقدم الاقراص في العزاءات ؟ هل أصلاً الأجيال الجديدة لديها فكرة عن هذه التقاليد؟ هل تحرص الأسر المصرية علي اجراء الولائم في الأعياد و الجمع كالماضي ؟ هل ما يطهي في الولائم اليوم كله أكل مصري ؟ هل الطبقات الأكثر ثراء تمثل الأطعمة المصرية الغالبية العظمي من طعامها أم أنها استبدلت الصيادية بالسوتشي و السيمون فيميه و الدجاج بالبانيه و اللحوم البتلو بالهامبورجر و الفتة و المحشي بالأرز الصيني و أم علي و المهلبية بالايس كريم الأمريكي ؟حتي الخبز الذي يسمي من شدة أهميته للمصريين (العيش) و كان يسمي (عنخ ) عند المصريين القدماء بمعني (الحياة) فأغلب الطبقات التي تملك رفاهية شراء خبز بلدي جيد أو خبز غربي أو شامي تشتري خبز غربي أو شامي.
هذه ليست أسئلة موجهة ضدد الطبقات الأعلي دخلاً ؛لأن الطبقات الفقيرة اذا امتلكت المال فستفعل الشيء ذاته، الموضوع في تعود علي طعام محدد غير مصري ، و أعتقد أن أسس هذا التعود كانت عقدة الأجنبي المتأصلة داخل نفس الأجيال جيلاً بعداّخر و بأيدينا تغيير ذلك .أولاً بالذهاب للمطاعم التي تقدم طعاماً مصرياً مثلما نذهب لتلك التي تقدم طعاماً غربياً و ثانياً بالحرص علي تناول الأطعمة المصرية لا كل موسم وحسب (مثل رمضان و الأعياد) و لكن أيضاً علي مر العام .
المشروبات المصرية كالتمر هندي و العرقسوس و الكركديه و الدوم و الينسون التي تعود الي أيام المصريين القدماء تكاد تنزوي تماماً لحساب المياه الغازية بشتي أنواعها ، لدرجة أن شركة مياه غازية حاولت دمج هذه المشروبات داخل منتجاتها ! و أغلب المصريين الاّن يقدمون لضيوفهم مياه غازية بدلاً من المشروبات المصرية حتي الطبقات الأكثر فقراً الا في رمضان ، و حتي في رمضان تقدم بعض العائلات المياه الغازية التي تكثر اعلاناتها في تلك الفترة.و كلنا ندري أن القيمة الغذائية للمشروبات المصرية كبيرة جداً ،لدرجة اجراء أبحاث غربية عليها ،و كلنا ندري أيضاً الضرر البالغ الذي يلحق بنا جراء تناولنا للمياه الغازية .
أنا لا أدين أحداً ؛ لأني تربيت علي الطعام الغربي و علي مدي ثلاث سنوات لم أطلب طعام سوي البانيه في أي مطعم ،و أعشق الخبز الغربي و الأيس كريم و أفضله علي أم علي والحمدلله لا أتناول المياه الغازية الا فيما ندر، و لكني سأحاول أن أعدل من ميزان طعامي و شرابي ليكون بقدر معقول مصري ، لا أتخيل أن أأكل كل وقت طعاماً مصرياً و لكن يجب أن يكون للطعام و للمشروبات المصرية الغلبة في نظامي الغذائي .
الملابس موضوع أكثر تعقيداً ، فنحن كمصريين نملك حضارة عبارة عن مزيج من الهوية الفرعونية و القبطية و الاسلامية العربية و نملك بيئات متنوعة من بيئة زراعية الي بيئة صحراوية بدوية الي بيئة مدنية متغربة و متخلجة لا تحمل أي بعد مصري و بيئة ساحيلية لها خصائصها أيضاً.أعتقد أن ملابسنا يجب أن تكون مزيجاً من كل الحضارات و البيئات المصرية .
ملابس المصريين الاّن أغلبها اما غربي أو خليجي كهويتهم المتناقضة تماماً الاّن فتيارا التغريب و التخليج زيفوا فينا ما يكفي و حولانا الي مسوخ أبعد ما تكون عن المصرية ، و هذا منعكس تماماً في ملابسنا . سأبدأ بالنساء ؛لأنهن بالطبيعة و بالثقافة أكثر اهتماماً بالثياب و الزينة .النساء في مصر الاّن لا يرتدين الجلاليب المصرية الا فيما ندر فهن يرتدين اما البناطيل الجينز الضيقة الأمريكية أو يرتدين العباءات الخليجية بحجة الحشمة؛ رغم أن العباءة تفصل الجسد أكثر من الجلباب الفلاحي أو الاسلامي .لا أجد مثلاً فتاة ترتدي فستان فرعوني قصير أو طويل أو اكسسوار فرعوني ،لا أري محجبة ترتدي جلباب فلاحي أو سيوي بدلاً من العباءة ، لا أري محجبات يرتدين طرح من الطرح الفلاحي .حتي وان جرأت امرأة علي فعل ذلك فستصير أضحوكة ، و للغرابة الجلباب الفلاحي علامة فقر بينما العباءة الخليجية كناية عن الاحتشام! و قد نزلت قبل ذلك بملابس فرعونية أشتريتها من خان الخليلي عدة مرات ، مرة في القرية الفرعونية و حسبني العاملون أجنبية ؛لأني أرتدي ملابس مصرية ، و لو كنت ارتدين بنطال غربي لكانوا عرفوا أني مصرية! و ظنني الزائرون عاملة بالقرية! و مرة سرت في الشارع فتلقيت معاكسة في صيغة سخرية و ناداني أحد الرجال :"يا نفرتيتي !"
أعلم أنه من الصعب علي النساء تحدي الجهل و ارتداء ملابس مصرية و ترك الملابس الخليجية أو الغربية ،أعلم أنه صعب عليهن أن يفعلن الشيء ذاته و يسرن بملابس فرعونية أو جلباب فلاحي و سط مجتمع يستغرب كل ما هو مصري و لا يستثير كل ما هو خليجي انتباه ، و لكن يجب أن نتحدي و يجب أن نعلن أننا مصريات ،و نرتدي ثياب تتصف بالمصرية ،سيصدم هذا المجتمع في البداية كالتنورات القصيرة عندما بدأت تغزو مصر في الستينات أو البناطيل الضيقة التي غزت مصر في التسعينات ، أو العباءات التي صارت تشكل الزي الرسمي للمصريات حتي غير المحجبات و الأطفال ، علي الأقل هذه المرة سنواجه المجتمع لأجل مصريتنا لا لأجله تخليجه أو تغريبه.و هناك الكثير من الجلاليب القصيرة و الطويلة الأنيقة و القمصان بأكمام قصيرة و طويلة تباع في الخان و في كرداسة رائعة التصميم الاسلامية و العربية و تناسب كافة الأذواق . و هناك اكسسوارت رائعة فرعونية و اسلامية و حتي مصنوعة علي الصدف تباع في الخان .
و نحن نلاحظ أن الصيحة الاّن هي تزيين الملابس و الحقائب بالكلمات العربية و هناك مسابقات أزياء مصرية الأّن لاختيار أفضل التصميمات مصرية ،أنا سعيدة لذلك لأنه يساعدنا علي اختيار مصريتنا في ثيابنا و لو كنت أملك المال لأقمت مصنع يستخدم الزخارف العربية و الاسلامية و التراث الأثري عالمياً الفرعوني لتصميم الملابس و الاكسسوارت بدءاً من الجلاليب المميزة و الطرح للمحجبات انتهاءاً بملابس السباحة لغير المحجبات.
الاّن أنتقل الي الرجال ، لست خرقاء لأدعو رجلاً أن يرتدي تنورة كما كان يحصل في عصر المصريين القدماء قبل اختراع البنطال ،و لكن لماذا لا يرتدي الرجال قمصان عيها عبارات عربية بدلاً من العبارات الغربية ؟ لماذا بدلاً من ارتداء بعض الرجال الجلباب الخليجي الأبيض يرتدون جلباب فلاحي ؟ لماذا بدلاً من ارتداء القبعات الغربية لايرتدون الطاقية النوبية أو العمة ؟ لماذا لا تدخل التصميمات الفرعونية و الزخارف الاسلامية في تصميم البناطيل القصيرة و الطويلة ؟ هناك خيارات كثيرة جداً و لكن لو كان هناك رغبة حقيقة في تصميم ملابس رجال بحس مصري ،فأقل تقدير مثلاً يمكن استبدال الرسومات الكثيرة التي تعلو ربطات العنق بمفاتيح نيل و عيون حورس.
بذلك أكون قد ذكرت نماذج متعددة لتغير نمط الطعام و الشراب و الملبس ليكونوا أكثر مصرية و لكن عليكم دائماً التفكير فحتماً ستجدون أفكاراً أكثر لتصير حياتكم أكثر مصرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق